تحليل: فرص تشكيل "ناتو عربي" ضئيلة

عادت فكرة إنشاء التحالف ثانيةً إلى اهتمامات السياسية الخارجية الأميركية مع تنصيب ترامب في 20 كانون الثاني 2017؛ ونقلت وكالة "رويترز" عن مسؤولين أميركيين، أنّ السعودية طرحت فكرة إقامة تحالف أمني قُبيل زيارة الرئيس الأميركي إلى المملكة في 22 أيار

تحليل: فرص تشكيل

أحد مؤتمرات مجلس جامعة الدول العربية (أ ب)

يسعى "الناتو العربي" لتحقيق عددٍ من الأهداف، تتمحوَر أهمُّها حول فكرة التصدي للتهديدات الإيرانية بالمنطقة، وبناء قوة ردعٍ دفاعية في مواجهة الصواريخ بعيدة المدى وما تسميه أميركا مكافحة الإرهاب والقرصنة، أمام أنظار الولايات المتحدة، التي تسعى إلى إنشاء تحالف عربي، يضمّ الدول الخليجية الست في مجلس التعاون الخليجي، إضافةً إلى مصر والأردن، تحت مسمى "تحالف الشرق الأوسط الإستراتيجي"، وهو الاسم الذي وصفه الإعلام الدولي بأنه نسخة عربية عن حلف شمال الأطلسي.

وسيسعى التحالُف لتعزيز التعاون العسكري والأمني والسياسي والاقتصادي بين هذه الدول، بزعم إرساء الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط؛ عبر بناء منظومة دفاعية صاروخية مشتركة، وما يسمى مكافحة الإرهاب، والتصدي للتهديدات والتوسع الإيراني بنظر أميركا والسعودية، وهو أحد الأهداف المُعلَنة للتحالف، المُنتظر الإعلان عنه خلال القمّة الأميركية الخليجية المقرّرة في واشنطن، يومَي 12 و13 تشرين الأول/ أكتوبر المقبل.

وجاءت فكرة إنشاء تحالف عربي واسع برعاية أميركية، في أعقاب ثورات الربيع العربي في 2011، لتجنب تداعيات انتقال موجة الاحتجاجات الشعبية إلى هذه الدول. وتكررت الفكرة ثانيةً في 2015، لكن الإدارة الأميركية السابقة لمْ تبدِ ما يكفي من الاستعداد للمُضي قُدما في الوقت الذي كانت تتبنى فيه إستراتيجية الانسحاب التدريجي من المنطقة.

وعقب وصول دونالد ترامب، للحكم ببلاده في 2016، اتجهت الإدارة الأميركية لتبني خطاب أكثر حدّة تجاه إيران، واتهامها بأنها "رأس الإرهاب الدولي" الذي يُشكّل تهديدا جديا للأمن القومي الأميركي، وتهديدا مباشرا للدول الحليفة في مجلس التعاون الخليجي وإسرائيل.

وعادت فكرة إنشاء التحالف ثانيةً إلى اهتمامات السياسية الخارجية الأميركية مع تنصيب ترامب في 20 كانون الثاني 2017؛ ونقلت وكالة "رويترز" عن مسؤولين أميركيين، أنّ السعودية طرحت فكرة إقامة تحالف أمني قُبيل زيارة الرئيس الأميركي إلى المملكة في 22 أيار من العام نفسه.

ودعت واشنطن، خلال القمّة الأميركية الإسلامية، التي استضافتها العاصمة السعودية الرياض، في أيار/ مايو 2017، لحشد تأييد دول مجلس التعاون الخليجي، وأكثر من 50 دولة إسلامية، للتصدي للنفوذ الإيراني ومواجهته في المنطقة.

لم يُشِر بيان القمّة بإصبع الاتّهام لإيران

لكنّ البيان الختامي (إعلان الرياض) بنقاطه الست، جاء خاليا من أيّ إشارة إلى مواجهة التوسع الإيراني بالمنطقة والتصدي له، فيما أشار إلى ضرورة العمل على إنشاء "تحالف لمكافحة الإرهاب والتطرف والقرصنة" مع نهاية 2018، بيْد أنّ الفكرة ظلّت قيد المناقشة دون التقدم بخطواتٍ عملية؛ كما أنّ تفجّر الأزمة بين قطر من جهة، والسعودية والإمارات والبحرين ومصر من جهةٍ أخرى، بعد أقل من أسبوعين على القمّة، حال دون مواصلة التنسيق مع واشنطن لتجسيد الرؤية الأميركية عمليا في إطار تحالفٍ واسعٍ تحدّث عنه مسؤولون أميركيون وعرب خلال القمة.

وترى السعودية أنّ إيران، من خلال دعمها اللامحدود لجماعة الحوثي، الحليفة لإيران في اليمن، بصواريخ بعيدة المدى تستهدفُ الرياض والمدن الكبرى والبنية التحتية للنفط، باتت تشكل هي الأخرى تهديدا وجوديا يتعدى حدود التنافس الإقليمي على المصالح والدور القيادي بالمنطقة.

ويُشكل الإصرار الإيراني على بناء قواعد قرب مضيقَي هرمز وباب المندب وفي القرن الأفريقي، بنظر التحالف، تهديدا جديا لمصالح دول العالم التي تصلها موارد الطاقة عبر المضيقيْن؛ ولذلك فإنّ بناء "ناتو عربي" باعتباره قوة رادعة تتصدى للتهديدات الإيرانية، هو مصلحةٌ تتعدى مصالح دول مجلس التعاون الخليجي ودول أخرى بالمنطقة. كما أن إغلاق أو عرقلة مرور الطاقة عبر مضيقَي هرمز وباب المندب؛ يمكن أن يتسبب في ارتفاع أسعار النفط في السوق العالمي لمستوياتٍ غير مسبوقة، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى أزماتٍ اقتصاديةٍ في دول عدّة.

