الحراك اللبناني يواجه عجز القيادات السياسية.. وتحذيرات من "الفتنة"

ارتفعت وتيرة المواجهات الليلية بين المحتجين وقوى الأمن اللبنانية، ما يزيد من تعقيدات الأزمة السياسية والاقتصادية التي تعصف بلبنان، في وقت حذر فيه ناشطون ومتظاهرون من الانجرار إلى دوامة من العنف لن تخدم سوى الطبقة السياسية الحاكمة

الحراك اللبناني يواجه عجز القيادات السياسية.. وتحذيرات من

(أ ب)

ارتفعت وتيرة المواجهات الليلية بين المحتجين وقوى الأمن اللبنانية، ما يزيد من تعقيدات الأزمة السياسية والاقتصادية التي تعصف بلبنان، في وقت حذر فيه ناشطون ومتظاهرون من الانجرار إلى دوامة من العنف لن تخدم سوى الطبقة السياسية الحاكمة، التي تواجه منذ 17 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، حراكًا شعبيًا عابرًا للطوائف وغير مسبوق، يطالب برحيلها كاملة.

وشدد رئيس حكومة تصريف الأعمال، سعد الحريري، ورئيس مجلس النواب، نبيه بري، الذي يتزعم حركة "أمل"، إثر لقاء جمع بينهما اليوم، الثلاثاء، على "وجوب تحلّي اللبنانيين في هذه المرحلة بالوعي واليقظة وعدم الانجرار نحو الفتنة"، وفق ما نقلت وسائل إعلام محلية. في المقابل، حذر ناشطون ومتظاهرون على مواقع التواصل الاجتماعي من أن الانجرار إلى "الفتنة" يخدم الطبقة السياسية فقط.

ودعا كل من الحريري، وبري، إلى الإسراع بتشكيل الحكومة، وحذرا من الفتنة والتشنج السياسي، وذلك في بيان صدر عنهما، بعد أن قام الحريري بزيارة بري، في مقرّه بمنطقة "عين التينة" غرب العاصمة بيروت، ضمن مشاورات للبحث عن مخرج من أزمة تشكيل حكومة جديدة.

وتحت وطأة الاحتجاجات المستمرة، أُجبر الحريري، في 29 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، على تقديم استقالة حكومته، ومن بين القوى المشاركة فيها حركة "أمل"، بزعامة بري، وحليفها "حزب الله".

وقال الحريري وبري، في البيان، إن "الحاجة الوطنية باتت أكثر من ملحة للإسراع في تشكيل الحكومة، وضرورة مقاربة هذا الاستحقاق بأجواء هادئة، بعيدًا عن التشنج السياسي، تتقدّم فيها المصلحة الوطنية على ما عداها من مصالح شخصية".

وحذر الحريري وبري مما وصفوه بـ"الفتنة، التي يعمل البعض جاهدًا نحو جرّ البلاد للوقوع في أتونها"، وأضافا أن "الفتنة لا يمكن أن تواجه إلا بالحفاظ على السلم الأهلي والوحدة الوطنية ونبذ التحريض وإفساح المجال أمام القوى الأمنية والجيش للقيام بأدوارهم في حفظ الأمن والمحافظة على أمن الناس وحماية الممتلكات العامة والخاصة"، بحسب البيان.

وتستمل أزمة تشكيل الحكومة في لبنان، فيما يشهد البلد مواجهات ليلية عنيفة، كانت آخرها الليلة الماضية، حيث اشتبك مناصرون لـ"حزب الله" وحركة "أمل" مع المتظاهرين والقوى الأمنية في وسط بيروت، على خلفية شريط فيديو اعتبر مثيرًا للنعرات الطائفية.

النظام دخل أزمة مفتوحة.. ولا مخارج مؤاتية

وفي هذا السياق، اعتبر أستاذ العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية الأميركية، عماد سلامة أن "إثارة النعرات الطائفية هي أحد الأساليب التي غالبًا ما تلجأ إليها السلطة بهدف تقسيم اللبنانيين وإضعاف الحراك في الشارع"، لكنه رجح أنهم أخطأوا هذه المرة كون "اللعبة قديمة واللبنانيون باتوا يعرفونها جيدًا، وبالتالي لن تنجح هذه المرة".

وأضاف سلامة أن "الأزمة الاقتصادية اليوم تعبر عن أزمة نظام كامل لا يمكن حلها ولا مواجهتها بالتحركات الطائفية"، مضيفًا أن "الأزمة الاقتصادية كسرت حاجز الخوف لدى الناس وكسرت الحواجز بين الطوائف على الأقل بالشكل العام (...) بعدما بات الناس يفقدون أشغالهم وشركاتهم وغير قادرين على سحب أموالهم من المصارف".

