د.عزمي بشارة في ندوة في مركز بحوث الشرق الأوسط في جامعة عين شمس

ميز عزمي بشارة بين فهم السكان الاصليين لهذا الاستعمار الكولونيالي وفهم المستعمرين لهذا الاستعمار

د.عزمي بشارة في ندوة في مركز بحوث الشرق الأوسط في جامعة عين شمس
لقد سبق وأن وعدنا قراء عرب 48 بنشر تفاصيل حول الندوة التي قدمها د.عزمي بشارة في مركز بحوث الشرق الأوسط في جامعة عين شمس في مدينة القاهرة في مصر. وقد وافانا مراسلنا الخاص هناك بالتقرير التالي:

كشف د. عزمي بشارة عن التناقضات التي تسيطر على المجتمع الإسرائيلي، وذلك في ندوة بمركز بجوث الشرق الأوسط بجامعة عين شمس مساء الأثنين وحضرها حشد كبير من المفكرين والمثقفين واساتذة الجامعات .

قال بشارة إن الحديث عن الوضع داخل إسرائيل دون دراسة مدققة للإسقاطات الدولية عليه، يكون حديثا ناقصا نظرا لتشعبات المسألة اليهودية ولذلك سأتحدث بشكل إنتقائي عن بعض التناقضات التي يتفرد بها المجتمع الإسرائيلي وهو إختيار إنتقائي قائم على منهج أختار فيه بعض التناقضات التي تؤثر في الحراك الاجتماعي والتاريخي داخل إسرائيل.


التناقض الأول هو مسألة كولونيالية إسرائيل، وفي هذا السياق فإن أي تحليل للمجتمع الإسرائيلي دون فهم طبيعة هذا المجتمع سيكون تحليلا ناقصا، لأنه تعامل مع المجتمع الإسرائيلي وكأنه مجتمع رأسمالي طبيعي وهو أمر غير صحيح ، وحتى في حالة إقرار سلام بين العرب وإسرائيل فإن هذا السلام لا ينفي ، أبدا ، حقيقة أن إسرائيل كيان إستعماري كولونيالي ، وبالنسبة للسؤال إذا كانت إسرائيل كيان إستعماري - وهي كذلك – فما هي الدولة الأم لهذا الكيان ، وهل يوجد إستعمار إشتراكي في جزء من هذا الكيان ، وقد يجيب البعض متسرعا أن بريطانيا هي الدولة الأم ويتناسي الأسباب الحقيقية التي دفعت بلفور إلى اعطاء وعد لليهود بوطن قومي في فلسطين وهي التعاطف مع المسألة اليهودية، شأنه شأن كثير من الساسة الغربيين .

وميز عزمي بشارة بين فهم السكان الاصليين لهذا الاستعمار الكولونيالي وفهم المستعمرين لهذا الاستعمار ، ولا يغير من طبيعة هذا الاستعمار كون القائمين عليه اقنعوا أنفسهم أنهم حركة تحرر وطني كما حدث في الحالة الإسرائيلية، أو مبعوثو العناية الإلهية لتحديث وتحضير (civilization) الإنسان الاسود كما حدث في جنوب أفريقيا .

وفي الحالة الفلسطينية نجد من يتحدث داخل إسرائيل عن أراضي 1967 ويقول هذه أرض محتلة يجب إعادتها إلى الفلسطينيين وكأن الوجود الإسرائيلي في أرض 1948 هو حالة طبيعية ، أو أن هذا إحتلال وهذا لا ، وفي فلسطين 1948 لم تكن الحالة طبيعية أبدا ، كان هناك حكم عسكري على العرب في الداخل ، وإستعمار كولونيالي إحتلالي في بنيته الاساسية ، وهذا الكيان الموجود في فلسطين 1948 كان يتغلب على كل التناقضات الداخلية بين أطرافه لمصلحة التصدي للتناقض الرئيسي أمام الخصم ، وحاول هذا الكيان أن يكون ديمقراطيا في داخله بقدر ما ، وفي الوقت نفسه عنيفا ضد الوجود الفلسطيني نظرا لطبيعة نشاطه الاستعماري الاستيطاني ، لذلك اتسمت كل أشكال المواجهة بين الشعب الفلسطيني وهذا الاستعمار بالمواجهة العنيفة ولم تستطع إسرائيل أن تقلد الاستعمار الاستيطاني الأوروبي في كونه استعمارا بغيضا في المستعمرات، مع الحفاظ على البناء الديمقراطي داخل الدولة الأم كما حدث في النموذج البريطاني أو الفرنسي ، وفشلت إسرائيل في ذلك بسبب التداخل بين الاستعمار الإسرائيلي والوجود الفلسطيني فهو إستعمار لصيق ، وليس كما في الحالة البريطانية مع الهند أو الفرنسيين مع الجزائر .


