الجزائر: الفتور في وجه "دستور الجمهورية الجديدة"

انتهى عند السابعة مساء الأحد، بالتوقيت المحلّي في الجزائر الاستفتاء على الدستور الجديد، الذي ترغب السلطات في أن يؤسّس لـ"جزائر جديدة" لإضفاء مزيد من الشرعيّة على الرئيس، عبد المجيد تبون، الذي فاز في انتخابات قاطعها جزء كبير من الجزائريين.

الجزائر: الفتور في وجه

من الاستفتاء (أ ب)

انتهى عند السابعة مساء الأحد، بالتوقيت المحلّي في الجزائر الاستفتاء على الدستور الجديد، الذي ترغب السلطات في أن يؤسّس لـ"جزائر جديدة" لإضفاء مزيد من الشرعيّة على الرئيس، عبد المجيد تبون، الذي فاز في انتخابات قاطعها جزء كبير من الجزائريين.

وشهد الاستفتاء مقاطعة كبيرة جدًا، فلم تتجاوز نسبة التصويت عند الواحدة ظهرًا الـ14٪.

ولا شك في فوز معسكر الـ"نعم"، إذ إن الحملة التي سبقت الاستفتاء ولم يبال بها جزء كبير من السكان كانت في اتجاه واحد، بينما لم يتمكن أنصار التصويت بـ"لا" من تنظيم تجمّعات.

وقال تبون في رسالة نشرتها وكالة الأنباء الرسمية، مساء السبت، إنّ "الشعب الجزائري سيكون مرّةً أخرى على موعد مع التاريخ من أجل التغيير الحقيقي المنشود، من خلال الاستفتاء على مشروع تعديل الدستور، من أجل التأسيس لعهد جديد يُحقّق آمال الأمّة وتطلّعات شعبنا الكريم إلى دولة قويّة عصريّة وديموقراطيّة".

ولم يتمّ اختيار موعد الاستفتاء مصادفة. فالأوّل من تشرين الثاني/نوفمبر هو "عيد الثورة" ذكرى اندلاع حرب الاستقلال ضدّ الاستعمار الفرنسي (1954-1962).

من الاستفتاء (أ ب)
من الاستفتاء (أ ب)

ونقل تبون (74 عاما) إلى ألمانيا، الأربعاء الماضي، للخضوع لـ"فحوصات طبية متعمقة" بعد أنباء عن الاشتباه بإصابة محيطين به بمرض كوفيد-19. وأوضحت الرئاسة أنّ حالته "مستقرة وغير مقلقة".

ومن المرشّح أن تعلن نتائج أوليّة للاستفتاء الليلة.

وفي العاصمة، حيث اعتاد الناخبون أن لا يتنقلوا في الصباح الباكر للتصويت، بدت مكاتب التصويت خالية.

وبثّت قنوات التلفزيون الحكومية والخاصة صورًا لتصويت رئيس الوزراء، عبد العزيز جراد، ورئيس المجلس الشعبي الوطني، سليمان شنين، ورئيس أركان الجيش، الفريق سعيد شنقريحة.

وبسبب الوباء تطبّق إجراءات صارمة، مثل تحديد عدد الذين يدخلون إلى مركز الاقتراع بشخصين أو ثلاثة في وقت واحد والالتزام بوضع الكمامات. وألغيت الستائر في مقصورات الاقتراع لمنع لمسها من قبل الناخبين.

والرهان الوحيد في هذا التصويت هو نسبة المشاركة.

وخلال الانتخابات الرئاسية التي جرت في 12 كانون الأول/ديسمبر، بلغت هذه النسبة 39,93 بالمئة في أدنى نسبة من جميع الانتخابات الرئاسية التعددية في تاريخ الجزائر، وهذا ما يدفع تبون إلى البحث عن شرعية.

وأفاد ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي عن وقوع أعمال شغب وتكسير لصناديق الاقتراع ليل السبت الأحد، في منطقة القبائل المعروفة بعزوفها الانتخابي.

