بعد اعتذار الحريري.. لبنان مجددا في مواجهة "المجهول"

تفجرت الأزمة السياسية في لبنان إثر إعلان رئيس الوزراء المكلف بتشكيل الحكومة، سعد الحريري، اعتذاره عن مهمته بعد نحو 9 أشهر من تكليفه، رافقتها خلافات بينه وبين الرئيس اللبناني، ميشال عون، حول التشكيلة الحكومية.

بعد اعتذار الحريري.. لبنان مجددا في مواجهة

احتجاجات انطلقت عقب اعتذار الحريري (أ ب)

تفجرت الأزمة السياسية في لبنان إثر إعلان رئيس الوزراء المكلف بتشكيل الحكومة، سعد الحريري، اعتذاره عن مهمته بعد نحو 9 أشهر من تكليفه، رافقتها خلافات بينه وبين الرئيس اللبناني، ميشال عون، حول التشكيلة الحكومية.

يضع اعتذار الحريري لبنان أمام المجهول، وينذر بإطالة أمد الفراغ الحكومي، وبمزيد من الانهيار الاقتصادي والمعيشي، وفق ما تشير إليه التحليلات السياسية والاجتماعية وفي ظل الاجتجاجات المتواصلة التي تشهدها لبنان.

والخميس، أعلن الحريري في مؤتمر صحافي اعتذاره عن تشكيل الحكومة، عقب لقائه عون في قصر الرئاسة شرقي العاصمة بيروت، وذلك بعد تقديمه أمس تشكيلة وزارية للرئيس.

وقال الحريري بعد اللقاء إن موقف الرئيس عون لم يتغير، والتعديلات التي طلبها جوهرية وتطال تسمية الوزراء، لا سيما المسيحيين منهم، مضيفًا أن عون أبلغه أيضًا أنه من الصعب الوصول إلى توافق.

الحريري وعون، الخميس (أ ب)

وهذه هي المرة الثانية التي يقدم فيها الحريري تشكيلة وزارية، إلا أن عون رفضها وطلب إدخال تعديلات عليها، كما رفض قبل أشهر التشكيلة الأولى وطلب حينذاك أيضًا إدخال تعديلات عليها.

وتتركز الخلافات بينهما حول حق تسمية الوزراء المسيحيين، مع اتهام من الحريري - ينفيه عون - بالإصرار على الحصول لفريقه السياسي على "الثلث المعطل"، وهو عدد وزراء يسمح بالتحكم في قرارات الحكومة.

في الوقت الراهن... لا بديل عن الحريري

وفي هذا السياق، يرى الكاتب والمحلل السياسي منير الربيع، أنه لا يوجد توافق سياسي على اختيار بديل عن الحريري حاليًا، وهذا الأمر سيطول انتظاره، ما سينعكس سلبًا على الوضعين السياسي والاقتصادي في لبنان.

ويوضح الربيع أن سبب عدم التوافق هو أن رؤساء حكومات سابقين (فؤاد السنيورة، تمام سلام، نجيب ميقاتي، وسعد الحريري) يرفضون تسمية ودعم أي شخصية "سنية" أخرى لتولي رئاسة الحكومة.

(أ ب)

ويلفت إلى أنهم يفضلون في هذه المرحلة (الحساسة) أن يقوم "حزب الله" وحليفه "التيار الوطني الحر" (حزب عون) بتسمية رئيس جديد للحكومة، وهذا ما يحاول الحليفين السياسيين تجنبه حاليًا.

"عدم وجود بديل" كان أيضًا رأي الكاتب والمحلل السياسي توفيق شومان، الذي يرى أن البلاد "دخلت في المجهول وأصبحت أمام أزمة سياسية حادة".

وبحسب شومان فإنه من الصعب التوافق في هذا الوقت على شخصية بديلة عن الحريري لتشكيل الحكومة، وإن البلاد دخلت في أزمة تكليف (شخصية أخرى لرئاسة الحكومة) بعدما كانت في أزمة تأليف.

ولفت شومان إلى أنه بعد اعتذار الحريري، ووفق الدستور، فإن على رئيس البلاد أن يدعو إلى استشارات نيابية ملزمة من أجل تكليف شخصية أخرى بديلة عن الحريري لتشكيل الحكومة.

"لكن هذه الخطوة مستبعدة الآن، ولا يمكن أن تحدث قريبًا، لأن معظم الأطراف اللبنانية فوجئت بالاعتذار وتفجر الخلاف بين الرئيسين (عون والحريري)، على الرغم من كل الجهود والمبادرات"، وفق تعبير شومان.

وكان عون قد كلف الحريري في 22 تشرين الأول/ أكتوبر بتشكيل حكومة، عقب اعتذار سلفه مصطفى أديب لتعثر مهمته أيضًا.

واستقالت حكومة تصريف الأعمال الراهنة برئاسة حسان دياب في 10 آب/ أغسطس 2020، بعد 6 أيام من انفجار مرفأ بيروت الذي أسفر عن سقوط أكثر من 200 قتيل و6000 جريح وأضرار مادية هائلة بالعاصمة.

