يواجه الفلسطينيون في إسرائيل، وخصوصا منذ تولي اليمين للحكم في إسرائيل، هجمة لا مثيل لها، والتي تتمثل في تصعيد الكراهية ضد قيادات مركزية، الربط بين أحداث والفلسطينيين (مثل الحرائق التي حدثت مؤخرا)، واقتراح مجموعة من الأنظمة والقوانين المعدة خصيصا لهذا الجمهور (آخرها المصادقة على مشروع قانون'منع الآذان عبر مكبرات الصوت').

يعرض المقال قراءة موضوعية للهجمة السياسية الموجهة ضد المجتمع الفلسطيني عامة والشخصيات المفتاحية خاصة. آخر هذه الهجمات ما يخضع له الدكتور باسل غطاس من إجراءات رفع الحصانة البرلمانية، التحقيق والاعتقال. الهجمة التي تتميز بثلاثية الأوجه من ناحية وكلائها: الساسة، الإعلام وأجهزة ما يسمى بـ'العدالة الجنائية' (الشرطة والنيابة والقضاء).

قبل تقديم تحليل لهذا الهجوم، من الأهمية تلخيص شكلها ومحتوياتها. رواية الشرطة تتلخص بأنها تنسب للنائب غطاس 'شبهات بالتآمر على ارتكاب جريمة والاحتيال وخيانة الأمانة ومخالفة أنظمة مصلحة السجون'. 

يحصل كل ذلك في الحيز العام وفي وقت قصير جدا. تُخطط الشرطة وإدارة السجون بعملية 'صيد' النائب خلال زيارة له في سجن 'كتسيعوت' ومن خلال تصوير لقاء له مع الأسرى. وفي أعقاب ذلك، طالب أعضاء كنيست والمستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية نزع الحصانة عنه مما أتاح للشرطة التحقيق معه لتقديمه للمحاكمة لاحقا. بالتالي، تم التحقيق مع النائب في مكاتب وحدة الجرائم الخطيرة 'لاهف 443' ليتم اعتقاله وتقديمه للمحكمة التي مددت اعتقاله مرتين. تحصل هذه المحاكمة الميدانية في وقت قصير جدا، وكلاءها صحافيون ووسائل إعلام، أعضاء برلمان ورجال شرطة. وفي أوجه هذه الحملة بادر وزير الأمن الداخلي، غلعاد إردان، إلى ترديد رواية الشرطة بأن النائب غطاس قد توارى عن الأنظار تهربا من تحقيق الشرطة، وإنه في حال لم تتمكن الشرطة من الاتصال به، فإنها ستلجأ إلى تحديد مكانه بوسائل تكنولوجية، في حين أن تناقلت وسائل الإعلام العبرية بيان الشرطة بأسلوب درامي، تحت تساؤل 'أين اختفى غطاس؟'  وفي حين آخر تناقلت هذه الوسائل أن النائب 'اعترف' بفعلته. لهجة رئيس الحكومة ووزراءه يُميزها العداء والكراهية: 'إن أعضاء الكنيست من القائمة المشتركة هم مجموعة عملاء وخونة ...، فمن عزمي بشارة حتى غطاس وحنين زعبي ممثلة سفينة مرمرة، سأعمل لكي لا يكونوا في كنيست إسرائيل'؛ 'إن ثبتت الاتهامات ضد غطاس فيجب ألا يبقى غطاس في كنيست إسرائيل'؛ 'من يهرب هواتف خليوية لقاتل في السجن يدرك جيدا أن استخدامها قد يؤدي إلى ارتكاب اعتداءات إرهابية وأعمال قتل أخرى'، ووصف أردان النائب غطاس بالشخص الخطر على الجمهور معتبراً أن 'مكانه خلف القضبان'. 

ما يحصل مع النائب غطاس ليس جديدا. إنها ممارسات وإجراءات تعكس أيدولوجيات مزمنة، وكلاؤها يختارون 'أعداء مناسبين' وكبش فداء في أوقات يحددونها والتي تخدم مصالحهم الضيقة. يحصل ذلك في سياق ثلاثة مفاهيم هامة في علم النفس الاجتماعي وعلم الجريمة: اغتيال الشخصية، الذعر الأخلاقي والصراع على الوصمة. يندرج تعرض شخصيات فلسطينية لحملات في أوقات مختلفة ضمن عمليات ومحاولات اغتيال الشخصية، وهي من نوع المحاولات التي أصبحت معروفة ومكشوفة عالميا. إن اغتيال الشخصية هو اغتياب الشخص، أو الفئة أو مجموعات داخل المجتمع وتشويه سمعتهم بغرض تدمير ثقة الناس فيهم وتصفيتهم اجتماعيا وسياسيا، ومن خلال استخدام مجموعة من الممارسات الهجومية. هذه عملية متعددة الأوجه والأشكال والأنماط تهدف إلى تدمير السمعة الجمعية لنواب محددين أو لحركة محددة أو لمجتمع بأكامله، ومن خلالها يستخدم وكلاؤها أساليب ظاهرة ومخفية مثل نشر اتهامات باطلة، تعميم وتعزيز الشائعات، تضليل الحقائق والتلاعب فيها أو التعبير عن أجزاء منها.

