كيف تستأجر منزلاً في إسطنبول؟

كان من السهل أن تجد بيتاً مفروشاً بحوالي 800 ليرة تركية شهرياً، اليوم هذا مستحيل، لن تجد حتى غرفة بهذا السعر، على الأقل عليك أن تدفع ما يقرب من 1200 ليرة تركية لمنزل خال من المفروشات

كيف تستأجر منزلاً في إسطنبول؟

تسير أم لؤي كل ساعات النهار في شوارع إسطنبول، من الفاتح حتى اكسراي مروراً بجراح باشا، لترافق السيدة السورية التي لم تصل إلى الخامسة والعشرين من العمر، السوريين الباحثين عن منازل للإيجار ولا يعرفون اللغة التركية. تقول أم لؤي بحسم لزبائنها 'لا تفكر بأقل من 1200 ليرة تركية، 400 دولار أميركي، وتذكر أن فواتير الماء والكهرباء والغاز على المستأجر، لا تقرر سريعاً، وتصرف كأن شيئاً لا يعجبك'.

أم لؤي لا تملك مكتباً عقارياً، هي تعمل كوسيطة بين أصحاب المنازل وبين الراغبين في الاستئجار، وتحصل مقابل الخدمة التي تقدمها على مبالغ تترواح بين عشرين ومئة ليرة تركية، هي لا تطلب أبداً أي رقم، إذ تترك لك أن تحدد قيمة أتعابها وموعد الدفع.

يتجمع العرب واللاجئون منهم تحديداً في إسطنبول، في منطقتين أساسيتين، الأولى هي الفاتح Fatih، التي تعتبر قلب إسطنبول الأوروبية، واسنيورت Esenyurt، ذات الأبنية الحديثة والبعيدة عن معالم إسطنبول السياحية، في الفاتح تبدأ رحلة البحث عن منزل، وتحديداً من حي إكسراي، الذي يعتبر منطقة خاصة باللاجئين من كل أنحاء العالم، فسوريون وعراقيون وفلسطينيون وأفغان وأفارقة، يتوافدون إلى الحي أو المحطة الأولى لأي غريب لم يقصد تركيا للسياحة، وهي كذلك مجرد محطة انطلاق، إذ لا تستطيع العائلات أن تسكن في إكسراي، لأن الحي مركز للهجرة غير الشرعية والدعارة وتجارة المخدرات.

من إكسراي تأخذك أم لؤي إلى أحياء أخرى، وتقول إن الفاتح قريبة من كل شيء في إسطنبول، من الأسواق الرئيسية ودائرة الأمن التركية ومركز 'يابانجيلار' الخاص بالأجانب ، ما يجعلها مرغوبة من السوريين القادمين إلى تركيا، والراغبين في العمل فيها، لكن أجرة المنازل في المنطقة ارتفعت ثلاثة أضعاف، على الأقل، خلال العاميين الماضيين، عدد السوريين الكبير ساهم في هذا الارتفاع، بحسب ما تقول أم لؤي.

'كان من السهل أن تجد بيتاً مفروشاً بحوالي 800 ليرة تركية شهرياً، اليوم هذا مستحيل، لن تجد حتى غرفة بهذا السعر، على الأقل عليك أن تدفع ما يقرب من 1200 ليرة تركية لمنزل خال من المفروشات'.

الموازنة

في اسنيورت البعيدة عن مركز المدينة، تتوافر منازل بنظام 'الاستديوهات' بمبالغ أقل من تلك في الفاتح، بين 600 و ألف ليرة تركية تحصل على منزل بمساحة أكثر من 100 متر شهرياً، يقول أبو محمد السوري، الذي يعمل ايضاَ كوسيط بين السوريين والأتراك.

'إذ كان عملك قريباً من اسنيورت فهي أفضل منطقة للسكن، فأجرة المنازل هنا أقل من الفاتح، فالفاتح منطقة سياحة وأثرية، هنا المنازل منظمة أكثر ومتوفرة أكثر'.

لا يستطع اللاجئ في إسطنبول أن يختار الحي الذي سيسكنه، فهذه أكثر مدن العالم ازدحاماً،  عليك أن تربط بين مكان عملك ومنزلك، كي لا تعلق يومياً في الشوارع المزدحمة وفي وسائل النقل العامة. لكن سوريين كثيرين يضطرون لاستئجار منازل بعيدة عن مكان عملهم لتوفير بعض المال.

