آلاف العراقيين يكسرون حظر التجول

في خضم الاحتجاجات، سقطت قذيفتا هاون، مساء الإثنين، على معسكر التاجي حيث يتمركز جنود أميركيون شمال بغداد، بحسب ما قال مصدر أمني، مشيرا إلى أن "قذيفة ثالثة سقطت في محيط المعسكر، دون أن تنفجر"

آلاف العراقيين يكسرون حظر التجول

(أ ب)

كسر آلاف العراقيين، منتصف ليل الإثنين الثلاثاء، حظر التجول الذي أعلنته السلطات في بغداد، وخرجوا سيرا وبمركباتهم، وهم يطلقون الأناشيد والأبواق، بينما لا يزال يحتشد متظاهرون في ساحة التحرير.

وكانت قد أعلنت قيادة عمليات بغداد، في وقت سابق، فرض حظر للتجول في بغداد، بدءا من منتصف ليل الاثنين (21:00 ت غ) وحتى الساعة السادسة صباحاً (03:00 ت غ) في العاصمة، ويشمل "الأشخاص وسير المركبات والدراجات النارية والهوائية والعربات بمختلف أنواعها"، مشيرة إلى أنه سيستمر "حتى إشعار آخر".

وتزامن إعلان الجيش مع توافد آلاف الطلاب، الإثنين، إلى شوارع مدن عدة في العراق من بغداد إلى البصرة في جنوبي البلاد، وهم يهتفون "لا مدارس، لا دوام، حتى يسقط النظام"، في إطار الاحتجاجات المتواصلة في البلاد من الخميس، غير آبهين بتحذيرات السلطات.

ويمثل إعلان الجيش إنذاراً للمتظاهرين بإخلاء ساحة التحرير الرمزية وسط بغداد، مركز الاحتجاجات اليومية، حيث قتل اليوم خمسة من المتظاهرين، حسب ما أفاد مصدر رسمي، لكن الحشود واصلت التوافد إلى الساحة ليلا.

ومنذ بداية الحراك الشعبي في الأول من تشرين الأول/أكتوبر في العراق احتجاجا على غياب الخدمات الأساسية وتفشي البطالة وعجز السلطات السياسية عن إيجاد حلول للأزمات المعيشية، قتل 239 شخصا وأصيب أكثر من ثمانية آلاف بجروح، عدد كبير منهم بالرصاص.

وجاء في بيان للجيش الذي هدد في وقت سابق بـ"فرض عقوبات قاسية" بحق الذين "يعرقلون" مواصلة العمل في المدارس والدوائر الحكومية: حظر تجوال يومي في بغداد يبدأ عند منتصف الليل وحتى السادسة صباحا، يستمر "حتى شعار آخر".

وشهدت الاحتجاجات الإثنين، مشاركة واسعة جدا من طلاب المدارس والجامعات الذين يمثلون فئة الشباب التي تشكل 60 بالمئة من سكان العراق، وتعاني البطالة في بلد مزقه الفساد.

وشهدت مدن كثيرة، من بغداد حتى البصرة جنوبا، تظاهرات مطلبية شارك فيها الآلاف بينها اعتصامات.

وأعلن المجلس المركزي لنقابة المعلمين العراقيين، الإثنين، الإضراب العام في عموم مدارس العراق لمدة أربعة أيام تضامنا مع المتظاهرين.

والتحقت نقابات مهن مختلفة بينها نقابة المحامين، التي أعلنت إضرابا لمدة أسبوع، ونقابة المهندسين بالاحتجاجات، رغم الإجراءات الأمنية التي تعرقل الوصول إلى أماكن الاعتصامات والتظاهرات.

وتوافدت منذ الأحد، حشود طلاب المدارس والجامعات للمشاركة في الاحتجاجات في بغداد ومدن أخرى، رغم دعوة وزير التعليم العالي، قصي السهيل، إلى "إبعاد الجامعات" عن الاحتجاجات.

وتزايدت أعداد المتظاهرين في ساحة التحرير التي يغطي جزءا كبيرا منها خيم وأكشاك لتقديم الطعام وتأمين حماية للمتظاهرين من القنابل المسيلة للدموع التي تطلقها قوات الأمن.

في غضون ذلك، انتشرت قوات مكافحة الشغب في محيط الجامعات، للحد من توسع رقعة التظاهرات.

وشهدت مدن مختلفة تظاهرات طلابية حاشدة، بينها الكوت والديوانية والناصرية والحلة والعمارة وميسان والبصرة، تمتد وسط وجنوبي البلاد.

