أزمة تشكيل الحكومة اللبنانية تراوح مكانها: الحريري يسحب ترشيحه

أعلن رئيس الحكومة اللبنانية المستقيل، سعد الحريري، اليوم، الأربعاء، أنه لن يكون مرشحا لتشكيل الحكومة اللبنانية المقبلة، مدعيًا أنه يصر على حكومة اختصاصيين فيما يلقى معارضة من الفرقاء السياسيين، وذلك على وقع حركة الاحتجاجات المستمرة في البلاد منذ شهرين

أزمة تشكيل الحكومة اللبنانية تراوح مكانها: الحريري يسحب ترشيحه

(أ ب)

أعلن رئيس الحكومة اللبنانية المستقيل، سعد الحريري، اليوم، الأربعاء، أنه لن يكون مرشحا لتشكيل الحكومة اللبنانية المقبلة، مدعيًا أنه يصر على حكومة اختصاصيين فيما يلقى معارضة من الفرقاء السياسيين، وذلك على وقع حركة الاحتجاجات المستمرة في البلاد منذ شهرين، فيما يبدو المشهد السياسي عقيما لم يتمخض حتى هذه اللحظة عن أي اختراق قد يتناغم مع نبض الشارع.

وفي هذه الأثناء، أغلقت قوى الأمن بالعوائق الإسمنتية طرقًا فرعية مؤدية إلى ساحات التظاهر الرئيسية في وسط بيروت، بعد تكرار أعمال شغب وصدامات مع القوى الأمنية.

تأتي هذه الإجراءات في ظل انقسام سياسي حاد، وعشية موعد استشارات ملزمة يجريها رئيس الجمهورية ميشال عون، مع الكتل النيابية، لتسمية رئيس جديد للحكومة، ومن المقرر أن تعقد أولى الجلسات في هذا الإطار يوم غد، الخميس، بعد تأجيل الموعد لمرتين جراء تعثّر التوافق على مرشح.

الحريري والخطيب (أ ب)

وتزيد المواجهات الأخيرة التي اتسمت بالعنف، من تعقيدات الأزمة السياسية والاقتصادية التي تعصف بلبنان، بينما تواجه القوى السياسية الخميس امتحان تسمية رئيس جديد للحكومة.

وفي الدقائق الأخيرة، أعلنت الرئاسة اللبنانية تأجيل الاستشارات النيابية التي كانت مقررة الإثنين الماضي، لتسمية رئيس للوزراء، إلى الخميس، بناء على طلب من الحريري. تأجيل يعمّق أزمة تشكيل الحكومة المقبلة، ويفاقم من غضب الشارع، وسط تقاذف للمسؤولية.

وأجبرت احتجاجات شعبية متواصلة الحريري على تقديم استقالة حكومته، في 29 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، فيما يطالب المحتجون بحكومة تكنوقراط بعيدًا عن القوى السياسية.

الحريري يرفض تشكيل الحكومة

وقال الحريري في تغريدة على "تويتر" أنه: "منذ أن تقدمت باستقالتي قبل خمسين يوما تلبية لصرخة اللبنانيين واللبنانيات، سعيت جاهدا للوصول إلى تلبية مطلبهم بحكومة اختصاصيين رأيت أنها الوحيدة القادرة على معالجة الأزمة الاجتماعية والاقتصادية الخطيرة التي يواجهها بلدنا".

وأعلن أنه "لن أكون مرشحا لتشكيل الحكومة المقبلة"، متذرعا بأن "المواقف التي ظهرت في الأيام القليلة الماضية من مسألة تسميتي هي مواقف غير قابلة للتبديل".

فيما لفت إلى أنه "متوجه غدا للمشاركة في الاستشارات النيابية على هذا الأساس، مع إصراري على عدم تأجيلها بأي ذريعة كانت. وقد دعوت كتلة المستقبل النيابية للاجتماع صباح الغد لتحديد موقفها من مسألة التسمية".

المشكلة عند الحريري

مستشار رئيس الجمهورية للشؤون السياسية، بيار رفول، حمّل أسباب تأجيل الاستشارات النيابية للحريري.

وقال رفول في حديث مع وكالة "الأناضول"، إن "الإشكال لا يكمن لدى رئيس الجمهورية وإنما عند الحريري، فهو من يُطالب بالتأجيل"، وأضاف أن "الحريري وضع العديد من الشروط ولا أحد يرضى بها خصوصًا وأنّ لبنان بلد ديمقراطي".

