ماذا يجري في بغداد ..؟

ماذا يجري في بغداد ..؟

وزعت أجهزة الإعلام الأمريكية شريط فيديو ، بثته جميع أجهزة التلفزة العربية ، بعضها بحكم عدم وجود مراسيلين له في بغداد، والبعض الآخر بحكم مشاركتها في الحرب الإعلامية ضد العراق ، مهما على صوتها بالتنديد بالضحايا . وقد جاء شريط الفيديو الموزع والذي جرى بثه ، مكتملاً في أساليب الحرب النفسية التي احتواها، من حيث إظهار المواطنيين العراقيين - الذين قاتلوا أكبر قوة عدوانية وصمدوا في وجهها - كسارقين ولصوص مكرراً التكتيك الإعلامي النفسي الذي مورس حين إحتلال أجزاء من البصرة . وبعد وقت من الترقب والتوتر وحرق أعصاب المشاهدين ،وبعد أن فعل الشريط الأول ما فعله من تسليم الناس بالهزيمة وبسقوط بغداد ، أعيدت الروح لعمليات البث المباشرللقنوات العربية من بغداد . وإذا كان الفيلم الأول قصيراً وكله إيماءات ، فقد جاء البث التليفزيوني المباشر طويلاً ومطولاً ، ومقصوداً طوله ، ومايزال حتى الآن ، يظهر ترحيبا بقدوم القوات المعادية.. ويظهر تجول الأعداء في العاصمة العراقية ، وكأنهم في نزهة ، مما زاد التساؤلات حده ..


في مواجهة هذا الذي يجري ومع الوضع في الإعتبار ، غياب الصوت العراقي بعد قصف محطات التلفزيون والإذاعة العراقية ، فإن تحليل ما يجري الآن في بغداد يمكن تلخيصه حتى الآن في ثلاث إحتمالات :
أننا إزاء خطة استراتيجية للعراق تستهدف عدم تحقيق أهداف القوات المعادية - التي اقتحمت بغداد - في التعرف على الدفاعات العراقية ومصادر النيران وظروف التسلح .وأن خطة القوات العراقية تقوم على سحب القوات الأمريكية (للداخل) لتحييد الطيران من المعركة المقبلة في كافة أجواء بغداد ويعزز المرجحون لهذا الاحتمال رأيهم ، بالإشارة إلى أن ما جرى كان إنسحاب منظماً حيث إنسحبت جميع أشكال المقاومة إنسحاباً منظماً ، ودون "فاقد في القوات " ودن اشتباك مع قوات العدو المهاجم، كما تم انسحاب كافة القادة أيضاً ، كما يعزز هؤلاء ترجيحهم لهذا الاحتمال بالنظر إلى عدم ظهور أي من أفراد الجيش العراقي ولا قادتهم ولا مدافعهم ولا دباباتهم حتى الآن ، سواء محطمة أو مستسلمة .

ويرى هؤلاء ان العراق كان قرارة الاستراتيجي هو عدم خوض" معركة طويلة" في بغداد بالنظر إلى أنه بلا احتياطات استراتيجية اقتصادياً وعسكرياً مقارنة باحتياطات القوات المعادية، ومن ثم فان خطته هي أن يدخل في معركة واحدة حاسمة" إما النصر وإما الهزيمة" ، وبناء عليه فإن العراق حشد أهم الاحتياطات الاستراتيجية في قلب بغداد وما حولها ويسحب القوات الأمريكية إلي داخلها ، لتكون قدرته على اصابة الأفراد من جيش العدو أعلى من أي معدل تحتملة القوات الأمريكية ، وحتى يتمكن من الحصول على عدد كبير من الأسرى ، يتمكن من المساومة بهم في الحل السياسي بعد المعركة .

وإذا كان هذا هو رأي بعض الاستراتيجيين فإن هناك من ينتقد هذه الرؤية بوصفها متفائلة ،بالقول بأن ما حدث في بغداد الآن سبق حدوثه في " نموذج البصرة" حيث فوجئت القوات المعادية بعدم وجود مقاومة تذكر حينما إجتاجت المدينة إحتلتها . ويعيب هؤلاء على أصحاب الإحتمال السابق أيضاً ، بأنهم لا يدركون مدى حجم الخسائر الواقعة من جراء القصف الجوي المتواصل لمدة عشرين يوماً على بغداد .