واعتبر سلامة أن "القلة الحاكمة في لبنان مقسمة بشكل عميق وجذري، ولا تعنيها مصالح البلد بقدر المصالح الشخصية، ولا هي قادرة على تسمية رئيس حكومة أو التوافق على طبيعتها وصيغتها، ولا هي قادرة على التعامل مع الأزمة الاقتصادية أو الشارع"، وأضاف "النظام دخل أزمة مفتوحة، لا مخارج مؤاتية له".

وللمرة الثانية، أجلت الرئاسة اللبنانية استشارات نيابية ملزمة لتسمية رئيس وزراء جديد، إلى الخميس المقبل، بعد أن كانت مقررة أمس الإثنين؛ لمنح الوقت لمزيد من الاستشارات، في ظل خلافات بين القوى السياسية.

وعاد اسم الحريري إلى واجهة الاستشارات، بعد أن اعتذر في وقت سابق عن عدم الترشح لتشكيل الحكومة، في ظل إصراره على تأليف حكومة تكنوقراط (خبراء مستقلين)، تلبية لمطلب المحتجين؛ فيما يأخذ المتظاهرون على السلطة مماطلتها في طرح الحلول وإعادة تسويقها للأسماء ذاتها التي يتظاهرون ضدها.

ولا يعني توافق القوى السياسية على تسمية رئيس جديد للحكومة أن ولادتها ستكون سهلة، إذ غالبًا ما تستغرق العملية أشهراً عدة جراء الخلاف على تقاسم الحصص، خصوصاً مع عدم توافق القوى السياسية أساساً على شكل الحكومة المقبلة التي يريدها المتظاهرون من اختصاصيين مستقلين عن الأحزاب السياسية والسلطة الحالية.

إصابة 25 أمنيا وتوقيف 3 أشخاص بمواجهات الإثنين ببيروت

إلى ذلك، أعلنت قوى الأمن الداخلي في لبنان، إصابة 25 من عناصر مكافحة الشغب، وتوقيف 3 أشخاص، في حصيلة مواجهات الليلة الماضية، بين الأمن ومحتجين وسط العاصمة بيروت، وذكرت قوى الأمن في بيان أنه  "أدت المواجهات خلال تنفيذ عمليات حفظ الأمن والنظام، إلى وقوع 25 إصابة في صفوف عناصر مكافحة الشغب، وتوقيف 3 أشخاص".

وأكّدت القوى الأمنية في بيانها، أنّ عناصرها "تدخلت للتصدي لأعمال الشغب، ومنع وصول المحتجين إلى ساحتي الشهداء ورياض الصلح (وسط بيروت)". وشدّد البيان على أنّ الاعتداءات التي حصلت طالت الأملاك العامة والخاصة، لافتة إلى أنّها باشرت بالتحقيقات القضائية بإشراف القضاء المختص.

وشهدت مدن لبنانية، بينها بيروت وصيدا، مساء الإثنين، اشتباكات بين قوات الأمن وأنصار لجماعة "حزب الله" وحركة "أمل"، بعد انتشار فيديو لمحامٍ لبناني، مقيم باليونان، يسيء لقيادات سياسية ومقامات دينية شيعية.

وعاد الهدوء، صباح الثلاثاء، إلى وسط العاصمة، بعد ليلة أصيب فيها 66 شخصًا؛ جراء الاشتباكات، وفق جهاز الدفاع المدني، علما بأن "حزب الله" وحركة "أمل"، نفتا أكثر من مرة، أية صلة لهما بشبان اعتدوا مرارًا على محتجين في بيروت ومدن أخرى.

ويطالب المحتجون بحكومة تكنوقراط قادرة على معالجة الوضعين السياسي والاقتصادي، في بلد يعاني أسوأ أزمة اقتصادية منذ الحرب الأهلية بين 1975 و1990.

بينما ترغب أطراف لبنانية، بينها رئيس الجمهورية ميشال عون والتيار الوطني الحر "وحزب الله" وحركة "أمل"، بتشكيل حكومة "تكنو سياسية" من اختصاصيين وسياسيين.

كما يطالب المحتجون بانتخابات نيابية مبكرة، واستعادة الأموال المنهوبة، ورحيل ومحاسبة بقية مكونات الطبقة الحاكمة، التي يتهمونها بفساد مالي سياسي والافتقار للكفاءة.

التعليقات