الجزائر والمادة 102: الحراك يرفض إشراف رموز النظام على المرحلة الانتقاليّة

تعتبر المادة 102، التي تحدد طريقة إعلان شغور منصب رئيس البلاد وتعويضه، من أطول مواد الدستور الجزائري؛ إذ وردت في ست فقرات، كما أن طريقة تطبيقها شديدة التعقيد وتخضع لحسابات قانونية وسياسية كثيرة

الجزائر والمادة 102: الحراك يرفض إشراف رموز النظام على المرحلة الانتقاليّة

(أ ب)

 احتشد آلاف المتظاهرين في وسط العاصمة الجزائرية، اليوم الجمعة، لتكثيف الضغوط على الرئيس، عبد العزيز بوتفليقة، كي يستقيل من منصبه، بعد أيام من دعوة الجيش لتنحيه وانفضاض مقربيه عنه، فيما انطلقت مسيرات وتجمعات مبكرة لا تزال تشهد إقبالا واسعا في العاصمة الجزائر.

وردد المحتجون شعارات رافضة لإشراف رموز نظام بوتفليقة على المرحلة المقبلة، وخصوصا رئيس مجلس الأمة (الغرفة الثانية للبرلمان) عبد القادر بن صالح، ورئيس الوزراء نور الدين بدوي (وزير الداخلية السابق).

وتتجه الأنظار لمسيرات حاشدة مرتقبة بعد ظهر اليوم، عقب انتهاء صلاة الجمعة بالعاصمة وجل المدن الجزائرية، وذلك في أول جمعة عقب دعوة قيادة الجيش لتطبيق المادة 102 من الدستور المتعلقة بشغور منصب رئيس الجمهورية.

وتشهد الجزائر منذ 22 شباط/ فبراير الماضي مظاهرات رافضة لعهدة خامسة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، ولاحقا رافضة لتمديد الولاية الرابعة للرئيس، مع شعارات تطالب برحيل جميع الوجوه القديمة للنظام الحالي.

وتعتبر المادة 102، التي تحدد طريقة إعلان شغور منصب رئيس البلاد وتعويضه، من أطول مواد الدستور الجزائري؛ إذ وردت في ست فقرات، كما أن طريقة تطبيقها شديدة التعقيد وتخضع لحسابات قانونية وسياسية كثيرة.

وقال رئيس أركان الجيش، الفريق أحمد قايد صالح، الثلاثاء الماضي، إن حل الأزمة الراهنة في الجزائر، منصوص عليه في المادة 102 من الدستور كمخرج توافقي يحفظ سيادة البلاد ويستجيب لمطالب الشارع.

وأجبرت احتجاجات شعبية مستمرة، بوتفليقة (82 عاما)، الذي يحكم منذ عشرين عاما، على سحب ترشحه لولاية رئاسية خامسة، وتأجيل انتخابات رئاسية كانت مقرة في 18 نيسان/ أبريل المقبل، مع وعد بانتخابات جديدة لن يترشح فيها.

نص المادة

وتنص المادة على ما يلي: إذا استحال على رئيس الجمهوريّة أن يمارس مهامه بسبب مرض خطير ومزمن، يجتمع المجلس الدستوري وجوبا، وبعد أن يتثبّت من حقيقة هذا المانع بكل الوسائل الملائمة، يقترح بالإجماع على البرلمان التّصريح بثبوت المانع.

ويكلّف بتولّي رئاسة الدّولة بالنّيابة مدّة أقصاها خمسة وأربعون يوما، رئيس مجلس الأمّة الّذي يمارس صلاحيّاته، مع مراعاة أحكام المادّة 104 من الدّستور.

وفي حالة استمرار المانع بعد انقضاء خمسة وأربعين يوما، يُعلَن الشّغور بالاستقالة وجوبا حسب الإجراء المنصوص عليه في الفقرتين السّابقتين وطبقا لأحكام الفقرات الآتية من هذه المادّة.

في حالة استقالة رئيس الجمهوريّة أو وفاته، يجتمع المجلس الدّستوريّ وجوبا ويُثبِت الشّغور النّهائيّ لرئاسة الجمهوريّة.

