مؤشرات على تداعي التحالف السعودي الإماراتي

جددت رئاسة الجمهورية اليمينة طلبها للمملكة العربية السعودية، بضرورة التدخل لإيقاف التدخل الإماراتي السافر من خلال دعم تلك المليشيات واستخدام القصف الجوي ضد القوات المسلحة اليمنية

مؤشرات على تداعي التحالف السعودي الإماراتي

في مؤشر آخر على انقلاب الإمارات على السعودية في اليمن، أقرت الإمارات، يوم الخميس، بشن ضربات جوية، جنوبي اليمن، وبررت ذلك بأنها "استهدفت مجموعات مسلحة ردًا على مهاجمتها قوات التحالف في مطار عدن"، فيما أدانت الحكومة اليمينية، القصف الجوي الإماراتي على عدن وزنجبار، مشيرة إلى أنه أسفر عن سقوط 300 قتيل وجريح من عناصر الجيش.

جاء ذلك في بيان للخارجية الإماراتية، نقلته وكالة الأنباء المحلية الرسمية، ردًا على بيان سابق للخارجية اليمنية في وقت سابق، الخميس، قالت فيه إن "القصف الإماراتي أسفر عن سقوط أكثر من ثلاثمائة شهيد وجريح من أبناء القوات المسلحة وعدد من المدنيين".

وقال الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، الخميس، إن الطائرات الإماراتية دعمت مليشيات المجلس الانتقالي الجنوبي المتمردة، مشيراً إلى أنها تمادت في مهاجمتها مؤسسات الدولة في عدن.

وجددت رئاسة الجمهورية طلبها للمملكة العربية السعودية، بضرورة التدخل لإيقاف التدخل الإماراتي السافر من خلال دعم تلك المليشيات واستخدام القصف الجوي ضد القوات المسلحة اليمنية. 

وأوضحت الخارجية اليمنية أن ضربات الطيران الإماراتي على قوات الحكومة الشرعية في عدن وأبين بلغت عشر ضربات جوية منذ مساء أمس الأربعاء، مؤكدة أن "الطيران ما يزال محلقًا (حتى مساء الخميس)"، فيما حملت وزارة الدفاع ورئاسة هيئة الأركان العامة، "المتسببين كامل المسئولية عن هذا الاستهداف المتعمد والسافر الخارج عن القانون والأعراف الدولية، وكذا الخارج عن المهمة التي أتوا من أجلها"، في إشارة إلى هدف التحالف العربي استعادة الشرعية في اليمن من يد الحوثيين. 

وأهاب البيان بــ"المملكة العربية السعودية بمحاسبة المتسببين في ذلك"، والذين وصفتهم بـ"المستهترين بدماء أبناء اليمن"، كما أيدت وزارة الدفاع ورئاسة الأركان طلب الحكومة "وقف دولة الإمارات لكافة الدعم المالي والعسكري لكل التشكيلات العسكرية الخارجة عن الدولة وسلطة القانون".

ودعت السعودية وقيادتها، باعتبارها قائدة التحالف العسكري الذي تشترك فيه الإمارات بادعاء دعم الشرعية، للوقوف بجدية إلى جانب الحكومة الشرعية و"إيقاف هذا التصعيد العسكري غير القانوني وغير المبرر".

تداعي التحالف السعودي الإماراتي؟

وفيما دلّت كل المؤشرات على متانة العلاقة بين السعودية والإمارات وتقاطع مصالح السلطات في البلدين على الصعيدين العالمي والإقليمي، إذ عمل البلدان معا على الظهور بمظهر من يتمتع بالنفوذ في الشرق الأوسط، والتودد للرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بادعاء التصدي لـ"العدو المشترك"، إيران، يبدو أن هذا التحالف بدأ يتخلخل.

ومن مصر إلى السودان والقرن الإفريقي، عمد البلدان إلى تنسيق استخدامهما لما يملكانه من سطوة مالية، بل وقوة عسكرية في اليمن، لإعادة رسم الخريطة السياسية في المنطقة بما يتفق مع مصالحهما؛ غير أن مصادر مطلعة قالت إن الملك سلمان خطا هذا الشهر في قصره بمكة خطوة غير مألوفة فأبدى "انزعاجه الشديد" من الإمارات.

بن زايد وبن سلمان... طلاق بعد وفاق؟ (أ ب)

ويبدو أن هذا التعليق الصادر عن ابن عبد العزيز، دليل على وجود شرخ في التحالف الذي يقوده عمليا ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، والحاكم الفعلي للإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان.

