لبنان: "رصيف اللاجئين".. شاهد على كارثة إنسانية

حلّ "يوم اللاجئ" العالمي في لبنان هذا العام وسط ظروف استثنائية تجعل معاناة اللاجئين مضاعفة، بسبب أزمة اقتصادية تعصف بهذا البلد الذي يستضيف نحو مليونين من هؤلاء على أرضه.

لبنان:

لاجئون سوريون في طرابلس (أ ب)

حلّ "يوم اللاجئ" العالمي في لبنان هذا العام وسط ظروف استثنائية تجعل معاناة اللاجئين مضاعفة، بسبب أزمة اقتصادية تعصف بهذا البلد الذي يستضيف نحو مليونين من هؤلاء على أرضه.

هذا العدد يشكل نحو 40% من سكان لبنان الذي يتصدر قائمة الدول المستضيفة للاجئين، مقارنة بمساحته الصغيرة وعدد سكانه، ما يجعل لهذا "اليوم" معنى مختلفًا عن معظم دول العالم.

الأعداد الكبيرة للاجئين في لبنان يقابلها عدم توافر الموارد والسلع الأساسية جراء التدهور الاقتصادي والمالي في البلاد، ما ينعكس سلبًا على الأوضاع المعيشية لمعظم سكانه، بمن فيهم اللاجئين.

معاناة هؤلاء، يختصرها مشهد رصدته "الأناضول" أمام مبنى مفوضية شؤون اللاجئين التابع للأمم المتحدة في بيروت، حيث يفترش بعضهم الرصيف، وينام في العراء، أملًا بالمساعدة أو الترحيل إلى بلد ثالث.

"رصيف" الهموم.. والمعاناة

على هذا الرصيف يجتمع لاجئون من جنسيات مختلفة، يمضون النهار والليل، ولكل منهم قصة أجبرته على اللجوء إلى لبنان، لكنهم اليوم بات همهم الخروج من هذا البلد بأسرع وقت نتيجة تدهور أوضاعهم أكثر فأكثر.

وقالت أودش باشدا، من الجنسية الإثيوبية، إنها تطلب اللجوء إلى دولة ثالثة، أملًا بمستقبل وحياة أفضل، وتشكو من عدم تقديم المساعدات اللازمة لها من جانب مفوضية شؤون اللاجئين.

وأثناء حديثها، انهمرت دموع باشدا، وقالت إنها تعبت من وجودها في لبنان، فهي تنام على أرصفة الطرقات، وتتخذ من الرصيف المحاذي للمفوضية مأوى لها بـ"انتظار الفرج"، وفق تعبيرها.

المعاناة ذاتها تعيشها اللاجئة العراقية نور محمد برفقة أطفالها الثلاثة، وقالت إنها تعيش من دون منزل، بعدما وصلت لبنان قادمة من سوريو، ولم تجد مكانًا يُؤويها إلا "رصيف" المفوضية.

(الأناضول)

وأشارت نور إلى أنها لجأت من العراق إلى سورية منذ عام 2003، قبل أن تقرر الانتقال إلى لبنان مؤخرًا سعيًا وراء مستقبل أفضل لها ولأولادها. لكنها انصدمت بواقع الحال في هذا البلد وظروفه المعيشية القاسية.

أما فدوى الخضر، فهي لاجئة من الأردن وصلت لبنان قبل عام و3 أشهر، تشكو أيضًا عدم وجود منزل يُؤويها. ولذلك فإن الرصيف هو ملجأها الوحيد، بحسب قولها.

وقالت إن هدفها الانتقال إلى بلد آخر، مشيرة إلى أنها اللاجئة الأردنية الوحيدة في لبنان، بحسب ما علمت من مفوضية شؤون اللاجئين.

ورفضت فدوى الإفصاح عن السبب الذي دفعها للجوء إلى لبنان، مطالبة المعنيين بأحوال اللاجئين حول العالم النظر إليهم بشكل إنساني، ومساعدتهم في إيجاد حياة كريمة.

ولفتت فدوى إلى حسن علاقتها مع اللاجئات الإثيوبيات، على الرغم من حاجز اللغة، إذ يتشاركن الرصيف ذاته ليلًا نهارًا، ويساعدن بعضهن للتخفيف من المعاناة.

سلوك عنصري.. أم إهمال متعمّد؟

ويعاني لبنان أزمة اقتصادية حادة تعد الأسوأ منذ انتهاء الحرب الأهلية فيه عام 1990، ما أدى إلى انهيار مالي وفقدان مواد وسلع أساسية كالوقود والأدوية، فضلاً عن ارتفاع كبير في الأسعار.

