العراق: مظاهرة ضد الوجود الأميركي وقتيلان باحتجاجات الحراك

شارك الآلاف من العراقيين، اليوم الجمعة، في تظاهرة حاشدة للمطالبة بطرد القوات الأميركية من العراق، تلبية للدعوات التي أطلقها مؤيدي الزعيم العراقي مقتدى الصدر، فيما وقف ناشطو الحراك الشعبي على شارع مقابل في الجهة الأخرى، على أهبة الاستعداد.

العراق: مظاهرة ضد الوجود الأميركي وقتيلان باحتجاجات الحراك

(أ ب)

قُتل متظاهران وأصيب العشرات، في مواجهات مع قوات الأمن وسط العاصمة بغداد، مساء اليوم، الجمعة؛ من جراء تلقيهما إصابتين بالرصاص الحي في منطقة الرأس، وذلك بعد ساعات على انتهاء مظاهرة حاشدة للتيار الصدري ضد التواجد الأميركي في العراق.

وأفاد شهود عيان بأن القتلى والجرحى سقطوا برصاص قوات الأمن في ساحة الكيلاني القريبة من شارع محمد القاسم السريع وسط بغداد، وأضاف الشهود أن عمليات كر وفر وقعت بين المتظاهرين وأفراد الأمن على طريق محمد القاسم وامتدت إلى ساحة الكيلاني، وهناك بدأت قوات الأمن بإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين.

وشهدت العاصمة العراقية في وقت سابق اليوم، مشاركة الآلاف، في مظاهرة حاشدة للمطالبة بطرد القوات الأميركية من العراق، تلبية للدعوات التي أطلقها الزعيم العراقي مقتدى الصدر، فيما وقف ناشطو الحراك الشعبي على شارع مقابل، على أهبة الاستعداد.

ويشهد العراق منذ الأول من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، حركة احتجاجات مطلبية، تصاعدت منذ الإثنين الماضي، عبر إغلاق العديد من الجامعات والمدارس والمؤسسات الحكومية والطرق الرئيسية في العاصمة بغداد ومدن وبلدات وسط وجنوبي البلاد.

واتجه المتظاهرون نحو التصعيد مع انتهاء مهلة ممنوحة للسلطات للاستجابة لمطالبهم وعلى رأسها تكليف شخص مستقل نزيه لتشكيل الحكومة المقبلة، فضلا عن محاسبة قتلة المتظاهرين والناشطين في الاحتجاجات.

وتأتي المظاهرة الحاشدة التي شهدتها العاصمة العراقية اليوم، تلبية للدعوة التي أطلقها الصدر قبل عشرة أيام، في تغريدة عبر حسابه على موقع "تويتر"، قال فيها إن "سماء العراق وأرضه وسيادته تنتهك من قبل القوات الغازية".

ودعا في تغريدته "إلى ثورة عراقية لا شرقية ولا غربية (...) إلى مظاهرة مليونية سلمية موحدة تندد بالوجود الأميركي وبانتهاكاته"؛ وذلك في أعقاب بعدما اغتالت الولايات المتحدة بطائرة مسيّرة مطلع كانون الثاني/ يناير الجاري، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، الجنرال قاسم سليماني، ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي، أبو مهدي المهندس، قرب بغداد، ما أثار موجة غضب لدى فئات واسعة من العراقيين.

الاحتشاد بدأ باكرًا

وفي ساعات الصباح الأولى، اليوم، تجمع الآلاف من الرجال والنساء والأطفال من كل الأعمار في حي الجادرية بشرق بغداد، رغم الطقس البارد، وأطلق بعضهم هتافات "أخرج أخرج يا محتل" و"نعم نعم للسيادة".

وحوالي الساعة العاشرة، تلا ممثل عن الصدر على منبر نصب في موقع التظاهرة، بيانًا صدر عن المرجع الديني البارز، دعا فيه جميع القوات الأجنبية إلى مغادرة العراق وإلغاء الاتفاقيات الأمنية العراقية مع الولايات المتحدة.

كما طالب الصدر في بيانه، بإغلاق المجال الجوي العراقي أمام الطائرات العسكرية والمسيّرة الأميركية، وألا يتعامل الرئيس الأميركي دونالد ترامب بـ"فوقية واستعلاء وعنجهية" عند مخاطبته المسؤولين العراقيين. وأضاف البيان "إذا تم تنفيذ ما ورد أعلاه، فسيكون تعاملنا على أساس أنها دولة غير محتلة، وإلا فهي دولة معادية للعراق".

وبعيد ذلك، بدأ المتظاهرون بمغادرة الساحة، ورمي اللافتات في الحاويات على طول الطريق، فيما بقي بعضهم في مكانه، وارتدى بعض المشاركين في المسيرة أثوابا بيضاء في إشارة إلى رغبتهم في الاستشهاد دفاعا عن بلدهم وحمل آخرون لافتات كُتب عليها "كلا كلا أميركا، كلا كلا إسرائيل".

وحظيت دعوة الصدر، التي جاءت بعد تصويت في البرلمان العراقي على تفويض الحكومة بإنهاء تواجد القوات الأجنبية في البلاد، بتأييد واسع من الفصائل المقربة من إيران، والتي تتهم بالوقوف وراء بعض أعمال العنف ضد المتظاهرين الذين يتجمعون في ساحة التحرير المركزية، ما يثير مخاوف من اشتباك بين الطرفين.

ولكن الجدير بالذكر، أن الصدر كان قد أعطى لأنصاره حرية المشاركة في تظاهرات الحراك المناهضة للفساد، كما طلب من أنصاره حماية المتظاهرين من مجموعات مسلحة متهمة بتنفيذ عمليات اغتيال وخطف ضد ناشطين.