ولخلخلة العلاقات بين الإمارات والسعودية تداعيات تتجاوز بكثير علاقاتهما الثنائية؛ فالخلاف قد يضعف حملة "الضغوط القصوى" التي يقودها ترامب على طهران ويقلل من فرص نجاح خطته لتصفية القضة الفلسطينية المعروفة بـ"صفقة القرن"، والتي تعتمد على توافق البلدين بداية وبالتالي الاستفادة من سطوتهما المالية؛ بل وقد يكون له أصداء على مسارح صراع أخرى.

دوافع التغير

والمصدر المباشر للتوتر هو حرب اليمن الطاحنة، فمنذ أشهر تتزايد الاحتكاكات بسبب هذا الصراع الذي كان من المنتظر في بدايته أن يستمر بضعة أسابيع، لكنه طال لسنوات، وسقط فيه عشرات الآلاف ولا تبدو له نهاية في الأفق.

أما السبب الأشمل فهو القرار الذي يبدو أن الإمارات اتخذته بالتحول لخدمة مصالح أضيق وإظهار نفسها في صورة الشريك الأكثر نضجا الذي بمقدوره تحقيق استقرار المنطقة، حتى إذا كان المغزى من وراء ذلك تقليص الخسائر والمضي قدما من دون الرياض.

ويبدو أن الإمارات حريصة أيضا على إنقاذ صورتها في واشنطن، حيث أدى مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، إلى تعميق المخاوف من تحول السياسة الخارجية التي تنتهجها المملكة إلى الاندفاع.

وفي هذا السياق، نقلت وكالة "رويترز" عن مصدر وصفته بـ"المطلع" على ما يدور في أروقة اتخاذ القرار الإماراتي، قوله إن "الإمارات تريد أن تظهر بمظهر الدولة الصغيرة التي تيسر تحقيق السلام والاستقرار لا التابع لطرف سعودي يبدو منتصرا وينزع للتوسع".

وأضاف المصدر "الأمر بشكل من الأشكال تقديم مصالحهم، لأنهم يعتقدون أنه إذا كانت السعودية تنزع للتوسع فستبتلعهم".

لماذا انزعج سلمان؟

قال مصدران يمنيان ومصدر آخر تم إطلاعه على ما دار خلال "واقعة انزعاج سلمان"، إن الإعراب عن انزعاج الملك جاء في محادثة دارت وقائعها يوم 11 آب/ أغسطس مع الرئيس اليمني.

وكانت قوات هادي في عدن قد منيت لتوها بهزيمة على أيدي قوات تدعمها الإمارات عندما انقلب الطرفان المتحالفان صوريًا في جنوب البلاد على بعضهما بعضا في صراع على السلطة.

وردا على طلب للتعليق، وصف مسؤول سعودي تلك الرواية لما حدث بأنها زائفة، وقال "السعودية والإمارات لا تزالان متوافقتين إستراتيجيا فيما يتعلق بمصادر عدم الاستقرار في الشرق الأوسط وتتعاونان تعاونا وثيقا جدا للتصدي لمجموعة واسعة من التهديدات الأمنية في المنطقة وخارجها. العلاقات الثنائية بين البلدين وطيدة".

ولم ترد السلطات في الإمارات على أسئلة "رويترز" في هذا الشأن؛ وفي وقت سابق قال مسؤول في الإمارات إن البلدين "متوافقان تماما" فيما يتعلق باليمن وإيران وإن التهدئة هي السبيل الوحيد لتحقيق تقدم.

ومن شأن أي انقسامات أن تقلق البيت الأبيض الذي استثمر قدرا كبيرا من سياساته في الشرق الأوسط في البلدين.

ومع استئناف المعارك في عدن، أفاد بيان صادر عن الخارجية الأميركية بأن نائب وزير الدفاع السعودي، التقى بوزير الخارجية، مايك بومبيو، في واشنطن، لبحث كيفية وضع حد للمواجهة. ولم يذكر البيان العلاقات بين الرياض وأبو ظبي، والتي قال مسؤول أميركي إنها ستكون على جدول الأعمال.

واشتدت حدة المتاعب هذا الصيف بسبب اليمن بعد شهور من التوتر بفعل قضايا أخرى، فعندما أخذ بن سلمان وبن زايد خطوة الحرب في 2015 على المتمردين الحوثيين المتحالفين مع إيران في اليمن، ثم فرضا فيما بعد حصارًا على قطر، هلل أنصارهما لعصر جديد من العمل الحاسم في منطقة أكثر اعتيادا على مساعي التوفيق البطيئة بين المتخاصمين.