وذكر بشارة أن التناقض الثاني في المجتمع الإسرائيلي هو أن الفصل بين الدين والدولة في إسرائيل هو أمر غير ممكن، لأنه في حالة تطبيقه سيكون فصل بين الدين والإنتماء ، لأن إسرائيل تعرف قوميتها بأنها يهودية ، فإذا أردت أن تنضم إلى إسرائيل عليك أن تغير دينك وهي سابقة لا يوجد لها مثيل في العالم ، وهناك جدل كبير في إسرائيل حول هذه المسألة، وهناك طوائف دينية متشددة تفرق بين الدين والقومية وتنظر إلى الصهيونية على أنها حركة الحاد وكفر وزندقة ، وهناك يهود يرفضون هذا الخلط بين الدين والقومية مثل يهود الولايات المتحدة لأنها تشعل ضدهم مشاكل هم في غنى عنها ، والغريب كما يقول بشارة أنه في الوقت الذي يريد الإسرائيليون أن يقنعوا العالم بأن اليهودية قومية ودين في آن واحد نجد أن هناك من يشكك في القومية العربية ، حتى أننا وجدنا من يشكك في عروبة العراق مثلا ، ويصف القومية العربية بأنها شوفينية وعنصرية ، ومبادئ قديمة – أكل عليها الزمان وشرب – ومن هنا نستنتج أن إقامة نظام ديمقراطي ليبرالي في إسرائيل هي مسألة مستحيلة في ظل التداخل بين الدين والدولة ولا يمكن أيضا تطبيق المساواة بين جميع المواطنين ، لأن إسرائيل تخلط المواطنة والدين ، والمساواة الحقيقية هي نقيض الصهيونية ، التي تميز بين مواطن وآخر ، بينما المواطنة الحقيقية هي التي تنظم العلاقة بين الفرد والدولة ، بغض النظر عن الدين أو اللون أو الجنس أو غير ذلك ، ولان الدين لا يمكن أن يحمل لمعتنقه بعداً حقوقياً ، بينما المواطنة تجلب الحقوق وتلزم بالواجبات ، ولذلك رفعنا شعار " دولة لكل مواطنيها " وجعلناه شعاراً لحزب التجمع الوطني لفضح هذه السياسة العنصرية التي تعرف إسرائيل بأنها دولة اليهود. وتجدر الإشارة هنا إلى أن شارون في مؤتمر العقبة طالب العرب بالاعتراف بيهودية الدولة وأسأل – والكلام لبشارة - ما دخل الدول العربية في مسألة يهودية الدولة ؟
وأجيب أنه يريد اعترافا عربيا بهذا الوضع الشاذ ليكون حجة في المستقبل على من يطالب بالمساواة .

وانتقل بشارة إلى الحديث عن علاقات إسرائيل الخارجية وقوتها داخل الولايات المتحدة موضحا أن إسرائيل تعتمد في ذلك على أمرين أساسيين أسماهما بالعكازين : العكاز الأول هو تاريخ اليهود في أوروبا وما تعرضوا له خلال الحرب العالمية الثانية ، والغريب أن هناك كتابا عرباً يحاولون نفي الهولوكست ، أو يشكك في اعداد اليهود الدين أحرقوا في أفران الغاز، وما شأننا نحن كعرب بذلك ، أن من مصلحتنا أن نهاجم كل العنصرية ، عنصرية الألمان ضد اليهود وعنصرية الصهيونية ضدنا نحن العرب .
أما العكاز الثاني وهو زعم إسرائيل بأنها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الاوسط وهو أمر غير صحيح بالمرة لأنها ديمقراطية لليهود فحسب ، وفي ظل عدم فصل الدين عن الدولة فإنها ليست ديمقراطية ليبرالية ، فهي دولة تعطي لليهودي في أي مكان في العالم حقوقا أكثر بكثير من المواطن العربي داخل إسرائيل ، وتطبق قانون العودة إلى إسرائيل ، وبذلك يحل محل مواطن عربي موجود في هذه الارض منذ آلاف السنين.


أما التناقض الثالث الذي تحدث عنه عزمي بشارة كان بصيغة السؤال وكان هل إسرائيل دولة عسكر ؟ بمعنى هل يحكم إسرائيل الجيش،كل الشعب جيش وهناك تداخل كبير بين المجتمع الإسرائيلي والثكنات ، والكثير من الوزراء الإسرائيليين ومديري الشركات الكبري في إسرائيل هم من العسكريين لأن المؤسسات المدنية في إسرائيل تعطي ثقتها للعسكريين لأنهم يديرون داخل الجيش وحدات معقدة نظرا لوضعية الجيش وتكوينه، ورغم أهمية الجيش بالنسبة لوجود إسرائيل، إلا أن له دورا أهم كما أوضح مؤسس إسرائيل ديفيد بن جوريون والذي قال " لسنا شعبا " ولكي نصبح شعباً فإن الأداة الأساسية هي الجيش ". وبالفعل فإن الجيش الإسرائيلي هو بوتقة الصهر لجنود قادمين من عشرات الدول ويتحدثون عدة لغات، ويجمعهم الجيش على هدف واحد ولغة واحدة وتحت علم واحد ويظل المواطن الإسرائيلي مرتبطاً بالجيش حتى سن 55 سنة ويلتحق بالجيش 45 يوما سنويا.
ويستنتج دكتور عزمي بشارة أن المجتمع الإسرائيلي رغم تناقضاته،إلا أن إسرائيل لديها قوى وطنية تدفع باتجاه تطويرها رغم ما يعتصرها من مشكلات اقتصادية وسياسية وتناقضات اجتماعية.

ويطالب بشارة بضرورة أن يقوم الباحثون العرب بتكثيف نشاطهم البحثي في الشؤون الإسرائيلية ودراسة المجتمع الإسرائيلي وكذلك دراسة الوضع العالمي، لأن القضية الفلسطينية لا يمكن حلها أبدا دون إدراك أهمية البعد الدولي فيها. وشدد بشارة على أهمية التواصل بين عرب 48 والوطن العربي وضرورة تعميق التواصل بينهما عن طريق فتح الجامعات العربية أبوابها أمام الطلاب من عرب 48 لدراسة الأداب والتاريخ العربي والإسلامي بدلا من دراستها في الجامعات العبرية. واختتم حديثة بالقول أنه ليست هناك مسألة فلسطينية فحسب بل مسألة عربية أيضا فالأمة العربية هي الأمة الوحيدة التي لم تنجز حق تقرير المصير بعد. وأضاف أنه لن يتم تحرير العرب إلا بتحرير فلسطين .

التعليقات