وتُبلّغ فورا شهادة التّصريح بالشّغور النّهائيّ إلى البرلمان الّذي يجتمع وجوبا.

يتولّى رئيس مجلس الأمّة مهام رئيس الدّولة لمدّة أقصاها تسعون (90 يوما) تنظّم خلالها انتخابات رئاسيّة.

ولا يَحِق لرئيس الدّولة المعيّن بهذه الطّريقة أن يترشّح لرئاسة الجمهورية.

وإذا اقترنت استقالة رئيس الجمهوريّة أو وفاته بشغور رئاسة مجلس الأمّة لأيّ سبب كان، يجتمع المجلس الدّستوري وجوبا، ويثبت بالإجماع الشّغور النّهائيّ لرئاسة الجمهوريّة وحصول المانع لرئيس مجلس الأمّة. وفي هذه الحالة، يتولّى رئيس المجلس الدّستوري مهام رئيس الدّولة.

ويضطلع رئيس الدولة المعين حسب الشروط المبينة أعلاه بمهمة رئيس الدولة طبقا للشّروط المحدّدة في الفقرات السّابقة وفي المادّة 104 من الدّستور. ولا يمكنه أن يترشّح لرئاسة الجمهوريّة.

إشكالية التطبيق

وتطرح هذه المادة إشكالا سياسيا وقانونيا، في الجزء المتعلق بفقرتها الأولى التي تنص "على المانع الصحي المرتبط بمرض مزمن وخطير".

إذ تقول: "إذا استحال على رئيس الجمهورية أن يمارس مهامه بسبب مرض خطير ومزمن، يجتمع المجلس الدستوري وجوبا، وبعد أن يتثبّت من حقيقة هذا المانع بكل الوسائل الملائمة، يقترح بالإجماع على البرلمان التّصريح بثبوت المانع"؛ فكيف يمكن إثبات هذه الاستحالة؟ ومن هي الجهة المخولة قانونا بفعل ذلك؟

يرى خبراء القانون الدستوري، أن الجهة الوحيدة المخولة بإثبات شغور منصب رئيس الجمهورية هي المجلس الدستوري نفسه، وهو المطالب بـ"الاجتماع وجوبا" عندما يستحيل على رئيس الدولة ممارسة مهامه بسبب مرض مزمن وخطير.

وعقب اجتماعه، يتثبت المجلس الدستوري، من حالة المانع والشغور "بكل الوسائل الملائمة"، منها عدم مخاطبة الشعب، أو القيام بجولات ميدانية، والاطلاع على الملف الطبي الخاص به.

ولم تحدد المادة 102، الجهة المخولة بإجبار المجلس الدستوري، على الاجتماع للنظر في استحالة تأدية الرئيس لمهامه؛ بمعنى أن للمجلس كل السلطة التقديرية في اتخاذ قرار الاجتماع الوجوبي.

وفوق كل هذا الغموض القانوني، يُعد رئيس المجلس الدستوري، الطيب بلعيز، من أقرب الشخصيات من بوتفليقة وقد رافقه طيلة فترة حكمه الممتدة عبر 20 عاما، في وزارات سيادية مثل العدل والداخلية وأخيرا مديرا لديوانه ومستشارا له؛ وهو ما يجعل الثقة في قراراته بهذا الخصوص محل تساؤل.

الاستقالة أو الوفاة

ويمكن تجاوز الإشكال الأول، المتعلق بالمرض، في حالتي الاستقالة والوفاة، مثلما ورد في الفقرة الثالثة، من المادة ذاتها.

وتقول الفقرة: "في حالة استقالة رئيس الجمهوريّة أو وفاته، يجتمع المجلس الدّستوريّ وجوبا ويُثبِت الشّغور النّهائي لرئاسة الجمهوريّة"، ويجتمع المجلس الدستوري في الحالتين "وجوبا"، بناءً على وثيقتي الاستقالة أو شهادة الوفاة.