ففي الديوانية الواقعة على بعد مئتي كيلومتر إلى جنوب بغداد، قرّر الأساتذة والطلاب في كل الجامعات الحكومية والخاصة "اعتصاما لمدة عشرة أيام حتى سقوط النظام"، بحسب "فرانس برس".

ومن الهتافات التي أطلقت أيضا الاثنين في بغداد "إيران برا برا.. بغداد تبقى حرة".

وخلال الاحتجاجات التي ارتدى بعضها طابعا عنيفا، هوجمت مقار أحزاب وفصائل مؤيدة لإيران، وأطلقت هتافات مناهضة لها.

وخرج آلاف الطلبة إلى الشارع في البصرة التي شهدت احتجاجات دامية مماثلة في صيف العام 2018، للمطالبة بتحسين أوضاع المحافظة التي تحمل الاسم نفسه.

وللمرة الأولى منذ انطلاق الحراك المطلبي مطلع تشرين الأول/ أكتوبر الحالي، انضم، الإثنين، طلاب من مدينة بعقوبة، كبرى مدن محافظة ديالى شمال شرق بغداد والمتاخمة لإيران، إلى الاحتجاجات التي تجمهرت عند مبنى مجلس المحافظة الذي استقال اثنان من أعضائه تضامنا مع المحتجين.

وتعتبر هذه الاحتجاجات غير مسبوقة في التاريخ العراقي الحديث، والتي بدأت عفوية بسبب الاستياء من الطبقة السياسية برمتها، وصولاً حتى إلى رجال الدين.

وشهدت التظاهرات المطلبية أيضاَ سابقة في العنف بالتعاطي معها، إذ سقط 157 قتيلاً في الموجة الأولى منها بين الأول والسادس من تشرين الأول/ أكتوبر، و82 قتيلا حتى الآن في الجولة الثانية التي بدأت مساء الخميس.

وصوت مجلس النواب (البرلمان) خلال جلسة عقدت الإثنين بالإجماع لتشكيل لجنة تعديل الدستور وإلغاء جميع امتيازات المسؤولين الكبار في محاولة لتهدئة الاحتجاجات الغاضبة ضد الطبقة الحاكمة في البلاد.

وتأتي هذه الجلسة غداة إعلان أربعة نواب عراقيين تقديم استقالاتهم من البرلمان، رفضا لأداء الطبقة السياسية التي يتهمونها بـ"الفشل" في الاستجابة لمطالب الحركة الاحتجاجية.

واستقال النائبان الشيوعيان الوحيدان اللذان حصلا على مقعديهما ضمن ائتلاف "سائرون"، الكتلة الأكبر في مجلس النواب العراقي، والتي يتزعمها مقتدى الصدر، وهما رائد فهمي وهيفاء الأمين، إضافة إلى طه الدفاعي ومزاحم التميمي من قائمة "النصر" التي يتزعمها رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي.

وكان نواب التيار الصدري قد بدأوا السبت اعتصاما مفتوحا داخل البرلمان "إلى حين إقرار جميع الإصلاحات التي يُطالب بها الشعب العراقي".

ووجه الصدر رسالة، الأحد، إلى قوات الحشد الشعبي، الفصائل المسلحة التي قاتلت تنظيم الدولة الإسلامية إلى جانب القوات الحكومية، ودعاها إلى عدم مواجهة الناس وألا "تناصر الفاسد"، وذلك بعيد إعلان أحد قادة الحشد أن فصائله "مستعدة للوقوف ضد الفتنة التي تبغي تدمير العراق ومنجزاته".

ومنذ الجمعة، أضرمت النيران بعشرات المقار الحزبية والفصائل المسلحة المنضوية تحت لواء الحشد الشعبي. وقُتل عدد من المتظاهرين برصاص الحراس الذين كانوا يحمون تلك المباني، أو اختناقا واحتراقا خلال محاولة إضرام النار فيها.

وفيما توعد قادة تلك الفصائل بـ"الثأر" بعد مقتل أحد عناصرها، اتهمت الأمم المتحدة "كيانات مسلحة" بالسعي إلى "عرقلة استقرار العراق ووحدته، والنيل من حق الناس في التجمع السلمي ومطالبهم المشروعة".

وفي خضم الاحتجاجات، سقطت قذيفتا هاون، مساء الإثنين، على معسكر التاجي حيث يتمركز جنود أميركيون شمال بغداد، بحسب ما قال مصدر أمني لوكالة "فرانس برس"، مشيرا إلى أن "قذيفة ثالثة سقطت في محيط المعسكر، دون أن تنفجر". ولم يبلغ على الفور عن وقوع ضحايا.

التعليقات