المؤتمر الدولي حول القدس:مواجهة المخططات الإسرائيلية الرامية لتزوير الحقائق التاريخية والدينية

-

المؤتمر الدولي حول القدس:مواجهة المخططات الإسرائيلية الرامية لتزوير الحقائق التاريخية والدينية
دمشق-سانا

أوصى المشاركون في المؤتمر الدولي حول القدس في العهد العثماني في ختام أعمال جلساته بمكتبة الأسد الوطنية صباح اليوم بضرورة الاهتمام بقضية التوثيق والتعليم من خلال زيادة حركة البحث العلمي الخاصة بمدينة القدس خلال فترة العهد العثماني وحصر الدراسات التي جرت حول هذا الموضوع وتبويبها وحفظها خدمة للباحثين الذين يدرسون في هذا الموضوع.

كما دعا المؤتمر إلى تكثيف حركة البحث العلمي حول هذا الموضوع الذي لم ينل حقه بعد من التمحيص والدراسة بهدف إظهار الحقائق والوقائع التاريخية لتلك الفترة وتقديم المصداقية العلمية لأجيالنا الشابة وتوفير الحماية القانونية للتراث الحضاري لمدينة القدس، ودعم الجهود العربية والإسلامية والدولية لمنع التعديات والعبث بهذا التراث المهم من خلال دعوة المنظمات الدولية والجهات المسؤولة في المجتمع الدولي.

وأكدت التوصيات على ضرورة تحقيق كافة المصطلحات وأسماء الأماكن والآثار التاريخية والدينية في القدس لمواجهة المخططات الإسرائيلية لتزوير وتزييف الحقائق التاريخية والدينية والأثرية لتحويلها لمصطلحات وأسماء إسرائيلية ودعم أهل القدس وتوفير وسائل الدعم اللازمة للمحافظة على هوية المدينة التراثية والتاريخية ودعم الأوقاف ومؤسساتها في القدس والسعي الجاد إلى ترميم الآثار الإسلامية والمسيحية في القدس.

ولفت المؤتمر إلى دور الإعلام في توعية المجتمع إزاء خطورة ما يجري وتحديد مسؤولية وسائل الإعلام وما يقع على عاتقها من دور أساسي في تنبيه المجتمع الدولي والأطر الإقليمية والمحلية بضرورة المحافظة على هذا التراث الحضاري كثروة هامة للأجيال الشابة والتركيز الإعلامي بأشكاله كافة على ترسيخ الذاكرة الحضارية للقدس الشريف.. فلسطينياً وعربياً وإسلامياً ومسيحياً وعالمياً.

كما أوصى المؤتمر بتوظيف نتائجه في سياق وحدة الصف الفلسطيني والعربي وبخاصة في مجالات الفكر السياسي ، والتوثيق التاريخي وإعادة الاهتمام بدراسة تاريخ القدس في العهد العثماني بشكل موضوعي وعلمي من خلال الحياة الاجتماعية والبعد الإنساني في التسامح وقبول الآخر والعمارة ووظائفها في إطار المنظور الإسلامي.

وشددت التوصيات على ضرورة إعادة النظر بمفردات القراءات التاريخية واستقراء منهجي علمي موضوعي في قراءة التاريخ العثماني كجزء هام من التاريخ الإسلامي العام.

ونوه المؤتمر بدور منظمة المؤتمر الإسلامي ومركز أرسيكا والنشاطات المبرمجة التي يتخصص بها هذا المركز وبخاصة في المجالات الثقافية والتراثية داعين إلى إنشاء مركز دراسات القدس والتنسيق مع المراكز الأخرى ذات العلاقة وترجمة بعض الكتب الهامة التي تناولت مدينة القدس باللغات الأخرى وترجمة الكتب الصادرة باللغة العربية إلى اللغات الأخرى إضافة إلى إصدار كتاب عن أعمال المؤتمر باللغات .. العربية والتركية والإنكليزية.

وقال الشيخ تيسير التميمي قاضي قضاة فلسطين في كلمة المشاركين في المؤتمر إن القدس تحتاج لجهد كبير ولاسيما في ظل ما تقوم به إسرائيل من تغيير وتزوير وتزييف للحقائق التاريخية والدينية والأثرية.

وأكد التميمي أنه لا يمكن مواجهة هذه الهجمة التي لا تقل عن الاستيطان وتهدف لاستجثاث الهوية العربية الإسلامية من القدس إلا بالعلم والعلماء.

