"هدية الجيش المسمومة": بوتفليقة يفقد رجاله والشارع مطالب باليقظة

بعد رئيس أركان الجيش، الفريق أحمد قايد صالح، جاء دور حزب "جبهة التحرير الوطني" الحاكم بالجزائر، بالإضافة إلى شخصية أخرى من المخلصين المقربين للرئيس عبد العزيز بوتفليقة للتخلي عنه، هو رئيس الوزراء السابق، أحمد أويحيى، وحزبه (التجمع الوطني الديمقراطي)، الذي طالب باستقالته

(أ ب)

بعد رئيس أركان الجيش، الفريق أحمد قايد صالح، جاء دور حزب "جبهة التحرير الوطني" الحاكم بالجزائر، بالإضافة إلى شخصية أخرى من المخلصين المقربين للرئيس عبد العزيز بوتفليقة للتخلي عنه، هو رئيس الوزراء السابق، أحمد أويحيى، وحزبه (التجمع الوطني الديمقراطي)، الذي طالب باستقالته، اليوم الأربعاء.

ويواجه بوتفليقة موجة احتجاجات غير مسبوقة منذ 22 شباط/ فبراير، للمطالبة برحيله من الحكم الذي يمسك بزمامه منذ 20 سنة، ولكنه بدأ يفقد أوفى المقربين منه، الواحد تلو الآخر، فبعد رئيس أركان الجيش الذي فتح الباب لعزله، أوصى الحزب الحاكم "الجبهة التحرير الوطني"، وحليفه الرئيسي "التجمع الوطني الديمقراطي"، باستقالته.

وأعلن حزب "جبهة التحرير الوطني" الحاكم، اليوم، أنه يؤيد دعوة الجيش للجوء للمادة 102 من الدستور لعزل بوتفليقة من أجل إنهاء أسابيع من الاحتجاجات.

أحمد أويحيى (أرشيفية - رويترز)

وجاء في بيان موقع من الأمين العام للتجمع، أويحيى: "يوصي التجمع الوطني الديمقراطي باستقالة السيد رئيس الجمهورية طبقا للفقرة الرابعة من المادة 102 من الدستور، بغية تسهيل دخول البلاد في المسار الانتقالي المحدد في الدستور". والفقرة الرابعة في المادة 102 تتحدث عن حالة استقالة رئيس الجمهورية أو وفاته.

وطالب الحزب الشريك في الائتلاف الحاكم في الجزائر، الرئيس بوتفليقة بالإسراع في "تشكيل حكومة لاجتناب أي فراغ أو تأويلات حول الجهاز الحكومي في هذه المرحلة الحساسة".

والثلاثاء، اقترح الفريق قايد صالح، تطبيق المادة 102 من الدستور، كمخرج للأزمة التي تشهدها البلاد منذ أسابيع، ويتمثل بآلية يعلن في نهايتها عجز الرئيس عن ممارسة مهامه، بسبب "المرض الخطير والمزمن" أو "الاستقالة".

أحمد قايد صالح (أرشيفية - أ ب)

وقال الاتحاد العام للعمال الجزائريين، أكبر اتحاد عمال في البلاد، اليوم، الأربعاء، إنه يؤيد إعلان الجيش ويحث الرئيس عبد العزيز بوتفليقة على التنحي.

وقال الأمين العام للاتحاد، عبد المجيد سيدي، إن الاتحاد يرحب بدعوة الفريق رئيس أركان الجيش، قايد صالح، لتطبيق المادة 102 من الدستور، وهي المادة التي تحدد إجراءات استقالة الرئيس أو إعلان أنه غير لائق للحكم.

وبذلك يبقى أمام الرئيس، الذي تنتهي ولايته الفعلية في 28 نيسان/ أبريل المقبل، خياران بحسب هذه المادة: إما الاستقالة أو الدخول في إجراءات طويلة، وربما مهينة، لعزله من الحكم بسبب "استحالة ممارسة مهامه".