تداعيات اقتصادية واجتماعية خطيرة

وأشار شومان إلى أن اللبنانيين قد يشهدون في الأيام القليلة المقبلة تداعيات ما بعد الاعتذار، "وستطال كل الجوانب، لا سيما الاقتصادية والاجتماعية".

وأضاف أنه لا بد من التوقف حول ما قاله الحريري في ختام إعلان اعتذاره: "الله يعين البلد"، لأنه يدرك تماما أن لا شخصية بديلة عنه متفق عليها من جانب الأطراف السياسية، ما قد ينذر بالأسوأ على مختلف الصعد.

وفي دليل على بدء تأثير "الاعتذار"، تخطى سعر صرف الدولار للمرة الأولى في تاريخ لبنان عتبة الـ 20 ألف ليرة لبنانية، بعدما كان يبلغ 19 ألف قبيل دقائق قليلة من إعلان الحريري اعتذاره.

ولاحقًا، وصل سعر الدولار في السوق الموازية (السوداء) إلى نحو 22 ألف ليرة، بالتزامن مع اضطرابات أمنية عدة شهدتها مناطق عدة في بيروت وطرابلس (عاصمة الشمال اللبناني).

(أ ب)

ويتوقع شومان أن تشهد مناطق لبنانية عدة حركات اعتراضية متنقلة، قد يجري استغلالها سياسيًا، ما قد يعزز الدخول في المجهول وربما في الفوضى.

من جهته أيضًا، يرى الربيع أن البلاد تتجه نحو مرحلة صعبة من شد الحبال بين الفرقاء السياسيين، وهذا ما سينعكس على الوضع الاقتصادي.

ويلفت ربيع إلى أنه ابتداء من اليوم، فإن كل الأنظار ستتجه إلى الانتخابات النيابية المقبلة، (التي يحين موعدها في شهر أيار/ مايو المقبل).

ويزيد عدم تأليف حكومة من معاناة هذا البلد العربي الذي يرزح تحت وطأة أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه، ما أدى إلى انهيار مالي ومعيشي وارتفاع معدلات الفقر وشح في الوقود والأدوية وسلع أساسية أخرى.

واندلعت صدامات، مساء الخميس، بين قوات الأمن وعشرات المتظاهرين الذين تجمعوا بعد إعلان الحريري اعتذاره.

(أ ب)

وأفاد شهود عيان بأن قوات الأمن استخدمت الرصاص المطاطي للتمكن من تفريق المحتجين وفتح الطرق المقطوعة. وتحدث الصليب الأحمر اللبناني عن سقوط جرحى من دون أن يدلي بحصيلة محددة.

الحريري: المشكلة في تحالف عون مع "حزب الله"

وفي مقابلة تلفزيونية، مساء الخميس، قال الحريري إن عون "يريد الثلث المعطل"، مضيفا "إذا شكلت حكومة ميشال عون... لن استطيع أن أدير البلد، لأنها ليست حكومة أستطيع أن أعمل معها"

وقال الحريري، إنه وكتلته النيابية لن يسمّوا أي شخصية لرئاسة الحكومة، لكنه سيؤمّن النصاب البرلماني عندما تعقد جلسة نيابية بشأن ذلك.

وأضاف أنه "عندما يحدد رئيس الجمهورية موعداً للاستشارات النيابية الملزمة للتكليف.. عندها سنقوم بواجبنا ككتلة نيابية"، مضيفا أنه ضد الفراغ في سدة رئاسة الحكومة.

ورأى الحريري أن المشكلة الأساسية في لبنان اليوم هي تحالف الرئيس عون مع "حزب الله"، مشددا على أن عدم تأليف الحكومة سببه تمسك عون بـ "الثلث المعطل" في الحكومة.

ولم تنجح الضغوط الدولية التي مارستها فرنسا خصوصًا منذ انفجار المرفأ، على الطبقة السياسية، في تسريع عملية التأليف، رغم أن المجتمع الدولي اشترط تشكيل حكومة من اختصاصيين تقبل على إصلاحات جذرية مقابل تقديم الدعم المالي.

واعتبر وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، أن اعتذار الحريري يشكل "فصلا مأسويا إضافيا في عجز المسؤولين اللبنانيين عن إيجاد حل للأزمة (...) في ظل الواقع الاقتصادي والاجتماعي" في البلاد.

بدورها، أبدت الأمم المتحدة أسفها لاعتذار الحريري، وقالت متحدثة باسم المنظمة "نأسف لعدم تمكن المسؤولين اللبنانيين من الاتفاق على تأليف حكومة جديدة. نكرر دعوتنا القادة السياسيين للبلاد إلى التفاهم سريعا على تشكيل حكومة جديدة تستطيع مواجهة التحديات الكثيرة في البلد".

التعليقات