بشارة يزور مقبرة شاتيلا ومخيم البرج: "اعرفوا أن هناك شرياناً في القلب يجمعنا"

وأخبرهم عن قرى الجليل وعن اللاجئين في الداخل ويضطرون اليوم للعمل في أراضيهم كأجراء، متسائلا: "أيهما أصعب، أن تعيش في المخيم بعيدا أو بالقرب من أرضك وهي ممنوعة عليك؟"

بشارة يزور مقبرة شاتيلا ومخيم البرج:
"كنت أحلم أن أتمكن في يوم من الأيام من زيارة ضريح شهداء مجزرة صبرا وشاتيلا، كنت أحلم أن أتمكن من زيارة مخيم البرج، هذه الزيارة ستشكل مفصلا في حياتي، ولدى عودتي، سيتهافت الناس علي لسؤالي عنكم، عمن رأيت، هذه لحظة مهمة لأهلكم في الداخل، فقلوبهم معكم. اعرفوا أن هناك شريانا في القلب يجمعنا كلنا".

حقق عزمي بشارة بالأمس أحد أحلامه، إذ هل كان من الممكن أن "آتي الى لبنان للتعزية بالشهيد رفيق الحريري وألا أعزي بشهداء مجزرة صبرا وشاتيلا"؟

هناك في المقبرة، وقف حشد ينتظره، وما ان أطل حتى تحلق الجميع من حوله، رافقوه الى حيث وضع اكليلا من الزهور، ووقف مستذكرا تلك الفاجعة، ثم بدأوا يعرفونه عن أنفسهم: هذه أم لشهيدين، هذه أخت لشهيد، تلك ابنة شهيدة، هذا من كويكات، وذاك من دير القاسي.

شرح هو كيف عاش أهل الجليل لحظة بلحظة وقائع المجزرة "التي شكلت مفترقا في حياتنا، على الصعيدين الشخصي والعام، نقلتنا من عالم الى عالم".

أما هم، فسألوا كثيرا: ترشيحا اليوم مأهولة؟ ماذا عن كويكات، وصفورية، وعمقا..... كيف ينظر أهلنا في ال48 الى الشتات؟، هل حافظوا على هويتهم، هل انخرطوا في المجتمع الاسرائيلي... كأنما ليستوثقوا أن أهلهم هناك ما زالوا يذكرون أن لهم أهلا هنا، كأنما ليستوثقوا اذا كان ما يزال لهم مكان هناك.

أخبرهم هو عن أهلهم، ذكرهم أسرة أسرة، وقرية قرية، وذكّر أن لاجئي الجليل توزعوا على سوريا ولبنان، لذلك فعلاقاتهم مع هؤلاء أقوى من العلاقات مع الضفة وغزة، أما عن "الانخراط" فابتسم وهو يسأل "ألا ترون أن شكلي يزداد بداوة؟".

ومن السؤال عن فلسطين التي تستوطن الوجدان، انتقل الحديث مباشرة الى ما يعانونه هنا، الطبابة، العمل، التعليم.. تفاصيل الحياة في بلد يستضيفهم منذ أكثر من خمسين عاما ولا يرغبون في استيطانه، لكنهم يطلبون فيه الحدود الدنيا من العيش الكريم. "وضعنا كتير سيئ، أصبح لدى المرء عقدة نفسية من كونه فلسطينيا، نحن لا نريد التوطين ولا نريد الهجرة...".

كان الأمر واضحا بالنسبة له، اذ "لا تناقض بين حق العودة وبين العيش الكريم، لا نطالب بحقوق سياسية بل فقط بحقوق مدنية كي لا يضطر المرء الى الهجرة" وبدا واثقا حين أضاف "هذه أمور ممكنة التحقيق عند الشعب (اللبناني) العظيم الذي احتضن القضية الفلسطينية".

أخبرهم أنه يسعى لايجاد سبل تمكن أهالي الداخل والخارج من التواصل عبر الزيارات، وشدد على أن الأمر ليس ضروريا فقط لفلسطينيي الشتات، بل هو أساسي لفلسطينيي الداخل.

في مخيم برج البراجنة، وفي مركز الرابطة الاجتماعية لأهالي ترشيحا، بلد عزمي بشارة، تكرر المشهد، يسألون عن قراهم وأهلهم وهو يجيب، يشكون من وضعهم الحالي، يسألون عن غدهم وهو يشدد على أن حق العودة هو قضية عدالة وإنصاف...

في قاعة "بركة ترشيحا"، تحدث عزمي بشارة الى المحتشدين ومن بينهم رئيس الرابطة منيب صبحية ورئيس بلدية برج البراجنة نبيل الحركة، شارحا أنه حقق إحدى أمنياته بلقائه أهالي ترشيحا في لبنان، وكرر الكلام عن مساعيه لتنظيم سبل تواصل وزيارات بين الداخل والخارج فذلك "ليس للتضامن معكم فقط، بل هو أحد أوجه الحفاظ على الهوية في الداخل".

أخبرهم عن قرى الجليل وعن اللاجئين في الداخل، عمن هجروا من قراهم الأصلية الى قرى مجاورة، ويضطرون اليوم للعمل في أراضيهم كأجراء، متسائلا: "أيهما أصعب، أن تعيش في المخيم بعيدا أو بالقرب من أرضك وهي ممنوعة عليك؟".

أمام المركز، بدأ الناس بالتجمع، اقتربت مسنة مستفسرة ثم دخلت الى القاعة وهي تسأل "في نسوان؟"، دنت منه وصافحته وهي تقول "اسعوا لنا نرجع على فلسطين، اسعوا لنا نموت ببلادنا".

في أزقة المخيم، كانت النسوة يشرن اليه ويقلن لاطفالهن "هادا جاي من فلسطين"، يقتربن لمصافحته وتحيته.

في مستشفى حيفا، جال على الأقسام، وعندما وصل الى قسم الولادات، مازحه الطبيب قائلا "تفضل، ادخل، هنا المعمل...".

من أين أتت تلك الطفلة التي تعزف على البزق ورفيقها الذي يقرع الطبل؟ وقفا على باب المستشفى، وعزفا. اقترب الأطفال يصفقون للموسيقى، يشعرون أن اليوم ليس كبقية الأيام في هذه البقعة من المخيم. اليوم جاءهم زائر من فلسطين، وغادره متأثرا "هذه الزيارة هي مفصل في حياتي".

التعليقات