ولكن في الوقت الحالي، لا شيء يجبر بوتفليقة على الاستقالة، والدستور في مادته 102 يعطي كل الصلاحيات للمجلس الدستوري، وخصوصًا رئيسه، الطيب بلعيز، وهو من المخلصين المحيطين بالرئيس، في "إثبات المانع" واستحالة ممارسة وظيفة الرئيس.

الشارع مطالب باليقظة

يأتي ذلك فيما ترفض أصوات في الحراك الجزائري الانجرار وراء مقترحات الجيش التي اعتبروها محاولة للالتفاف على مطالب الشارع الجزائري بإسقاط النظام، واعتبروا أن بذلك يستغني الجيش عن جزء من النظام في محاولة للمحافظة على الجزء صاحب السطوة والممسك بزمام القيادة.

وحذروا من مساعي الدائرة المحيطة بالرئيس بالاستغناء عن بوتفليقة والاحتفاظ بسائر المنظومة، وأشاروا إلى أن تفعيل المادة 102 بدون حكومة وبدون مجلس رئاسي ينظم الإجراءات التي تلحق عزل بوتفليقة، إجراء من شأنه أن يضمن استمرار حكم النظام، فيما شددوا على أن يقظة الشعب مطلوبة أكثر من أي وقت مضى.

وذكر "التجمع الوطني الديمقراطي" أنه سبق أن طلب من السلطة "المزيد من التنازلات"، لتنفيذ خطة بوتفليقة، الذي أجبرته الاحتجاجات الحاشدة على إعلان عن العدول عن الترشح لولاية خامسة، وإقالة الحكومة.

لكنه إلى جانب ذلك، ألغى الانتخابات الرئاسية المقررة في 18 نيسان/ أبريل ومدّد، بحكم الأمر الواقع، ولايته الرابعة التي يفترض أن تنتهي في 28 من الشهر ذاته، مع وعود بإصلاحات سياسية بما فيها تعديل الدستور في إطار "ندوة وطنية".

غير أنّ الأحداث المسجلة كل يوم، قد أثبتت انسداد الطريق أمام هذا المسعى السياسي الذي رفضه المحتجون مثل كل القوى السياسية المعارضة المشاركة فيها.

واعتبر أستاذ الفلسفة السياسية بجامعة بجاية، محرز بويش، أن بيان "التجمع الوطني الديمقراطي"، "استمرار للنظام الذي يريد إنقاذ نفسه قبل شهر واحد من انتهاء ولاية بوتفليقة".

وأضاف "لكن ما يريده الشعب هو وسيلة لتغيير النظام بالكامل وبجميع مكوناته"، مشيرا إلى أن "الاحتجاج سيستمر، وستستمر المسيرات".

وساد الحذر في وسط العاصمة الجزائرية التي تشهد كل جمعة تظاهرة حاشدة للمطالبة برحيل بوتفليقة ومحيطه والنظام.

ورأى المختص في اقتصاد الصحة، حسن زناتي، أن الجهود المبذولة لعزل بوتفليقة "هدية مسمومة" لأن تفعيل إجراء تنحيته بتطبيق المادة 102، "سيبقي نفس النظام" في الحكم.

ومن جانبه ذكر يحيى (64 عاما)، وهو مواطن جزائري يعمل فني مختبرات، أن "رحيل بوتفليقة "قد يهدئ الوضع"، والمادة 102 "قد تكون بداية للحل"، ولكن في الوقت الحالي لا يوجد أي "شيء ملموس"، و "ربما سيطلب الشعب أكثر" من رحيل بوتفليقة.

أما حسن زناتي، فقال إنه متأكد من أن "الاحتجاجات السلمية" هي في الحقيقة "انتفاضة شعبية" ستستمر "حتى رحيل النظام" بأكمله.

ويسود الترقب بشأن المرحلة المقبلة بعد رفض الشارع ورقة الحل التي قدمها بوتفليقة، لكن الأخير ما زال يلتزم الصمت، في وقت رجحت صحيفة "النهار" المقربة من الرئاسة، أنّه سيغادر منصبه مع نهاية ولايته.

