المركز "العربي" يناقش قرار نقل السفارة الأميركية ووضع القدس

عقد المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، اليوم السبت، ندوة بعنوان "قرار نقل السفارة الأميركية ووضع القدس القانون والسياسي"، تأتي هذه الندوة عقب إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب يوم 6 كانون الأول/ ديسمبر 2017، اعترافه بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال الإسرائيلي.

المركز

(العربي الجديد)

عقد المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، اليوم السبت، ندوة أكاديمية بعنوان "قرار نقل السفارة الأميركية ووضع القدس القانون والسياسي"، وتأتي هذه الندوة عقب إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب يوم 6 كانون الأول/ ديسمبر 2017، اعترافه بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال الإسرائيلي ونقل السفارة الأميركية إليها أواخر عام 2019. وتنبع أهمية الندوة من أن القرار جاء في سياق مسعى أميركي - إسرائيلي مكشوف لفرض أمر واقع على الفلسطينيين وإخراج القدس من دائرة التفاوض مستفيدين من الوضع السياسي العربي المتردي، واستكمالًا لعملية السيطرة على المدينة وفرض السيادة الإسرائيلية عليها.

افتتح الدكتور مروان قبلان، الباحث في المركز العربي ومدير وحدة تحليل السياسات، أعمال الندوة بكلمة تناول فيها السياسات الأميركية نحو القدس، و رأى أنه بعد قطيعة استمرت سبعة عقود أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب في يوم 6 كانون الأول/ ديسمبر الجاري اعتراف إدارته بالقدس عاصمةً لإسرائيل، كما وجّه وزارة الخارجية لـ "بدء التحضيرات لنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس". وأوضح قبلان أن الكونغرس الأميركي قد تبنى بأغلبية كبيرة من الحزبين "قانون سفارة القدس" عام 1995، ونص على ضرورة نقل السفارة الأميركية إلى القدس في سقفٍ زمني لا يتجاوز 31 أيار/ مايو 1999. إلا أن ذلك القانون تضمن بندًا يسمح للرئيس الأميركي بتوقيع إعفاء مدة ستة أشهر إذا رأى أنه ضروري لـ "حماية المصالح الأمنية القومية الأميركية". ومنذ إدارة الرئيس بيل كلينتون، والإدارات الأميركية المتعاقبة توُقّع الإعفاء تلقائيًا كل ستة أشهر، على الرغم من أنهم كانوا قد وعدوا بوصفهم مرشحين بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس.

الوضع القانوني لمدينة القدس

تناولت الجلسة الأولى التي ترأسها عبد العزيز الخليفي، عميد كلية القانون في جامعة قطر، دراسة وتحليل الابعاد القانونية للاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة لإسرائيل. إذ عالج أنيس قاسم، مسألة مخالفة قرار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب نقل السفارة الأميركية إلى القدس لأحكام وقواعد ومبادئ القانون الدولي. وقد أرجع ذلك إلى مبدأين، الأول الذي يجرّم اكتساب أراضي الغير بالقوة، والثاني الذي يجرّم شروع أي دولة في تنفيذ قوانين فردية لا تتماشى وأحكام ومبادئ القانون الدولي. وقد جادل الباحث قاسم الإشكاليات القانونية التي تواجه قرار ترامب من منظور القانون الدولي، حيث أن الاعتراف بالقدس لا يعرِّف بدقة أيّ "قدس"، ولا سيما أن إسرائيل ضمت إلى القدس الشرقية بعد عام 1967، عشرة أضعاف مساحتها. بالإضافة إلى خلط السياسي بالأسطورة الدينية؛ حين يعترف الرئيس بـ "الشعب اليهودي"؛ مخالفًا بذلك موقفًا رسميًا أميركيًا معلَنًا منذ عام 1964.

وعلى مستوى موازٍ، وصفت الباحثة سلمى كرمي أيوب السياسات الإسرائيلية بالقدس التي تقوم على أساس التخطيط والتقسيم المفروض من قبل سلطات الاحتلال على المناطق الفلسطينية والفلسطينيين في القدس، من بينها هدم المنازل وتوسيع المستوطنات والاعتقالات بأنها جريمة. حاولت الباحثة أن تبيّن محاولات إسرائيل في تغيير الطابع الديموغرافي للقدس. وعلى نطاق أوسع، كما تناولت المخالفات الإسرائيلية للقانون الجنائي الدولي. وركزت على ضرورة الاستفادة من القانون الدولي في مواجهة جرائم إسرائيل ضد الإنسانية في الأرض الفلسطينية التي ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية.

