بعد ثمانية أشهر من الاستشارات الشاقة.. حكومة لبنانية جديدة

تشكلت، الخميس، حكومة جديدة في لبنان برئاسة سعد الحريري، بعد استشارات صعبة استمرت أكثر من ثمانية أشهر، وانتهت بولادة صيغة تكرس بشكل رئيسي نفوذ رئيس الجمهورية، ميشال عون، مع حليفه الأساسي "حزب الله".

بعد ثمانية أشهر من الاستشارات الشاقة.. حكومة لبنانية جديدة

(أ ب)

تشكلت، الخميس، حكومة جديدة في لبنان برئاسة سعد الحريري، بعد استشارات صعبة استمرت أكثر من ثمانية أشهر، وانتهت بولادة صيغة تكرس بشكل رئيسي نفوذ رئيس الجمهورية، ميشال عون، مع حليفه الأساسي "حزب الله".

وصدر مرسوم تشكيل الحكومة المؤلفة من 30 وزيرًا، يمثلون مختلف القوى السياسية الكبرى، بينهم أربع نساء، في سابقة هي الأولى من نوعها، بعد خلافات على تقاسم الحصص وخشية من تدهور الأوضاع الاقتصادية.

ويأتي تشكيل هذه الحكومة، الأولى منذ انتخابات البرلمان في أيار/ مايو، بعد أكثر من عامين من تسوية أدت إلى انتخاب عون رئيسًا، بدعم من حزب الله، وتكليف الحريري تشكيل الحكومة.

وقال الحريري في كلمة مقتضبة بعد تلاوة مرسوم التشكيل "ربما لم يكن هناك ما يستدعي كل هذا التأخير، لأنه فعلًا هناك ملفات وقضايا أهم من توزيع الحقائب".

وأضاف "كانت مرحلة سياسية صعبة خصوصًا بعد الانتخابات، لكننا نريد أن نطوي الصفحة ونقوم بالعمل" المطلوب، مؤكدًا أن "التعاون بين أعضاء الفريق الوزاري شرط واجب لنكون على مستوى التحدي".

وواجه الحريري، الذي كلفه عون تشكيل الحكومة في 24 أيار/ مايو، صعوبات كبيرة ناتجة بشكل أساسي عن خلافات حادة على تقاسم الحصص، تم تجاوزها الواحدة تلو الأخرى قبل أن يصطدم باشتراط بمعضلة تمثيل ستة نواب سنّة مقربين معارضين للحريري في الحكومة بوزير، الأمر الذي رفض الاخير أن يكون من حصته.

وتشكلت الحكومة بعد موافقة عون على تمثيل هؤلاء النواب بوزير ضمن حصته.

وفي لبنان، البلد العربي الصغير ذي التركيبة الهشّة والطائفية، لا يمكن تشكيل الحكومة من دون توافق القوى الكبرى، إذ يقوم النظام السياسي على أساس تقاسم الحصص والمناصب بين الطوائف والأحزاب.

ويتعين على الحكومة تقديم بيانها الوزاري إلى البرلمان لنيل ثقته، ضمن مهلة ثلاثين يومًا من تاريخ صدور مرسوم تشكيلها، وفق الدستور اللبناني. وتعقد الحكومة جلستها الأولى السبت، وفق الحريري.

وتشمل حصة عون مع تياره 11 وزيرًا، بينهم الوزير السني المعارض للحريري. ويتمثل "حزب الله" بثلاثة وزراء، وبالتالي يمكنهما تعطيل أي قرار لا يحظى بموافقتهما، فيما تضم الحكومة خمسة وزراء للحريري وأربعة للقوات اللبنانية.

وتضم الحكومة أربع نساء، إذ تشغل وزيرة المال السابقة، ريا الحسن، المحسوبة على الحريري، حقيبة وزارة الداخلية، بينما تولت ندى بستاني، المحسوبة على التيار الوطني الحر، وزارة الطاقة، حيث عملت كمستشارة خلال السنوات الأخيرة.

وتولت الإعلامية مي شدياق، التي تعد من أشد منتقدي "حزب الله" والنظام السوري، حقيبة التنمية الإدارية، ممثلة القوات اللبنانية. وتعرضت شدياق لمحاولة اغتيال فاشلة في أيلول/ سبتمبر 2005، سببت لها بترًا في ساقها ويدها.

واحتفظ كل من وزير الخارجية، جبران باسيل، بحقيبة الخارجية، والوزير علي حسن خليل، ممثل حركة أمل، بحقيبة المالية. ونال وزراء حزب الله حقائب الصحة والرياضة ووزارة الدولة لشؤون مجلس النواب.

وهي المرة الثالثة التي يتولى فيها الحريري رئاسة الحكومة. وكانت المرة الأولى بين 2009 و2011، حين ترأس حكومة وحدة وطنية ضمت معظم الأطراف.

وتواجه الحكومة الجديدة تحديات عدة، بينها صياغة البيان الوزاري الذي يرسم الخطوط العريضة لبرنامج عمل الحكومة، في ظل وجود انقسامات كبرى أبرزها إزاء دور حزب الله والعلاقات مع دمشق، فضلًا عن أزمة اقتصادية في بلد يرزح تحت عبء أكثر من مليون نازح سوري في ظل إمكانات ضئيلة للغاية.

ويفتح تشكيل الحكومة، الطريق أمام لبنان للحصول على منح وقروض بمليارات الدولارات تعهد بها المجتمع الدولي دعمًا لاقتصاده المتهالك في مؤتمرات أبرزها مؤتمر سيدر في باريس في أبريل/ نيسان.

وأكد الحريري أن "التمويل لا يمكن أن يتم من دون إصلاحات جدية"، مشيرًا إلى "تلازم بين التزامات المجتمع الدولي والإخوة العرب بالتمويل، والتزام الدولة بالإصلاحات والتنفيذ الشفاف للأعمال".

وربطت معظم الجهات الدولية والمانحة مساعداتها بتحقيق لبنان سلسلة إصلاحات بنيوية واقتصادية وتحسين معدل النمو الذي سجل واحدا في المئة خلال السنوات الثلاث الماضية، مقابل 9.1 في المئة في السنوات الثلاث التي سبقت اندلاع الحرب في سورية إثر قمع ثورة العام 2011.

ويؤكد خبراء اقتصاديون أن تشكيل الحكومة وحده لا يكفي؛ وقال الخبير الاقتصادي ورئيس قسم الأبحاث في مجموعة بيبلوس، نسيب غبريل، في وقت سابق، إنه يتوجب على الحكومة الجديدة أن "تتخذ إجراءات ملموسة وتبث إشارات إيجابية لاستعادة الثقة المفقودة"؛ ورأى أن أولويتي الحكومة يجب أن تكونا "تحفيز النمو وتقليص مديونية الدولة".

ويبلغ حجم الدين العام في لبنان، 83 مليار دولار، ما يُعادل نسبة 150 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، ويحتل لبنان بذلك المرتبة الثالثة على لائحة البلدان الأكثر مديونية في العالم.

التعليقات