التصويت

وفقا للمادة 182، من الدستور المعدل سنة 2016، فإن "المجلس الدستوري، هيئة مستقلة، تكلف بالسهر على احترام الدستور".

وحسب المادة 183 من النص ذاته، يتكون المجلس الدستوري، من 12 عضوا، 4 يعينهم رئيس الجمهورية، بينهم رئيس المجلس ونائبه، فيما يُنتخب عضوان عن المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى للبرلمان)، ومثلهما عن مجلس الأمة (الغرفة الثانية للبرلمان) وعن المحكمة العليا ومجلس الدولة.

وعند اجتماع المجلس الدستوري للنظر في مسألة ما، يتم الحسم فيها بالتصويت، وإذا تساوت الأصوات "يرجح صوت الرئيس (رئيس المجلس)"، مثلما ينص عليه الدستور.

وبما أن الأربعة الأعضاء، معينين من قبل رئيس الجمهورية، فإن عامل الثقة يرجح الكفة لصالحه في إجراءات النظر في مختلف المسائل.

ويستطيع المجلس الدستوري، ألا يرى بـ"استحالة أداء الرئيس لمهامه بسبب مرض خطير أو مزمن"، إذا ما قدر "أن إقالة وتعيين حكومات، وتوجيه رسائل للشعب، واستلام تقارير أمنية من رئيس أركان الجيش"، يتم تأديتها من قبل الرئيس.

الإخطار

في الوضع المتعلق بعجز بوتفليقة عن تأدية مهامه، وإذا تثبت المجلس الدستوري من استحالة تأدية المهام الرئاسية بسبب مرض خطير ومزمن، يخطر البرلمان بالاجتماع "للتّصريح بثبوت المانع"، وبعدها "يُعلِن البرلمان، المنعقد بغرفتيه المجتمعتين معا، ثبوت المانع لرئيس الجمهوريّة بأغلبيّة ثلثي أعضائه".

ويمكن لرئيس الجمهورية، ورئيس المجلس الشعبي الوطني، ورئيس مجلس الأمة والوزير الأول، إخطار المجلس الدستوري، "للنظر في دستورية القوانين العضوية (ا) بعد أن يصادق عليها البرلمان".

ولذات الغرض، يتيح الدستور المعدل في 2016، لـ50 نائبا من المجلس الشعبي الوطني، و30 عضوا من مجلس الأمة، إخطار المجلس الدستوري.

ولا تمتد صلاحية الإخطار، للمسألة المتعلقة، بعجز رئيس الجمهورية، عن تأدية مهامه بسبب مرض خطير ومزمن.

انتقال صلاحية رئيس جمهورية

وفقا للمادة 102، يتولى رئيس مجلس الأمة، رئاسة الدولة بالنيابة، في حالة إثبات "المانع"، لمدة 45، وفي حال استمر المانع بعد هذه المدة يستمر في الرئاسة بالنيابة لمدة 90 يوما.

وفي حالتي استقالة رئيس الجمهورية أو وفاته، يتولى رئيس مجلس الأمة رئاسة الدولة لمدة 90 يوما، بصلاحيات محددة، تتمثل في تنظيم الانتخابات الرئاسية، دون المساس بالحكومة القائمة.

وهناك حالة واحدة قد تؤول فيها رئاسة الدولة بالنيابة لرئيس المجلس الدستوري، مثلما تنص عليه الفقرة السادسة من المادة 102.

حيث تنص على أنه إذا اقترنت استقالة رئيس الجمهوريّة أو وفاته بشغور رئاسة مجلس الأمّة لأيّ سبب كان، يجتمع المجلس الدّستوري وجوبا، ويثبت بالإجماع الشّغور النّهائيّ لرئاسة الجمهوريّة وحصول المانع لرئيس مجلس الأمّة.

وفي هذه الحالة، يتولّى رئيس المجلس الدّستوري مهام رئيس الدّولة طبقا لـلشّروط المحدّدة في الـفقرات الـسّابـقة وفي المادّة 104 من الدّستور. ولا يمكنه أن يترشّح لرئاسة الجمهوريّة. 

 

التعليقات