أما الباحث والمحامي علاء محاجنة ، عالج في مداخلته الأدوات القانونية التي تستغلها إسرائيل للسيطرة على القدس ولتغيير طابعها الديموغرافي والمكاني؛ وذلك من خلال قراءةٍ وتحليل لأهم هذه القوانين، ولا سيما بعد قرار ترامب المتمثّل بالاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل، وهو قرار يُعدّ بمنزلة إقرارٍ بالممارسات الإسرائيلية في المدينة منذ عام 1948 وشرعنتها. وأشار محاجنة إلى أن إسرائيل هدفت من القوانين الإسرائيلية إلى تغيير الميزان الديمغرافي من خلال سحب إقامة الفلسطينيين في القدس، وبهذا منذ عام 1967 تم سحب ما يقارب 16000 إقامة من المقدسيين. فضلًا عن ذلك أخرجت إسرائيل بعض التجمعات الفلسطينية خارج جدار الفصل العنصري. كما تطرق محاجنة إلى الخيارات الفلسطينية المتاحة لمواجهة هذه السياسات وبيّن أنّ مواجهة مشروع تهويد القدس، وإعلان ترامب بوصفه جزءًا منه، أمرٌ يقتضي صياغة مشروع مضاد، وإستراتيجية واضحة ذات أبعادٍ مختلفة على المستويين الرسمي والشعبي، يكون هدفها الأساسي تعزيز صمود أهل القدس في وجه السياسات والممارسات الإسرائيلية.

قراءة التغيرات الديمغرافية والجغرافية لمدينة القدس

ناقشت الجلسة الثانية مسألة الصراع الديموغرافي والجغرافي في مدينة القدس، ترأسها ماجد الأنصاري، أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة قطر. درست الباحثة دانا الكرد أنماط التعبئة الفلسطينية في القدس ودور السلطة الفلسطينية؛ معتبرةً أن موضوع التعبئة في القدس، مر بثلاث فترات زمنية مختلفة من عام 1967 إلى 2018، وترى أن القدس قبل توقيع أوسلو شكلت حجر الزاوية في العمل السياسي بين منظمة التحرير في الخارج والفلسطينيين، إلا أنه وبعد الانتفاضة الثانية فقدت القدس أهميتها وأهمية المؤسسات التي تعمل بها بسبب انتقال المؤسسات المقدسية إلى رام الله واعتماد المقدسيين على السلطة والمكاسب المهنية في مقابل الصالح العام. وترى الكرد أن ممارسات السلطة أثرت في تبدّل العمل الجمعي في القدس، وترك آثارًا وخيمة في التماسك الاجتماعي بعد فترة أوسلو مما يعني أن السلطة كان لها أثر سلبي على قدرة المقدسيين في العمل الجماعي. وتخلص أن العامل الأساسي الذي يوضح وجود مظاهرات في القدس أكثر من الضفة الغربية يعود إلى أن السلطة لها تأثير على التماسك الاجتماعي بينما في الضفة الغربية يعاني الفلسطينييون من تأثير السلطة والتي أثرت على التماسك الاجتماعي بشكل أكبر.

أما الباحث خليل تفكجي فقد تطرق في دراسته على أثر السياسة الإسرائيلية في القدس، من خلال التغييرات الجغرافية والمتمثلة في المشاريع الاستيطانية، ومصادرة الأراضي، وتهويد المدينة وعزلها عن الضفة الغربية بإقامة جدار الفصل العنصري، وأشار أن الاستراتيجية الإسرائيلية تجاه التجمعات والقرى الفلسطينية تقوم على (إحاطة، تقطيع، تفتيت التجمعات الفلسطينية). وبيّن أن القدس منذ الفترة العثمانية مرت بتحولات جغرافية وديمغرافية أخذت توظيفات اصطلاحية مختلفة مثل القدس الشريف والقدس الشرقية والقدس الموحدة. ويرى تفكجي أن القدس منذ احتلالها عام 1967 سعت لخلق واقع تقتلع من خلاله السكان الفلسطينيين وإحلال المستوطنين، وتغيير المعالم التاريخية العمرانية والثقافية. وتوصل الباحث إلى نتيجة مفادها أن سلطات الاحتلال خلقت واقعًا سياسيًا وديموغرافيًا جديدًا في القدس من خلال مصادرة الأراضي وبناء المستعمرات، وبناء مناطق خضراء، وتنفيذ سياسة هدم البيوت، ورفض منح تراخيص البناء. وقد أدت هذه الانتهاكات في حق الفلسطينيين إلى خلق خلل ديموغرافي، يُستخدم وسيلةً للضغط في أيّ مفاوضات ضد الطرف الفلسطيني؛ لإنجاز اتفاقيات تخدم المصالح الإسرائيلية.