إلا أن عبد الباقي حسن، وهو لاجئ سوداني، شكا من "التمييز" بحق اللاجئين الأفارقة في لبنان لناحية تقديم المساعدات وسرعة البت في ملفاتهم.

وتساءل عما إذا كان ذلك سببه سلوك عنصري أم إهمال متعمّد، مشيرًا في الوقت عينه إلى أن اللاجئ الأفريقي هو الأقدم في لبنان بعد اللاجئ الفلسطيني.

ويستضيف لبنان نحو 200 ألف لاجئ فلسطيني مسجلين لدى "الأنروا" (وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى) موزعين على 12 مخيمًا ومناطق سكنية أخرى.

وأوضح عبد الباقي أن الكثير من اللاجئين الأفارقة يشكون من بطء في دراسة ملفاتهم والاعتراف بهم كلاجئين من جانب المفوضية الأممية.

أما إسماعيل عبدو إبراهيم، وهو لاجئ سوداني آخر اعتاد العيش في لبنان منذ عام 2000، فقال إن المعاناة المعيشية في هذه الأيام غير مسبوقة ولم يشهد مثلها طوال السنوات الماضية.

عبدو، المتزوج من لاجئة أثيوبية، يخشى على مصير أولاده الستة، لا سيما أن اثنين منهم ما زالوا في مرحلة الرضاعة، وهو يجد صعوبة في تأمين الحليب لهما.

870 ألف لاجئ مسجل لدى المفوضية الأممية

وبحسب تقرير "الاتجاهات العالمية" الصادر عن مفوضية اللاجئين، فإن لبنان يحتل المرتبة السابعة عالمياً في عدد اللاجئين الذين يستضيفهم، إذ يبلغ عددهم نحو 870 ألف لاجئ مسجل لدى المفوضية.

إلا ان السلطات اللبنانية تقول إن العدد الفعلي للاجئين في لبنان يبلغ نحو مليوني لاجئ، فكثير منهم غير مسجل في لوائح المفوضية، وهذا العدد يشكل نحو 40% من عدد سكان البلاد البالغ نحو 5 ملايين.

وعلى بُعد أمتار قليلة من "رصيف اللاجئين"، التقت "الأناضول" المسؤولة الإعلامية في مفوضية شؤون اللاجئين بلبنان، ليزا أبو خالد، التي نفت وجود أي تمييز بين اللاجئين لناحية تقديم المساعدات.

وأوضحت أبو خالد إن المفوضية تعمل بحسب الموارد المتوافرة لديها، والمحددة وفق البرامج الإنسانية، ولا تميّز بين جنسيات اللاجئين في تقديم المساعدات لهم.

وأشارت إلى أن تلك البرامج تستهدف الفئات الأكثر حاجة من بين اللاجئين على اختلاف جنسياتهم.

لكنها لفتت إلى أن المساعدات لا تطال كل اللاجئين بجميع البرامج الإنسانية المقدمة من المفوضية، بسبب الموارد المحدودة.

وأضافت: "لذلك نقوم بتقديم هذه المساعدات إلى الأشخاص الأكثر حاجة من بين اللاجئين، بصرف النظر عن الدولة القادمين منها".

وتتضمن البرامج الإنسانية، التابعة للمفوضية، تقديم مساعدات غذائية ودعمًا ماليًا وحماية قانونية ورعاية صحية.. وغيرها.

850 ألف لاجئ سوري.. و18 ألفًا من جنسيات أخرى!

ووفق أسماء اللاجئين المسجلين لدى المفوضية، يستضيف لبنان نحو 850 ألف لاجئ سوري، إلى جانب نحو 18 ألف لاجئ من جنسيات أخرى، كالعراقية والسودانية والأثيوبية والمصرية والصومالية وغيرها.

وأشارت أبو خالد إلى أن "يوم اللاجئ" العالمي (20 حزيران/ يونيو) حددته الأمم المتحدة لتكريم الأشخاص الذين اضطروا إلى ترك بيوتهم وبلادهم بسبب الحروب والاضطهاد، ولجأوا إلى دول أخرى.

وأملت بأن يكون هذا اليوم هو فرصة لتكريم اللاجئين الذين، وعلى الرغم من ظروفهم الصعبة، يبقى لديهم أمل بتحسين أوضاعهم والسعي إلى مستقبل أفضل.

التعليقات