وتابع "الحريري يودّ تأليف الحكومة، واختيار وزرائها والحصول على جميع الصلاحيات، متناسيا أنّ لبنان ليس بلدا ديكتاتوريا"، كما أعرب رفول عن استغرابه من خطوة الحريري، قائلًا: "نحن لا نعرف لماذا تصرف على هذا النحو، بالرغم من أنّنا في الأساس دعمنا بقاءه في سدّة الرئاسة، خصوصا وأنّ لبنان أمام مرحلة مصيريّة".

وتطرق رفول أيضا إلى نقطة خلافيّة أخرى مع الحريري، وهي تمسّك الأخير وإصراره على تشكيل حكومة تكنوقراط (اختصاصيين)، مشدّدًا على أنّ لبنان وفي المرحلة الدقيقة التي يمرّ بها، فإنه "من الأفضل أن يُشكل حكومة تكنو- سياسية (من سياسيين واختصاصيين)".

ولم يُبّرر رفول للحريري عدم دعوته حتى اليوم لانعقاد أي جلسة حكومية منذ استقالته لتصريف الأعمال، في وقت قال فيه إن الوضع الاقتصادي للبلاد "دقيق جدا"، على حد وصفه.

وشدد رفول، في ختام حديثه، على أن الاستشارات ستكون في موعدها (الخميس) إلا إذا قرر النواب عدم المجيء إلى الموعد المحدد من جانب الرئاسة اللبنانيّة.

التأجيل محاولة من السلطة للتجديد

في وقت يطالب فيه المحتجون بحكومة تكنوقراط، ترغب أطراف سياسية أخرى، بينها الرئيس ميشال عون، والتيار الوطني الحر، و"حزب الله" وحركة "أمل"، بتشكيل حكومة هجين من سياسيين واختصاصيين.

وفي هذا السياق، رأى الكاتب والمحلل السياسي اللبناني أسعد بشارة، أنّ تأجيل الاستشارات النيابية في لبنان لمرتين "لا يعكس إلّا محاولة السلطة للتجديد للحكومة السابقة بمساحيق تجميلية، بهدف التجديد لنفسها (أي للسلطة) والتجديد لنهجها"، واصفًا الأمر بـ"الكارثي".

ويعتقد بشارة، أنّ "حزب الله وراء التأجيل لأنّه لن يرضى بتشكيل حكومة تكنوقراط مستقلّة"، وقال إن "حزب الله يريد ورقة الحكومة اللبنانيّة بيده بعدما اعتبر أنّ استقالة هذه الحكومة هو سقوط إحدى الأوراق منه، ولذلك يؤكد الأمين العام لحزب الله (حسن نصر الله) في خطاباته على تمسّكه بالحكومة الحالية، منذرًا بالفراغ في حال سقوطها".

وتابع "هناك محاولات حثيثة من جانب السلطة للتجديد للحكومة الحالية، وأي صيغة مستنسخة عن الحكومة الماضية ستولد ميتة على الرغم من المساحيق التجميلية التي من الممكن أن يتم وضعها لها"، واعتبر بشارة أن لبنان يقع في مشكلتين اليوم، الأولى اقتصادية والثانية سياسيّة.

وأوضح أن "اليوم المشكلة في لبنان ذات بعدين الأوّل وهو الأخطر وهو الوضع الاقتصادي - المالي ودخلت هذه الأزمة إلى البيوت والعائلات اللبنانية دون استثناء، حتى أصبح الأمن الاجتماعي مهددّا، أمّا الأمر الثاني فهو سياسي خصوصًا وأنّه ساهم في وصول الكارثة الاقتصادية".

واعتبر أن "هناك قوة مهيمنة تحمي هذه المنظومة السياسية وتحمي فسادها وتريد التجديد لهذا الفساد بالتالي، لن تُحلّ الأزمة اللبنانيّة إلا بحكومة نظيفة ومستقلّة سوى ذلك الانتفاضة باقية في الشارع".

"الحكومة الحيادية وحدها من ينقذ البلاد"

من جهته، لفت أمين سرّ تكتل "الجمهورية القوية"، فادي كرم، إلى أنّ الأسباب التي دفعت القوات اللبنانيّة إلى عدم تسمية الحريري هو اعتبارها أن الأخير لن يذهب إلى الهدف الرئيسي وهو تشكيل حكومة "حيادية" من اختصاصيين بعيدة كلّ البعد عن القرارات الحزبية.

