حركة النهضة.. من الملاحقة إلى السلطة

تستعد حركة "النّهضة" التونسيّة لتشكيل حكومة كُلِّفت بها بناءً على ما أتى عليه الدستور، على اثر فوزها بالانتخابات البرلمانيّة التي عُقدت قبل نحو شهر.

حركة النهضة.. من الملاحقة إلى السلطة

راشد الغنوشي (أرشيفية أب)

تستعد حركة "النّهضة" التونسيّة لتشكيل حكومة كُلِّفت بها بناءً على ما أتى عليه الدستور، على اثر فوزها بالانتخابات البرلمانيّة التي جرت قبل نحو شهر.

وتتصدّر حركة "النهضة" الإسلاميّة المشهد السياسيّ في تونس، متمثّلةً بـ52 نائبًا في البرلمان، لكنها تواجه صعوبات في تشكيل الحكومة. وكانت طبيعة العلاقة بين "النهضة" والسلطة، علاقة مواجهة انتقلت من العمل السريّ إلى العلنيّة منذ التأسيس حتّى الوصول إلى سدة الحُكم.

نهاية الستينيات... بداية "النهضة"

تُعرّف حركة "النّهضة" نفسها بأنها "حزب سياسي وطني ذو مرجعية إسلامية يعمل في إطار الدستور، ووفقًا لأحكام المرسوم عدد 87 لعام 2011، المتعلق بالأحزاب السياسية، وفي إطار النظام الجمهوري، على المساهمة في بناء تونس الحديثة، الديمقراطية المزدهرة والمتكافلة والمعتزة بدينها وهويتها".

وتقول الحركة في وثيقتها التأسيسية إنها "تسعى إلى ترسيخ قيم المواطنة والحرية والمسؤولية والعدالة الاجتماعية، والنضال من أجل تحقيق وحدة المغرب العربي، كخطوة باتجاه تحقيق الوحدة العربية والوحدة الإسلامية وتحرير فلسطين، والعمل على التعاون مع كل الشعوب في إطار الاحترام المتبادل".

وتتعهد الحركة، بأن "يعتمد الحزب التداول على المسؤولية والديمقراطية، في اتخاذ القرارات والتكليف بالمسؤوليات ووضع الرؤى والبرامج".

1969-1981 من النموّ إلى الولادة

بدأ تشكل "النهضة" في عام 1969، كحركة دعويّة من أفراد قلائل وهم، راشد الغنوشي، أستاذ الفلسفة العائد من سورية وفرنسا؛ وعبد الفتاح مورو، طالب الحقوق حينها؛ وأحميدة النيفر، أستاذ في الفكر الإسلامي.

وفي عام 1972، تم تأسيس "الجماعة الإسلامية" في لقاء جمع 40 قياديّا بضاحية مرناق في العاصمة تونس، وبدأت الحركة في الانتشار خاصة في صفوف طلاب المعاهد الثانوية والجامعات، حتى تأسيس حركة "الاتجاه الإسلامي" كجناح طلابي لـ"الجماعة الإسلامية".

وفي حزيران/ يونيو 1981، أعلنت الجماعة الإسلامية وجودها العلني في مؤتمر صحافيّ في مكتب مورو. ووفق بيانها التأسيسي، تعمل الحركة على "بعث الشخصية الإسلامية لتونس.." و"تجديد الفكر الإسلامي"، و"إعادة بناء الحياة السياسية على أسس إنسانية وتوزيع الثروة توزيعًا عادلًا".

محطات المواجهة بين "النهضة" والأنظمة

منذ إعلان حركة الاتجاه الإسلامي (النهضة لاحقًا) تأسيسها بعد أكثر من 12 عامًا من العمل السري، بدأت السلطات التونسية تلاحقها.