غيث شاب سوري يبلغ الثالثة والعشرين، يعمل في مصنع في القسم الأسيوي من إسطنبول،  ويسكن في اسنيورت في غرب القسم الأوربي، يقول إنه يصرف أكثر من ثمان ساعات يومياً على الطريق من عمله إلى المنزل وبالعكس، لأنه يعجز عن استئجار منزل في  'kadikoy كادي كوي' حيث يعمل.

يقول غيث 'راتبي الشهري هو 1000 ليرة تركية، من المستحيل أن أجد بيتاً قريباً من عملي حتى لو دفعت كامل راتبي، يومياً استقل حافلة ثم قطاراً ثم عبارة بحرية، وأعود بذات الطريقة للمنزل، لا زلت أبحث عن أي عمل قريب من منزلي، لكني لا أجد'.

وليد يعاني من ذات المشكلة، وهو فلسطيني سوري يبلغ الخامسة والثلاثين، يقول 'أقضي ست ساعات يومياً في المواصلات العامة، أصل إلى منزلي عند العاشرة مساء لأنام، واستيقظ عن السادسة صباحاً، لخمسة أيام في الأسبوع، مقابل 900 ليرة تركية شهريا'.

السوريون أغنياء ومدمرون

بالنسبة للأتراك، يبدو السوري حتى لو كان لاجئاً، مصدراً جديداً للدخل، ما أن يعرف صاحب المنزل أنك 'Yabanci' أي أجنبي، حتى يرفع تلقائياً السعر الذي يطلبه كبدل إيجار لمنزله، في ذات الشارع تجد منازل استأجرها سوريون مقابل 1500 ليرة تركية، ومنازل استأجرها الأتراك بـ 600 ليرة أو أكثر بقليل.

يفسر إمره ' Amre'وهو مدير مكتب عقاري السبب صراحة ومن دون مواربة ' السوريون معهم أموال، يحول لهم المال بالدولار الأميركي من أوروبا'.

يطلب أصحاب المنازل الأتراك من الراغب في استئجار المنزل، مبلغاً مالياً يتم تقديره وفق حداثة المنزل وتجهيزه والمفروشات فيه، يسمى المبلغ تأميناً، وعادة ما يكون مماثلاً لقيمة الايجار الشهري، وقد يفوقه في بعض الأحيان، ومن المفترض أن يعود المبلغ إليك حين ينتهي عقد الإيجار.

يقول إمره إن الأتراك لا يتقاضون من بعضهم عادة مبلغ التأمين، إلا أن تجارب سابقة مع العرب، اثبتت أن المنازل تتعرض لأضرار بعد أن يسكنوها ' يأتينا رجل واحد يقول إنه يريد منزلاً، بعد أسبوع يكون قد سكن المنزل عشرات غيره، المفروشات تتضرر، وبعضها يتعرض للكسر' يحصل إمره على بدل إيجار كامل، كعمولة له، مقابل أن يدلك عن منزل في إسطنبول.

المفروشات متوفرة

تنصحك أم لؤي وهي تنهي معك نهار البحث الطويل، بأن تستأجر منزلاً  غير مفروش، ستوفر في التكاليف كثيراً وسينخفض التأمين، ثم أن الحصول على فرش كامل وبحالة جيدة أمر سهل وشبه مجاني في اسطنبول، إذ أن الأتراك لا ينقلون مفروشاتهم حين ينتقلون إلى منازل جديدة، بل يرمونها في الطرقات.

تشرح أم لؤي 'أنا فرشت منزلي بهذه الطريقة، غرفة جلوس وغرفة نوم وطاولة سفرة وغيرها حصلت عليها بلا مقابل، وهي في حالة جيدة، تكاليف النقل ستكلف صاحب المفروشات أكثر من ثمنها، لذلك يتركونها في الطريق، عليك فقط أن لا تخجل من الفكرة'.

اقرأ أيضا: الهروب من الجنة: لاجئون في أوروبا يفكرون بالعودة


يحاول السوريون والعراقيون والفلسطينيون والمصريون أيضاَ، حل مشكلة الوصول إلى منازل بتكاليف قليلة، عبر مجموعات على شبكات التواصل الاجتماعي، حيث ينصحون بعضهم بمناطق جديدة ومنازل لا يريد أصحابها تأميناً عالياً، أو حتى عمولة لأصحاب المكاتب.

 

التعليقات