ومن بين البلدان المهددة؛ الولايات المتحدة التي تدخلت بشكلٍ ما لحثِّ السعودية على زيادة الإنتاج لخفض أسعار النفط، وكذلك إيران التي ستتضرر بشكلٍ مباشرٍ من إغلاق المضيقيْن بحرمانها من العائدات النفطية، في وقتٍ تُعاني اضطرابات داخلية على خلفية تردي الوضع الاقتصادي وتدني المستوى المعيشي.

قوّة مشتركة تُعاني من انقسامات

وتعتمد فكرة إنشاء "ناتو عربي" على تشكيل قوة مشتركة من دول مجلس التعاون الخليجي بالإضافة إلى مصر والأردن، لكنّ منظومة مجلس التعاون، تُعاني من خلافات وانقسامات مُنذ سنواتٍ طويلة، حول الموقف من الصراع في اليمن وما يسمى الخطر الإيراني وملفاتٍ أخرى، بلغت ذروتها فرض الحصارعلى قطر في حزيران/ يونيو 2017، والتي أفرزت انقساما عميقا بوقوف قطر في مواجهة السعودية والإمارات والبحرين، واتخاذ كل من سلطنة عُمان والكويت موقف الحياد.

كما أنّها، كمنظومة، لا تزال تعاني من مخاوف التنافس الداخلي والاعتقاد بفرض هيمنة دولة على الدول الأخرى، وكمًّا لا بأس به من الخلافات على ترسيم الحدود والمناطق السيادية، وعوامل أخرى ساهمت في غياب آليات العمل المشترك في مختلف الجوانب الحيوية الاقتصادية والأمنية والعسكرية والاجتماعية ضمن عمل مؤسساتي تحت مظلة مجلس التعاون الخليجي، ولا تزال دول مجلس التعاون الخليجي غير متفقة على تحديد أولويات الأعداء والاتفاق على طبيعة التهديدات ومصادرها.

غير أنه من المؤكد أنّ تشكيل تحالف عربي واسع يحمل اسم "الناتو العربي" أو أيّ اسم آخر، سيكون برعاية مباشرة من السعودية؛ الدولة الوحيدة المؤهلة لقيادته بتنسيق متعدد الجوانب مع الولايات المتحدة.

التّحالُف وعقبة الأزمة الخليجيّة

لكنّ اندلاع الأزمة الخليجية والخلافات المستمرة بين ثلاث دول خليجية في التحالف المنتظر، السعودية والإمارات والبحرين، مع دولة قطر سيضع التحالف أمام تحدي إزاحة هذه العقبة إما في حل الأزمة حلا عاجلا وسريعا، وهذا مُستبعدٌ في المدى القريب، أو إبعاد قطر عن التحالف، ما يضرّ ببنيته القائمة على أساس تماسك دوله في إطار مجلس التعاون الخليجي.

ولا تبدو قطر مستعدة في المرحلة الراهنة القبول بالدخول في أيّ تحالفاتٍ لمواجهة النفوذ الإيراني، والتصدي لتهديدات القوات الحليفة لإيران.

ومن الممكن مقايضة الموقف القطري وجذبها إلى صف التحالف مقابل إنهاء المقاطعة، وإعادة العلاقات إلى ما كانت عليه قبل الأزمة بضماناتٍ تقدمها الدوحة بشأن الاتهامات الموجهة لها من دول المقاطعة الرباعية، وهو ما لا يُعتقد أنْ تقبل به دولة قطر التي ترى عدم صحة الاتهامات وترفض القبول بشروط الرباعية التي تعدها استلابا للسيادة والقرار القطري.

وفي الواقع، فشل مجلس التعاون الخليجي في خلق رؤية إستراتيجية مشتركة لتحديد علاقات منظومة المجلس، ككتلةٍ واحدةٍ، مع الأطراف الإقليمية والدولية لتبايُن المصالح الثنائية لدول المجلس منفردةً مع الأطراف الإقليمية أو الدولية، وأدّى ذلك إلى الإخفاق طيلة أربعة عقود في بناء قوة مشتركة تتمتع بقدراتٍ دفاعية قادرة على توفير مظلة حماية أمنية ذاتية بديلة عن مظلة الحماية الأمنية الأميركية.

ومن المُستبعد، أيضا، قبول سلطنة عُمان بمغادرة موقف الحياد الذي يُعد أهم ثوابتها السياسية حال قبولها الدخول في "الناتو العربي" لمواجهة النفوذ الإيراني ونشاطات القوى الحليفة في المنطقة، وسبق لها أنْ رفضت المشاركة في التحالف السعودي في اليمن.

ولذلك، تبدو فرص بناء تحالف عربي يضمّ دول مجلس التعاون ومصر والأردن ضئيلة، إذ لا تزال دول مجلس التعاون الخليجي غير متفقة على تحديد أولويات الأعداء والاتفاق على طبيعة التهديدات ومصادرها، التي ترى السعودية أنّ إيران هي مصدر التهديد، لكنّ قطر وسلطنة عُمان، وقد تكون الكويت أيضا، لا ترى ذلك بالمنظور ذاته.

 

التعليقات