وجدد التميمي الشكر والتقدير للسيد الرئيس بشار الأسد لاحتضان سورية هذا المؤتمر الهام للاحتفال بالقدس عاصمة للثقافة العربية بعد أن منعت سلطات الاحتلال الإسرائيلي بقوة السلاح من عقد أي احتفالية في القدس بهذه المناسبة.

وقال التميمي: إنني أشعر بنشوة النصر على إجراءات الاحتلال التي منعتنا أن نقيم مثل هذا المؤتمر في القدس حينما عقد هنا في دمشق مضيفاً .. إن دمشق هي توءم القدس الثقافي والحضاري والسياسي كما أن مكة هي التوءم الديني والعقائدي.

واقترح التميمي أن تتبنى منظمة المؤتمر الإسلامي توصيات المؤتمر الدولي حول القدس في العهد العثماني وأن تكون القدس عاصمة الثقافة العربية الدائمة حتى تتحرر من الاحتلال الإسرائيلي.

ودعا قاضي قضاة فلسطين الأمة لاستثمار احتفالية القدس عاصمة للثقافة العربية 2009 لإعادة الوعي للذاكرة بمكانة القدس في عقيدتنا وفكرنا وحضارتنا وتراثنا.

من جانبه أكد الدكتور علي القيم معاون وزير الثقافة أن الاحتفال بالقدس عاصمة للثقافة العربية لعام 2009 يستحضر عظمة هذه المدينة العريقة الخالدة خلود التاريخ.

وأضاف القيم أن المؤتمر يأتي ليؤكد ليس عراقة هذه المدينة فحسب بل وعروبتها عبر التاريخ وبطلان الحجج التي يقدمها الصهاينة حول يهودية القدس.

وأشار القيم إلى أن إسرائيل استولت منذ عام 1948 على نحو ألف مسجد وهدمت عدداً كبيراً من المساجد والكنائس والأضرحة وصادرت ملايين الدونمات الموقوفة واضطهدت رجال الدين وقتلت آلاف الأبرياء من شعبنا العربي الصامد في فلسطين.

بدوره وجه الدكتور نزيه معروف نائب مدير مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية باسطنبول أرسيكا في كلمة المركز الشكر للسيد الرئيس بشار الأسد والحكومة السورية على إتاحة الفرصة لإقامة هذا المؤتمر الهام.

وأعرب معروف عن امتنانه للجهود والأعباء التي تكبدها المشاركون الذين أتوا من القدس رغم الصعوبات والممارسات الإسرائيلية بحقهم لمنعهم من حضور المؤتمر.

يشار إلى أن المؤتمر سينهي أعماله صباح غد بعقد طاولة مستديرة في مكتبة الأسد الوطنية لبحث واقع القدس الراهن.

وكان المؤتمر تابع بجلسة ختامية ترأسها الدكتور محمد قجة المستشار الثقافي في محافظة حلب حول الحرم الشريف والأوضاع السائدة في العهد العثماني ووضع السكان والهوية في القدس خلال القرن السادس عشر.

وأوضح الدكتور توفان بوزبينار أستاذ التاريخ في جامعة الفاتح باسطنبول في بحثه بعنوان مسألة الأماكن المقدسة خلال الفترة العثمانية أن أكثر ما يميز مدينة القدس هو وجود العديد من الأماكن المقدسة التي تنتمي للديانات السماوية الثلاث وقال إنه خلال الثلاثة آلاف عام الماضية حظيت القدس بعناية مستمرة على أنها من أهم مراكز العبادة في العالم.


وأضاف.. أن نصوص التاريخ العثماني تشير إلى أنه خلال فترة العهد العثماني لم يكن هناك مشكلات تتعلق بأماكن العبادة إلا أن النزاع المستمر بين المذاهب المسيحية حول استخدام أماكن عبادتهم خلال تلك الفترة سبب العديد من المشكلات.

وبين بوزبينار أنه منذ النصف الثاني من القرن الثاني عشر طرأ عامل جديد على مسألة الأماكن المقدسة حيث إن روسيا أرادت أن تزيد نفوذها على المسيحيين الأرثوذكس الذين يعيشون داخل الامبراطورية العثمانية بشكل عام والقدس بشكل خاص على أنهم جزء من سياستها وكانت أولى تبعات النزاع الروسي الفرنسي الذي شكل علامة تزايد التوتر بين المسيحيين الكاثوليك والأرثوذكس.