وشدد كرم على وقوف القوات اللبنانيّة بصف الحراك الشعبي، معتبرا أنّ الحكومة الحيادية هي فقط وحدها قادرة على إنقاذ البلاد. ورأى أنّ "سبل نجاح الحريري في تشكيل حكومة حتى الساعة غير مؤمنة، والدليل على ذلك أن القوات متجانسة مع نفسها ومع القاعدة الشعبية منذ السنوات الفائتة".

وبعد أن كان رجل الأعمال سمير الخطيب، الأكثر حظًا لتشكيل الحكومة المقبلة، أعلن الأحد، اعتذاره، وقال إن مشاورات داخل الطائفة السُنية توافقت على تسمية الحريري لتشكيل الحكومة. وأعاد التوافق على الحريري داخل الطائفة السُنية عملية تشكيل الحكومة إلى المربع الأول، إذ اعتذر الحريري، في السابق، عن عدم ترشحه لتشكيلها، لإصراره على تأليف حكومة تكنوقراط.

وطلب الحريري، الإثنين، تأجيل موعد الاستشارات كونها ستؤدي إلى "تسمية من دون مشاركة أي كتلة مسيحية وازنة فيها" بعد توجه الكتلتين المسيحيتين الأبرز لعدم تسمية الحريري في بلد يقوم نظامه السياسي على المحاصصة الطائفية.

قوى الأمن تغلق طرقًا فرعية تؤدي إلى ساحات التظاهر

وثبتت قوات الأمن عوائق إسمنتية مستطيلة الشكل منذ ساعات الصباح الأولى على مداخل عدد من الطرق الفرعية التي تؤدي إلى ساحة رياض الصلح ومحيطها، وهي الطرق التي عادة ما يسلكها مناصرو "حزب الله" وحركة "أمل" للوصول إلى ساحات التظاهر والتصادم مع المتظاهرين أو مع القوى الأمنية، على غرار ما جرى ليلتي السبت والإثنين.

وقال ضابط في وسط بيروت، لم يكشف عن اسمه كونه غير مخول بالتصريح، إن الهدف من هذه الإجراءات حماية ساحات التظاهر وضمان عدم تشتّت قوات الأمن إلى مجموعات في حال تجدد الصدامات، ما يخوّلها السيطرة أكثر على الوضع الأمني.

وحاول عشرات الشبان الذين قدموا سيرًا على الأقدام من منطقة الخندق الغميق، السبت، دخول ساحة التظاهر، مرددين هتافات "شيعة شيعة" قبل أن تتصدى لهم قوات الأمن التي رشقوها بالحجارة والمفرقعات النارية.

وأعادوا الكرّة ليل الإثنين، وتصادموا مع قوات الأمن والجيش على مدى ساعات، كما أحرقوا خيم المعتصمين وثلاث سيارات على الأقل كانت مركونة في وسط بيروت، احتجاجًا على تداول شريط فيديو لشاب متحدر من مدينة طرابلس شمالًا، يقيم خارج البلاد، تضمن إساءات تثير النعرات الطائفية. وأطلقت قوات الأمن الغاز المسيّل للدموع لتفريقهم.

كما شهد وسط بيروت في عطلة نهاية الأسبوع مواجهات تعدّ الأعنف بين قوات الأمن والمتظاهرين ضد السلطة السياسية، الذين حاولوا دخول طريق يؤدي إلى ساحة النجمة حيث مقر البرلمان. وأوقعت هذه الصدامات عشرات الإصابات في صفوف المدنيين والعسكريين، غالبيتها حالات اختناق جراء الغاز المسيل للدموع وجروح نتيجة الرشق بالحجارة.

وتفاديًا لمحاولات اقتحام جديدة، وضعت القوات الأمنية الثلاثاء حاجزًا حديدًا ثابتًا في الشارع.

وبينما شهد وسط بيروت هدوءًا نسبيًا ليل الثلاثاء، هاجم عشرات الشبان من مناصري حركة "أمل" خيمًا للمعتصمين في قرية كفرمان المحاذية لمدينة النبطية جنوبًا، وفق ما قال شاهد عيان. كما أحرق مجهولون ليلًا شجرة ميلاد وضعها المتظاهرون في مدينة طرابلس شمالًا.

ويشهد لبنان منذ 17 تشرين الأول/أكتوبر تظاهرات شعبية غير مسبوقة بدأت على خلفية مطالب معيشية. وبدا الحراك عابرًا للطوائف والمناطق ولم يستثن حاكمًا أو زعيمًا بل يصر المتظاهرون على رحيل الطبقة السياسية كاملة، متهمين إياها بالفساد مع تحميلها مسؤولية تدهور الوضع الاقتصادي.

التعليقات