وفي مواجهة الإحتمال السابق ، هناك من يرى أن ما حدث هو أن ثمة إتفاق قد جري توقيعه بين القيادة العراقية ، والقوات الأمريكية والبريطانية المعتدية بواساطة روسية أو بوساطة من روسيا وألمانيا وفرنسا ، وأن هذا الإتفاق نتج عنه إنسحاب القيادة العراقية مسالمة ، مقابل وقف كل أشكال المقاومة ، وسحب الجيش إلى خارج العاصمة ، أو حتى تسريبه.

ويرى أصحاب هذه الرأى أن هذا هم ما يفسر توقف الدفاع الجوي عن مواجهة الطيران الأمريكية فوق بغداد إلى الدرجة التي جعلت هذه الطيران يطير على إرتفاعات منخفضة خلال الأيام الأخيرة ، وهو أيضاً ما يفسر عدم ظهور أيه مقاومة من أي جماعة من جماعات المقاومة أو حتى من جنود وزارة الداخلية ،اضافة الى مجموعات فدائيي صدام ، أو المتطوعين العرب الذين تدفقوا على بغداد .

ويرى أصحاب هذه الرأى ، أن القيادة العراقية قررت في اللحظة الأخيرة وقف مجزرة رهيبة كان سيتعرض لها الجيش العراقي وأنها قاتلت إلى الدرجة التي أقتنع فيها الأمريكان بأن معركة بغداد ستكون خسائرهم فيها غير محتملة ، ثم ساوم ووقع .

ويرجح أصحاب هذا الرأي رأيهم بما حدث في حرب الخليج الثانية حينما وقع صدام حسين على إتفاق بعد الحرب لإنقاذ بقية جيشه وإنقاذ نظامه .كما يستشهدون في ذلك بحجم التنازلات التي قدمها العراق خلال قبولة لعمليات التفتيش .. وتدمير أسلحته .

لكن هناك من يرد على أصحاب هذا الرأى بأنه ليس ثمة ما يوحي بهذا الإتفاق ولو كان الأمر كذلك لكان هناك أفراد يستسلمون من الجيش العراقي ، إذ ليس معقولاً أن تقبل الولايات المتحدة الامريكية بإستسلام شكلي . كما يرون بأن الجانب الذي إحتله الأمريكان في بغداد هو الجانب الأضعف فيها وأن القوات الأمريكية احتلت جزءاً فقط من بغداد.

اصحاب هذا الراى يرون أن المقاومة إنهارت تماماً ، وأن ما نراه هو نموذج أخر من إنهيار سور برلين ، حيث أنه ما إنهار السور ، إنهارت السلطات وكذا ما حدث في دول أخرى جميعها . ويعزز أصحاب هذا الرأى إحتمالهم هذا ، بالنظر إلى الإختلافات العرقية داخل بغداد ، وإلى حالة القهر التي مارسها النظام العراقي ضد مواطنيه . وأن المواطن العراقي كان يدافع عن وطنه تحت قيادة تقهر ، ومن ثم كان مخلخلاً من داخله وأنه كان أقرب إلى الإستجابة إلى فكرة الهزيمة منه إلى فكرة الإنتصار وأن ما حدث هو هزيمة 67 أخرى لكن بعد مقاومة أقوى بحكم المقاومة الشعبية . غير أن هناك من يرد على هذا الإحتمال بالقول ، بأنه إذا كان ذلك ممكناً فكيف وقفت البصرة صامدة لمدة 15 يوماً وكيف صمدت النجف .. إلخ . مكا يرد أخرين بأن إنهيار المقاومة لابد أنه كان سيأتي ضمن سياق عمليات قتال حتى ولو ضعيفة .لكن ما حدث هو دخول القوات المعادية دون قتال وأنه في عام 1967 في مصر كانت هناك عمليات قتال متفرقة .
واقع الحال أن المشكلة التي تواجه أي محلل للأوضاع الراهنة ، هى عدم توفر قدر من المعلومات التي تسمح بالترجيح ، لكن القضية الأهم في كل ما يجري أمامنا ، أننا أمام إحتلال للعراق سواء سقط جانب من بغداد أو سقطت كلها وأن هذا الإحتلال يمثل كارثة وعلى الأمة العربية أن تتهيأ لمواجهتها وأن المشكلة الرئيسية التي واجهت شعب العراق في مواجهة الغزاة كانت الإرث التاريخي للنظام وأن المشكلة التي واجهت الأمة العربية وستظل تواجهها هي حكامها.

ان احتلال العراق نصفه أو كله ، نصف بغداد أو كلها سيتيح فرصة واسعة لاسرائيل ، بالتحرك بأقدام أوثق فى الاجرام والعدوانية ضد الشعب الفلسطني.
*بتصرف / " أرشيف الأخبار"



التعليقات