ركز الباحث راسم خمايسي في دراسته على مصفوفة الضبط والتغييرات الديموغرافية والحضرية. واستند في دراسته على وصف وتحليل نقدي لمصفوفة الضبط الذكية، التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي لإحداث التغييرات الديموغرافية والحضرية الفلسطينية في القدس. ويرى أن هذه مصفوفة الضبط الإسرائيلية تسعى من خلالها إسرائيل إلى صياغة الخطاب واللغة وهندسة الوعي والسلوك لخلق حالة رد الفعل، وليس الفعل. وقد أشار إلى أن سلطات الاحتلال تطبق هذه المصفوفة على من أجل خلق واقع "مُؤَسرَل" يصعب تغييره، بحيث يبسط به سيطرته على المدينة، وحَولها، من خلال تغيير الواقع الديموغرافي والجغرافي والمؤسساتي. كما وضح الباحث أن خطة القدس لعام 2050 تستهدف تطوير الطرق لاستيعاب الكم الهائل من المستوطنين والسياح على حساب المواطن الفلسطيني، ولهذا تسعى إسرائيل إلى خلق واقع مغاير، مغيّبًا ومتجاهلًا مكان السكان الفلسطينيين الأصليين الذي يمرون بمراحل تمدّن، فارضين القانون المحلي الإسرائيلي، بدلًا من القانون الدولي المستحق.

جاءت دراسة الباحث فرانشيسكو كيودلّي حول أثر السياسات الحضرية التي تطبقها سلطات الاحتلال من أجل إعادة تشكيل القدس. وبحسب الباحث فإن هذه السياسات تتمثل في التوسّع اليهودي في القدس الشرقية الذي تعزّزه إسرائيل، على نحو أساسي، من أجل بناء مجموعة من الأحياء السكنية الإسرائيلية، وأشار في هذا السياق أن 50 ألف من الوحدات السكنية الإستيطانية بنيّت في المنطقة المحتلة من القدس الشرقية، وهذا يعني أن 40 في المئة من السكان اليهود يعيشون في هذه المنطقة. ويشير كذلك ألى أن ثمة سياسة إسرائيلية لاحتواء النمو السكاني العربي، وهي تستهدف الإبقاء على الفلسطينيين في القدس الشرقية تحت الهيمنة الإسرائيلية، وعدم السماح بتوسع الأحياء العربية وفقًا لخطط وسياسات وقوانين حضرية إسرائيلية. ويرى أن نتيجة هاتين العمليتين المتزامنتين، هي نشوء مدينة ثنائية تحت سيطرة سلطات الاحتلال، ولكنها، من الناحية الفعلية، غير قابلة للتجزئة، وبعبارة أخرى حوالي 30-50 في المئة من المنازل الفلسطينية تصنف بأنها "غير قانونية" وهذا يجعلها في وضع حرج ويعرضها لخطر الإزالة.

الاعتبارات السياسية لقرار نقل السفارة الأميركية

الجلسة الأخيرة جاءت للبحث في الاعتبارات السياسية لقرار نقل السفارة الأميركية الى مدينة القدس، ترأسها الدكتور عبد الفتاح ماضي، الباحث في المركز العربي . درس الباحث كلايد ويلكوكس الاعتبارات الداخلية الأميركية لقرار نقل السفارة. لاسميا أن الاميركيون لايهتموا بالسياسة الخارجية، حتى أن كثير منهم لا يعرف مكان روسيا أو إيطاليا على الخارطة.