وتتسابق أحزاب السلطة والمنظّمات المرتبطة بالرئيس الجزائري للالتحاق بالحراك الشعبي ودعم مطالبه، والكشف عن تفاصيل عن طريقة إدارة الحكم في البلاد والظروف والملابسات المتصلة باتخاذ قرار ترشيح بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة.

وهاجم المتحدث باسم حزب "التجمع الوطني الديمقراطي"، صديق شهاب، في برنامج تلفزيوني، أمس الثلاثاء، محيط الرئيس بوتفليقة ووصفهم "بالقوى غير الدستورية"، في إشارة منه إلى شقيق الرئيس الأصغر ومستشاره السعيد بوتفليقة، مضيفاً أنّه بمثابة "ورم سرطاني أصاب الجزائر".

وكان شهاب قد أقرّ، في 20 آذار/ مارس الحالي، بالخطأ في حق الشعب. وفجّرت تصريحات شهاب قنبلة سياسية، عندما قال إنّ ترشيح بوتفليقة لم يكن قناعة سياسية، لكنه كان مغامرة وفقدان بصيرة. لكن حزب "التجمع الوطني الديمقراطي" عاد لاحقاً للتبرؤ من تصريحات شهاب.

ويبدو "التجمع الوطني الديمقراطي" في طريقه للتشظي، إذ أشارت تقارير صحافية إلى أن أكثر من 650 قياديًا في الحزب يحضّرون لانقلاب على الأمين العام، أويحيى، وطرده من الحزب.

فيما أوردت تقارير صحافية أنباء عن وثيقة يجري توقيعها من قبل قيادات الحزب بهدف عقد مؤتمر استثنائي عاجل في الفترة بين 4 و15 نيسان/ أبريل المقبل، "يخلص إلى تشكيل قيادة جديدة للحزب وتطهير صفوفه من رجال المال والانتهازيين الذين يسيطرون على مقاليد الحزب".

وعادت، اليوم، الاحتجاجات في ساحة البريد المركزي بوسط العاصمة، مع تجمع للأساتذة الباحثين للتعبير عن رفضهم للحلول المقترحة للأزمة وهم يرددون "سئمنا من هذا الحكم".

المرشح المؤقت لخلافة بوتفليقة

ومع التفعيل المحتمل للمادة 102 من الدستور الجزائري، التي تنص على شغور منصب رئيس البلاد، سيجد رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح، نفسه أمام مسؤولية تتمثل بتوليه الرئاسة بالنيابة لمدة 90 يوما.

وتنص المادة المذكورة، على أنه في حالة استقالة الرئيس أو وفاته أو عجزه يخلفه رئيس مجلس الأمة (الغرفة الثانية للبرلمان)، لمدة 90 يوما، تنظم خلالها انتخابات جديدة.

عبد القادر بن صالح

ولإقرار شغور منصب رئاسة البلاد، يتعين على المجلس (المحكمة) الدستوري، الانعقاد لمناقشة استقالة الرئيس وإقرار حالة الشغور، فيما يجتمع لاحقًا البرلمان بغرفتيه (المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة)، ليتولى رئيس مجلس الأمة منصب رئيس الجزائر بالنيابة.

ومنذ العام 2001، يشغل بن صالح منصب الرجل الثاني في الدولة، ولم تتزعزع ثقة رئيس البلاد في شخصه، رغم أن انتخابات التجديد النصفي للغرفة الثانية للبرلمان تتم كل 3 سنوات.

وعقب إصابة بوتفليقة بجلطة دماغية عام 2013، بات بن صالح الممثل الشخصي لبوتفليقة في المحافل الإقليمية والدولية، وبالأخص في دورات جامعة الدول العربية.

وعرف بن صالح بخطاباته الممجدة لإنجازات بوتفليقة وبرنامجه، واشتهر في السنوات الأخيرة بإطلاقه وصف "الأصوات الناعقة"، على معارضي بوتفليقة والمشككين في نزاهة الانتخابات الرئاسية لسنة 2014.

 

التعليقات