ففي صيف 1981، أي في عهد الرئيس الأسبق، الحبيب بورقيبة (حكم من 1957 إلى 1987)، تم اعتقال العشرات من قيادييها ومنتسبيها، وحُكم بالسجن 11 عامًا بحق رئيسها الغنوشي والقيادي صالح كركر، و10 سنوات سجنًا بحق مورو، وأحكام مختلفة بحق بقية الأعضاء.

وإثر أحداث ثورة الخبز في كانون الثاني/ يناير 1984، تم الإفراج عن منتسبي حركة الاتجاه الإسلامي في آب/ أغسطس من العام نفسه.

وتصاعد نشاط الحركة وأصبحت أهم فصيل سياسي في الجامعة التّونسية المعارضة للنظام، حتى أنّهم ساهموا بفاعلية مع بعض المستقلين واليساريين، في تأسيس منظمة طلابية جديدة بالجامعة في نيسان/ أبريل عام 1985، باسم الاتحاد العام التونسي للطلبة.

وفي 1987، شهدت تونس ثاني أهم مواجهة بين نظام بورقيبة وحركة الاتجاه الإسلامي بلغت ذروتها صيف العام نفسه، واعتقل آلاف المنتسبين، وصدرت أحكام بالإعدام بحق قياديين لم يُقبض عليهم الأمن مثل حمادي الجبالي وعلي العريض وصالح كركر.

فيما نُفِّذ الإعدام بحق اثنين من أعضاء الحركة اتُّهما بارتكابِ أعمال تفجير وعنف، وصدر حكم بالسجن المؤبد بحق الغنوشي.

وفي 7 تشرين ثان/ نوفمبر 1987، نفذ الوزير الأول آنذاك، زين العابدين بن علي، "انقلابًا أبيض" وأزاح بورقيبة من الحكم. ووفق روايات عديدة، فإن بن علي استبق بذلك حركة عصيان كان سينفذها الإسلاميون باليوم التالي، لوقف نوايا الرئيس بورقيبة بإعدام المزيد من قياداتهم.

وفي وقتٍ لاحق من العام نفسه، أعلن نظام بن علي اكتشاف "مجموعة أمنية وعسكرية" تعمل لفائدة حركة الاتجاه الإسلامي، كانت تنوي إزاحة بورقيبة بالقوة، وهو ما تنفيه الحركة.

الربيع الذي لم يزهر بعد

بعد نحو 3 سنوات من الهدوء والانفراج النسبي للأوضاع السياسية، ستعود المواجهة من جديد بين النظام وحركة "النهضة" التي برزت بقوة خلال الانتخابات التشريعية في تونس في 2 نيسان/ أبريل 1989، وشاركت فيه "النهضة" (الاسم الجديد لحركة الاتجاه الإسلامي شباط/ فبراير 1989) تحت غطاء قوائم انتخابية مستقلة في جميع الدوائر.

وفي أيار/ مايو 1991، أعلن وزير الداخلية آنذاك عبد الله القلال، عن إجهاض محاولة انقلابية للنهضة على نظام بن علي، لتواصل وزارة الداخلية حملة اعتقالات واسعة وملاحقات أمنية لقياديي "النهضة" ومنتسبيها.

وشملت الاعتقالات التي فتحت عهدًا من الاستبداد سيستمرّ حتى 2011، أكثر من 30 ألفًا من القياديين والمنتسبين والمتعاطفين، وفق أرقام الحركة، وأدت إلى فرار آلاف المنتسبين الآخرين إلى حوالي 50 بلدًا في العالم، فيما قضى تحت التعذيب والإهمال الصحي في السجون عشرات المنتسبين الآخرين.