وبالتالي حسب رأي الباحث فأن الإدارة الأميركية تأمل من هذه الخطوة أن تحرف الأخبار بعيدًا عن مسارات داخلية ذات صلة، مثل التدخل الروسي في الانتخابات الأميركية وغيرها من الفضائح، ساعيةً إلى كسب رضى قاعدتها الإنجيلية وبعض الأطراف المانحة الرئيسة، وجعل الرئيس يبدو حاسمًا وجريئًا.

على الصعيد ذاته ناقش أسامة أبو رشيد دوافع وأبعاد قرار نقل السفارة الأميركية، ورأى أن القرار الأميركي يصب في اتجاه ما يسمى صفقة القرن، ويرتكز على أربعة أبعاد، وهي: شخصي سياسي مرتبط بالرئيس دونالد ترامب، وزعمه أن القرار يدعم مصالح الطرفين بعملية السلام، والتزامه بالوعود التي منحها ترامب لناخبيه، بالإضافة إلى الضغوط الداخلية للوبي الصهيوني. واعتبر أبو ارشيد أن هذا القرار يعتبر ضربة قوية لطموحات الفلسطينين لمشروعهم السياسي الذي استمر سنوات عديدة والذي قام على دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من حزيران عام 1967. إن مشروع السلطة السياسي لم يكن يومًا هذا المشروع أرضية حقيقية للمفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وكشف أن الفلسطينيين الآن يعيشون واقعًا فلسطينيًا وعربيًا صعبًا، ولهذا عليهم ألا يتوقعوا تغيير حسابات الولايات المتحدة بقرارٍ ذاتي من قبلهم.

أما الباحث إبراهيم فريحات قدم دراسته حول أثر قرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس على مستقبل الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي. كما تناول في دراسته الآثار الناتجة من قرار الاعتراف الأميركي بالقدس عاصمةً للكيان الإسرائيلي على أكثر من صعيد. الأول تفاوضيًا، يرى أن القرار عقّد مسار العملية التفاوضية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ومن جهة ثانية أعطى قرار الاعتراف هامشًا تفاوضيًا للفلسطينيين بعيدًا عن احتكار الراعي الأميركي لعملية الوساطة بين الطرفين. واعتبر فريحات أن ما حدث الآن عبارة عن "كامب ديفيد جديدة" ولم يحصل فيها العرب على شيء. أخيرًا، قدم ملامح إستراتيجية سياسية في شكل توصيات لما يمكن للفلسطينيين القيام لبناء "إستراتيجية وطنية"؛ من أجل مجابهة التحديات الجديدة التي فرضها قرار الاعتراف الأميركي بالقدس عاصمةً للكيان الإسرائيلي. ورأى أن هذه الاستراتيجية لا بد أن تقوم على الصمود على الأرض وتحديدًا على المقدسيين الصمود في القدس ومجابهة مشاريع الاحتلال وسياساته، والعصيان المدني ووقف التنسيق الأمني، وتحويل السلطة الفلسطينية إلى سلطة مقاومة، ونضال النخب.

اختتمت الجلسة بدراسة قدمها أديب زيادة حول إمكانية قيام الاتحاد الأوروبي برعاية عملية السلام بدلًا عن واشنطن في ضوء بحث السلطة الفلسطينية عن رعاية بديلة لعملية السلام. وحسب رأيه فإن التعويل على الاتحاد الأوروبي راعيًا جديدًا لعملية السلام يشوبه الشك، على الرغم من موقفه المنسجم مع قرارات الأمم المتحدة في حق القدس؛ وهو المكتفي بدور الملحق في عملية أوسلو، ولا يمتلك الإرادة بشأن هذا التغيير. وخلص إلى أنه من غير الوارد أن يقوم الاتحاد الأوروبي بمحاكاة الموقف الأميركي بشأن حق القدس، كما أنه من غير الوارد أن يعمل على التقدم للحلول مكان أميركا في عملية السلام. فالاتحاد الأوروبي يعلم حدوده ومدى قبوله لدى إسرائيل، من المكمن أن يعمل الاتحاد الأوروبي ، بالتعاون مع آخرين على الساحة الدولية، إلى عدم دفع الأمور في السلطة إلى حافة الهاوية. بل إنه سيعمل على سد الفراغ المتعلق بالمساعدات الذي ستخلّفه واشنطن. وهو ما يستدعي اضطلاع السلطة الفلسطينية بمسؤولياتها في إعادة تقييم المرحلة واجتراح خيار بديل.

 

التعليقات