وأوضح الباحث أنه في عام 1675 ميلادية قام السلطان سليمان القانوني بحظر الأماكن المقدسة على المسيحيين اللاتين ثم صدر فرمان في نهاية القرن السابع عشر يقضي بإبقاء رجال الدين المسيحيين محميين وبذلك تتم ممارسة الديانات في كل الكنائس بحيث ستكون الكنيسة مكاناً للعبادة ولهم الحق بالعودة لهذه الأماكن حتى هذا الوقت.

بدوره قال الدكتور مايكل هاميلتون بورغويني عضو الزمالة الملكية المعمارية والمعهد الملكي البريطاني في بحثه تطورات الحرم الشريف خلال الفترة العثمانية إن العثمانيين عندما دخلوا إلى القدس عام 1516 وجدوا الحرم الشريف في حالة جيدة لكن الزخارف الخارجية لقبة الصخرة كانت بحالة سيئة بسبب العوامل الجوية حيث إنها لم تلق الاهتمام الكافي منذ 1295 وذلك بسبب التكاليف الباهظة لعمليات إصلاح الموزاييك ونقص الأيدي الماهرة والخبرات في هذه الأعمال.

وأشار بورغويني إلى أن الجدران الشرقية والجنوبية في الحرم الشريف عوملت بشكل أفضل إلا أن الجدران كانت تحتاج لترميم وصيانة وتم ذلك في عهد سليمان القانوني حيث تم استبدال الموزاييك الخارجي وأعيد بناء جدار المدينة وبنيت السبلان على مداخل المدينة إذ لم يكن يوجد أي منها قبل ذلك من أجل تزويد الناس بالماء.

وأوضح بورغويني أنه خلال الفترة ما بين القرن الحادي عشر والسابع عشر تمت إضافة سبلان ومحاريب صلاة ومصاطب وأبنية أخرى داخل الحرم الشريف كما بني تراس علوي حول قبة الصخرة وهذا التراس لم يلق أي اهتمام من الباحثين على الرغم من أهميته.


وفي بحثه كنيسة القيامة في القدس خلال العهد العثماني قال الدكتور مصطفى بيلجه إنه بعد دخول العثمانيين إلى مدينة القدس عام 1517 قام بطريرك اللاتين للكنيسة الأرثوذكسية بزيارة السلطان سليم الأول وطلب منه حق إدارة كنيسة القيامة والأبنية المقدسة المحيطة بها ومن ضمنها الكنيسة المقدسة كما كان في عهد الخليفة عمر بن الخطاب ووافق السلطان سليم الأول على ذلك وأصدر فرماناً أعطي بموجبه إدارة كنيسة القيامة إلى بطريركية الروم الأرثوذكس خلال فترة الحكم العثماني.

وأشار الباحث إلى أنه من وقت إلى آخر حدثت نزاعات بين الرهبان والقساوسة التابعين للمذاهب المسيحية المختلفة ما أدى إلى حدوث شرخ في الفرمان إلا أن تدفق الحجاج المسيحيين إلى القدس استمر ويرافقه كل الإجراءات الضرورية لضمان سلامة وأمان الحجاج.

وأوضح أنه خلال تلك الفترة ظهرت الحاجة لإجراء العديد من الإصلاحات للكنيسة بعد الزلزال والحريق الذي تعرضت له وهنا ظهرت الخلافات بين المذاهب المسيحية حول حقوق إجراء هذه الإصلاحات وهذا كان يشكل مشكلة لأن كل المذاهب المسيحية كانت ترغب بترميم المباني الخاصة بها.

من جانبه قال الدكتور جنكيز تومار أستاذ تاريخ الإسلام في جامعة مرمرة في اسطنبول في بحثه الانتقال من فترة المماليك إلى فترة الدولة العثمانية .. السكان والهوية في القدس حسب دفاتر السجلات العثمانية خلال القرن السادس عشر.. أن القدس تطورت في العهد المملوكي بسبب الاستقلال والازدهار الاقتصادي خلال القرنين الثالث عشر والرابع عشر حيث زاد عدد السكان خلال هذه الفترة من عشرة آلاف إلى عشرين ألف نسمة.

وأشار تومار إلى أن الأزمات الاقتصادية والثورات التي ظهرت في نهاية العهد المملوكي أثرت في المدينة وبعدد السكان الذي بدأ بالتناقص بشكل درامتيكي قبيل دخول العثمانيين إليها.

وأضاف..أن العثمانيين وخاصة السلطان سليمان القانوني بذلوا جهوداً كبيرة لتحسين المرافق العامة في المدينة للحفاظ على التوزع الديموغرافي فيها.


التعليقات