كما تدخل الرجلان في صراعات في مصر والسودان وليبيا، وعملا على احتواء النفوذ الإيراني من جهة وإقصاء الإسلاميين الذين اعتبروهم خطرا يهدد الحكم الوراثي في أعقاب ثورات الربيع العربي في 2011، من جهة أخرى.

غير أنه في الوقت الذي استعرضت فيه الرياض عضلاتها بقطع العلاقات مع كندا، واحتجزت رئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري، لفترة وجيزة، ودفعت العلاقات للتوتر مع الأردن والمغرب، شهدت الإمارات بالتزامن اهتزاز صورتها التي عملت بكل حرص على رسمها كقوة مثبتة للاستقرار، حسب تقرير "رويترز".

شعور سعودي بأن الإمارات تخلت عنها

وعلى الأرض اليمنية، قلصت الإمارات، في حزيران/ يونيو الماضي، من حجم وجودها العسكري في اليمن وقيدت الرياض بحرب مكروهة بدأتها لتحييد الحوثيين ومنع إيران من تعزيز نفوذها على الحدود.

وقال مسؤول إماراتي كبير إن تلك الخطوة كانت تطورا طبيعيا بسبب اتفاق السلام الذي أبرم برعاية الأمم المتحدة في مدينة الحديدة الساحلية الغربية.

غير أن بعض الدبلوماسيين يقولون إن الإمارات قبلت فكرة أنه لا يوجد حل عسكري للصراع، وإنها تشعر بالحساسية للانتقادات الموجهة للكارثة الإنسانية والضربات الجوية التي يشنها التحالف، وأسفرت عن مصرع عشرات المدنيين وعجل تزايد التوترات التي تتعلق بالتعاطي مع النفوذ الإيراني.

وقال دبلوماسي غربي "لم يُستقبل ذلك بطريقة إيجابية. فقد شعر السعوديون بأنهم جرى التخلي عنهم". بينما تقول أبو ظبي إن هذا التحرك تم بالتنسيق مع الرياض، وعكس حقائق واقعة على الأرض مع تحرك الأمم المتحدة لتمهيد السبيل أمام محادثات السلام.

وقال دبلوماسي آخر إن العلاقة بدأت تتصدع وإن "مصالحهما الإستراتيجية متشابهة لكنها ليست متطابقة تماما"، واستشهد بتهوين الإمارات من شأن الانقسامات في اليمن بعد أن سيطر انفصاليون تدعمهم على مدينة عدن، مقر حكومة هادي المؤقتة، لكنها لم تطلب منهم التخلي عما سيطروا عليه وانتقدت حكومة هادي ووصفتها بأنها ضعيفة وغير فعالة.

كيف ينظر البلدان لإيران؟

كما يبدو أن للبلدين العربيين، وهما من القوى الرئيسية في الشرق الأوسط ولها سطوة على العالم الإسلامي، آراء مختلفة في ما يتعلق بـ"الشأن الإيراني".

وسعى البلدان، بداية، لحمل الولايات المتحدة على أخذ موقف أقوى من أنشطة طهران في المنطقة وقدراتها الصاروخية، غير أن الإمارات تبنت نبرة أخف بعد التفجيرات التي وقعت في ناقلات في مياه الخليج وحملت واشنطن والرياض مسؤوليتها لإيران.

وتنفي إيران ضلوعها في التفجيرات غير أن البعض في منطقة الخليج يخشى وقوع مواجهة مباشرة ربما تعرض الإمارات واقتصادها للخطر؛ فالإمارات التي كونت لنفسها سمعة كمركز للأعمال أكثر عرضة للتأثر مقارنة بالسعودية أكبر دولة مصدرة للبترول في العالم وترى نفسها كعامل للاستقرار في المنطقة.

"شهر العسل انتهى"

وصرّح مصدر لـ"رويترز"، مشيرا إلى ما وصف بـ"انفتاح" أبو ظبي الأخير تجاه إيران، بما في ذلك المحادثات بين الطرفين حول الأمن البحري، والتي تجددت الشهر الماضي: "شهر العسل (مع السعودية) انتهى".

وقال مصدر آخر إن الإمارات تتحوط باعتبارها قوة صغيرة، فدبي المركز التجاري في الإمارات تربطها علاقات تجارية قوية بإيران، بالإضافة إلى أن شغل أبو ظبي الشاغل هو حماية ممر باب المندب الإستراتيجي وإبقاء الإسلاميين تحت السيطرة.

في المقابل، ادعى مصدر خليجي إن التحالف "على خير ما يرام" من حيث التصدي للتهديدات الإقليمية مثل إيران والإسلاميين، لكنه سَلّم بحدوث عملية إعادة موازنة مع تطور الأوضاع.

التعليقات