ومنذ أدائه اليمين رئيسًا للبلاد في 19 كانون الأوّل/ديسمبر 2019، بعد أسبوع من انتخابات شهدت نسبة امتناع قياسيّة عن التصويت، تعهّد تبون تعديل دستور 1996 من خلال مَدّ يده إلى "الحراك المبارك".

لكنّ ناشطي الحركة الاحتجاجيّة رفضوا النصّ المقترح "شكلًا ومضمونًا" لأنّه لا يمثّل سوى "تغيير في الواجهة"، في حين أنّ الشارع طالب بـ"تغيير النظام"، لذلك دعوا إلى مقاطعة الاستفتاء.

وبحسب المحلّل السياسي المتخصّص في شؤون العالم العربي، حسني عبيدي، يواجه تبون "وضعا معقّدا" بسبب نسبة المشاركة الضعيفة في الانتخابات الرئاسيّة التي جاءت به، وقال عبيدي "حتّى لو حاول الحصول على الشرعيّة من خلال صندوق الاقتراع، فإنّ مساحة المناورة لديه محدودة"، لأنّ الجيش "تعلّم الدروس" من رئاسة عبد العزيز بوتفليقة (1999-2019) الذي حرّر نفسه من وصايته، مشيرًا إلى أنّه أصبح مرّة أخرى "الممسك الحقيقي" بزمام السلطة.

وينبغي على الناخبين أن يردّوا على سؤال "هل أنتم موافقون على مشروع تعديل الدستور المطروح عليكم؟"، فيُجيبون بـ"نعم" باختيار الورقة البيضاء، وإذا كانوا غير موافقين، عليهم الإجابة بـ"لا" عبر اختيار الورقة الزرقاء، بحسب ما جاء في المرسوم الرئاسي الذي حدّد تاريخ الاستفتاء.

والدّاعون إلى التصويت بـ"نعم" هم أعضاء الحكومة وأحزاب الائتلاف الحاكم سابقًا، مثل حزب جبهة التحرير الوطني - حزب الرئيس بوتفليقة الذي أُطيح من السلطة في نيسان/أبريل 2019 تحت ضغط مزدوج من الحراك وقيادة الجيش - ووسائل الإعلام المملوكة للدولة.

وتمكّن هؤلاء من تنظيم حملة انتخابيّة من أجل "التوعية والشرح" للشعب أنّ المشروع يضع أسس "جمهوريّة جديدة".

وعبّر وزير الاتّصال والمتحدّث باسم الحكومة عمار بلحيمر عن تفاؤله "بوعي الشعب وقناعته بالتوجّه إلى صناديق الاقتراع بكثافة، للمشاركة في وضع لبنة جديدة في مسار البناء الوطني الشامل وتفويت الفرصة على أعداء الجزائر"، وفق ما نقلت عنه وسائل الإعلام الرسميّة الأربعاء.

لكنّ الدستور بتعديلاته الجديدة يُحافظ على جوهر النظام الرئاسي، رغم تضمنه سلسلة من الحقوق والحرّيات لتلبية تطلّعات الحراك.

ويَجري الاستفتاء في جوّ من القمع، إذ استنكر المعارضون - من الإسلاميّين إلى أقصى اليسار، بمن فيهم المدافعون عن حقوق الإنسان - مشروعًا يهدف إلى دفن الحراك بالنسبة للبعض وإلى دسترة العلمانيّة بالنسبة لآخرين.

وأفاد المحلل عبيدي أنّ "السلطة تُدرك أنّ العلاقة مع الشعب مقطوعة إلى الأبد".

وبعد نحو عشرين شهرًا على اندلاع الحراك بتظاهرات احتجاجيّة غير مسبوقة، تُشكّل الانتخابات اختبارًا حقيقيًا له، وخصوصا بعدما أضعفه القمع اليومي للنشطاء والوقف القسري للتظاهرات بسبب الأزمة الصحّية.

وقرّرت حركة مجتمع السلم، الحزب الإسلامي الرئيسي، المشاركة في الاستفتاء، لكنّها دعت إلى التصويت بـ"لا".

التعليقات