 10 مؤتمرات و13 رئيسًا والغنوشي أكثرهم بقاءً

حتى اليوم، عقدت "النهضة" 10 مؤتمرات:

المؤتمر الأول:  آب/ أغسطس 1979 بمدينة منوبة غرب العاصمة
المؤتمر الثاني: نيسان/ أبريل 1981 بمدينة سوسة/ شرق
المؤتمر الثالث: آب / أغسطس 1984 بمدينة سليمان (محافظة نابل/ شمال شرق)
المؤتمر الرابع: كانون الأول/ ديسمبر 1986 في المنزه بتونس العاصمة
المؤتمر الخامس: آذار/ مارس 1988 مدينة صفاقس (جنوبي)
المؤتمر السادس: كانون الأول/ ديسمبر 1995 بسويسرا (منذ 1991 أصبحت قيادة الحركة مقيمة بالخارج بعد تعذر النشاط في تونس)
المؤتمر السابع: نيسان/ أبريل 2001 في هولندا
المؤتمر الثامن: أيار/ مايو 2007 لندن
المؤتمر التاسع: تموز/ يوليو 2012 ضاحية الكرم بتونس العاصمة (أول مؤتمر علني يعقد في تاريخ الحركة)
المؤتمر العاشر: أيار /مايو 2016 الحمامات (شرقي تونس)

ووفق القيادي في حركة "النهضة" محمد القلوي، تداول على رئاسة الحركة نحو 13 قياديًا وكان الأطول مدة هو الغنوشي، الذي ترأسها من 1972 إلى كانون الأول/ ديسمبر 1980، ثم فترة قصيرة من نيسان/ أبريل 1981 إلى تموز/ يوليو 1981، ومن كانون الأول/ ديسمبر 1984 إلى آذار/ مارس 1987، ومن تشرين الثاني/ نوفمبر 1991 إلى اليوم.

الثورة... العودة والحكم
عقب ثورة يناير 2011، عادت "النهضة" للعمل العلني في تونس، وشاركت الحركة بانتخابات المجلس الوطني التأسيسي (برلمان مؤقت) في 23 تشرين الأول/ أكتوبر من العام نفسه، حيث فازت بـ89 نائبًا، وشكّلت حكومة بالتحالف مع حزبين علمانيين، وهما "المؤتمر من أجل الجمهورية بقيادة المنصف المرزوقي، و"التّكتل من أجل العمل والحريات" بقيادة مصطفى بن جعفر.

إلا أن الحركة أُجبرت على التنحي بعد توتر الأوضاع واغتيال القياديين اليساريين شكري بلعيد (اغتيل في 6 تشرين ثان/ فبراير 2013) ومحمد البراهمي ( اغتيل في 25 تموز/ يوليو 2013)، وسلّمت الحكم لحكومة تكنوقراط، في كانون الثاني/ يناير 2014 بقيادة المهدي جمعة.

وفي الانتخابات التشريعية في 2014، حلت "النهضة" ثانية بـ69 نائبًا بعد حركة "نداء تونس"، بقيادة الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي الذي حصل على 86 نائبًا.

وشاركت النهضة في إطار سياسة التوافق بين الغنوشي والسبسي في كل الحكومات التي تشكلت منذ كانون الثاني/ يناير 2015 إلى اليوم.

وفازت "النهضة" بانتخابات البلدية المقامة في أيار/ مايو 2018، حيث تصدرت السباق بالحصول على 29.68 في المئة من الأصوات، أيّ ما يعادل 2135 مقعدًا بلديًا، فيما جاء نداء تونس ثانيا بـ22.17 في المئة من الأصوات، بما يعادل 1559 مقعدًا.

مورو

إلّا أنّ مرشح "النهضة" للانتخابات الرئاسية، مورو، فشل في الوصول إلى الدور الثاني من انتخابات الرئاسة، واكتفى بالمرتبة الثالثة في الدور الأول للاقتراع.

ورغم فوز "النهضة" بالانتخابات التشريعيّة الأخيرة، بحصولها على 52 نائبًا في البرلمان الجديد، إلا أنّها تواجه مصاعب في تشكيل الحكومة القادمة، بإعلان أبرز حزبين فائزين في الانتخابات التيار الديمقراطي (اجتماعي ديمقراطي/ 22 نائبًا) وحركة الشّعب (قوميّة ناصريّة/ 16 مقعدًا) رفض التحالف معها.

 

التعليقات