يحصل هذا الاغتيال في سياق ثلاثة ملامح أساسية: هجمات متعددة ومتلاحقة في وقت قصير؛ في إطار الحيز العام وممتد لخارج الحدث المحدد.  من الواضح أن عملية الاغتيال لا تحصل في فراغ وإنما هي مرتبطة بأربعة شروط: اختيار ضحية رفيعة المستوى؛ اختيار ضحية رفيعة المستوى سياسيا؛ اختيار ضحية رفيعة المستوى، سياسيا وناجحة في أفعال محددة؛ تُمثل الضحية أيديولوجية ذات تأثير في المجتمع.  وفق هذه الشروط، فالوكلاء ذات التأثير سياسياً يختارون التوقيت المناسب ويختارون 'العدو المناسب' لبدء هجوماتهم. كما نعرف فالمعلومات التي يوفرها الإعلام وبضمنها وسائل التواصل الإلكتروني هي عملية مُحركة ومُغذية للاغتيال الفردي أولا، والذي ينتقل لاغتيال جمعي، أي يتم التركيز بداية على السياق الشخصي للضحية المختارة، وثم عملية تحويل وتعميم للسياق السياسي الأشمل.

بطبيعة الحال، يختار هؤلاء الوكلاء المبرر الأكثر تأثيرا على أفراد الأغلبية التي يمثلونها: المبرر الذي يحمل الحساسية الفائقة وهو 'التهديد الأمني'. إن اختيار هذا المبرر وما يرتبط به من قضايا مصيرية (مثلا: قضية الأسرى) يحصل في إطار سياسة 'صفر تسامح' من الأطراف الثلاثة المؤثرة في مجتمع 'الأغلبية': الساسة، الإعلام والشرطة. واضح أيضا أن هذه الحملات تعكس سيناريو التوقيت المناسب للمهاجمين؛ والتخطيط المُحكم وسهولة نقله للسياق الأشمل ليصبح  ما يسمى بـ'اغتيال جمعي' بل العقاب الجمعي.

إن عملية اغتيال الشخصية لا ترتبط بالفعل المحدد، وليست بالفاعل المحدد، وإنما مرتبطة بدراسة التفاعلات السياسية والاجتماعية في السياقات الأوسع، حيث تُعتبر إشارة 'للآخر' ضمن عملية تخويف شرسة. تحدث ردة الفعل السياسي والإعلامي والشرطي على مستويين: الأول، الذعر الأخلاقي، الذي يتمثل بتعبيرات سخيفة مثل: 'إن ما يحصل لا يمكن تصديقه'؛ 'كيف يمكن للشخص أن يفعل ما فعله'؛ ما يحصل هو برهان 'أن الطرف الآخر هو عدو...'. من الأهمية ذكره هنا أن بناء وضع الهلع في الحيز العام هو محرك ومقوي لعمية اختيار لكبش الفداء ولعنوان الاغتيال، حيث يختارون فرض صورتهم النمطية ليس فقط على الشخص المحدد 'كبش الفداء' وإنما على الجمهور الواسع الذي يمثله. والثاني، هو الصراع على الوصمة: يحصل هذا الصراع بين متساوين في القوة (وهذه ليست الحالة التي تعنينا)، وصراع بين قوى متباينة. وفق الحالة الثانية، ما يحصل هو أن ذوي القوة يحاولون لصق الوصمة على الطرف الآخر، الأقل قوة وشرعية ومن خلال تنفيذ إجراءات قانونية وقضائية كامتداد للهجمة السياسية والإعلامية.

من دون أدنى شك أن ما يحصل اليوم هو ضمن اغتيال الشخصية، الذعر الأخلاقي والصراع على الوصمة، كاستمرارية للمواقف الهستيرية التي يخلقها أطراف من وزراء وشرطة وصحافيين وممثلي قانون وقضاء، والذين يصفون أنفسهم بالأخلاقيين والإنسانيين.  يبدو أن وكلاء السيطرة في هذه البلاد وكعادتهم يُظهرون نواياهم علانية نحو فلسطينيي الداخل. إن الحدث الذي ما يزال في أوجه تفاعله، مثله باقي المواقف والأحداث، التي حصلت مع أشخاص ومؤسسات وحركات، تنصب كلها في سيناريوهات ثابتة أصلها أيديولوجيات صهيونية استعمارية والتي تُدرك أن الآخر دائم التهديد لوجودها.

من الخطأ تحديد التفكير لتوجه مفاده أن الفعل والفاعل يقعان في إطار خرق القانون، بل من اليقين تصويب المؤشر نحو ردود الفعل الهستيرية لتلك الأطراف.   

اقرأ/ي أيضًا | اعتقال النائب باسل غطاس: عبر أولية