وسعى المتظاهرون المطلبيون إلى استعادة الزخم وتشديد الضغط على السلطات، وبدأوا منذ مطلع الأسبوع بقطع الطرقات في العاصمة ومدن جنوبية. وكان هؤلاء قد أبدوا قلقًا كبيرًا من دعوة الصدر، وتخوفوا من أن تكون قريبة من ساحة التحرير.

ولخص المتحدث باسم الصدر تظاهرة الجمعة، بمطلبين، هما خروج القوات الأجنبية وضرب الفاسدين، وفي ما جاء في تصريحات لصلاح العبيدي في مقابلة أجراها مساء الأربعاء مع قناة العراقية الرسمية.

وقال العبيدي إن "هناك أطرافًا يمثلون ثوار تشرين يعتقدون أن إيران فقط هي المسؤولة عن الخراب في العراق، وأطراف أخرى يمثلها الحشد أو أنصاره يقولون أميركا السبب في الخراب". وأضاف "نحن نعتقد أن الاثنين معًا هم وراء الخراب، ويحاول السيد أن يوائم بين الطرفين".

لا تعبروا السياج

وفي هذه الأثناء، شهد وسط بغداد إغلاقًا لطرقات رئيسية عدة وانتشارًا كثيفًا للقوات الأمنية التي أغلقت الطرق الرئيسية في بغداد بحواجز كما طوقت المنطقة الخضراء التي تضم بعثات أجنبية بحواجز خرسانية.

وتحدث الشارع عن سيناريوهات عدة. وأعرب كثيرون عن قلقهم من أن ينجر المتظاهرون إلى السفارة الأميركية، وتكرار المسلسل نفسه الذي حصل الشهر الماضي، وأطلق شرارة التوتر بين الولايات المتحدة وإيران، وجعل من العراق ساحة لتصفية الحسابات.

ووضعت لافتة أمام السفارة الأميركية كُتب عليها "تحذير، لا تقتربوا من هذا السياج، سنستخدم إجراءات استباقية ضد أي محاولة لاجتيازه".

فيما دعت واشنطن مواطنيها إلى عدم مراجعة السفارة الأميركية الواقعة في بغداد، تزامنًا مع الاحتجاجات الحاشدة المناهضة للوجود العسكري الأميركي.

وقالت السفارة الأميركية في بغداد في بيان، إن "وسط بغداد يشهد اليوم الجمعة، تظاهرات ووجودًا أمنيًا كثيفًا ومن المحتمل أن يتم إغلاق الطرق"، مبينة أن "العمليات القنصلية العامة في بغداد لا تزال معلقة".

ودعا البيان "الرعايا الأميركيين إلى عدم مراجعة السفارة في بغداد"، لافتا إلى أن "القنصلية الأميركية العامة في أربيل مفتوحة للتأشيرات ومواعيد خدمات المواطن الأميركي، بما في ذلك إصدار جواز السفر".

من جهة أخرى، أصدرت الفصائل الشيعية المتشددة، مثل حركة النجباء وكتائب حزب الله العراقي، تهديدات شديدة اللهجة تجاه رئيس الجمهورية برهم صالح، تعليقًا على لقائه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، الأربعاء الماضي.

وقدم أحد مستشاري صالح، وينتمي إلى حركة عصائب أهل الحق، استقالته من منصبه اعتراضًا على اللقاء أيضًا. لذا، كان البعض يتخوف أيضًا من أن تتجه التظاهرات إلى قصر السلام الرئاسي. لكن الصدر أعلن قبل ليلة عبر المقربين منه عن دعمه لرئيس الجمهورية، واصفًا إياه بـ"حامي الدستور".

العفو الدولية: الأمن العراقي يستأنف "العنف المميت" ضد الحراك

من جانبها، اتهمت منظمة "العفو" الدولية، قوات الأمن العراقية بـ"استئناف حملتها للعنف المميت بحق المتظاهرين السلميين" خلال الأيام الأخيرة. وقالت المنظمة في تقرير نشرته اليوم، إن عدد القتلى من المتظاهرين ارتفع إلى 600 منذ انطلاق الحراك الشعبي في تشرين الأول/ أكتوبر 2019.

ويأتي تقرير العفو الدولية، عقب يومين من إعلان الرئيس العراقي، صالح، أن أكثر من 600 متظاهر قُتلوا في أعمال عنف ارتكبها من وصفهم بـ"الخارجين عن القانون". فيما اتهم الجيش العراقي في بيان صدر عنه أمس، "مندسين" بقتل المتظاهرين خلال الاحتجاجات، بهدف "إلصاق التهمة" بقوات الأمن.

غير أن المنظمة أوضحت في التقرير أنها خلصت بعد التحقق من شهادات ومقاطع فيديو، إلى أن "القوات الأمنية استأنفت خلال الأيام الأخيرة حملة العنف المميتة ضد المتظاهرين السلميين في بغداد وعدد من المدن الجنوبية".

وشددت على أنها "تحققت من عودة الأمن العراقي إلى استخدام الذخيرة الحية ضد المحتجين العزل"، ضمن ما سمتها "موجة مستمرة من التخويف والاعتقالات والتعذيب". وذكرت أن "التصعيد الأخير إشارة واضحة إلى أن السلطات العراقية لا نية لديها على الإطلاق لوضع حد حقيقي للقمع".

وطالبت المنظمة في تقريرها، بالوقف الفوري لما وصفته بـ"النمط البغيض من القتل العمد والتعذيب والقمع". كما دعت "السلطاتِ العراقية إلى كبح جماح الأمن فورا وإبعاد المسؤولين عن الانتهاكات وبدء تحقيقات شاملة ومستقلة وتعويض المتضررين وعائلاتهم".

التعليقات