مأساة انفجار عكار... "قتل جماعيّ للفقراء"

يختلط الصراخ بالعويل والبكاء ومشاعر الغضب لدى أهال مفجوعين تجمعوا في أحد مستشفيات بيروت بانتظار أن يسمعوا خبرا، أو أن يلقوا نظرة وإن أخيرة على أبنائهم المصابين في انفجار خزان الوقود شماليّ لبنان، والذين كانوا يسعون إلى تأمين حاجتهم من الوقود قبل

مأساة انفجار عكار...

بالقرب مكن مكان الانفجار (أ ب)

يختلط الصراخ بالعويل والبكاء ومشاعر الغضب لدى أهال مفجوعين تجمعوا في أحد مستشفيات بيروت بانتظار أن يسمعوا خبرا، أو أن يلقوا نظرة وإن أخيرة على أبنائهم المصابين في انفجار خزان الوقود شماليّ لبنان، والذين كانوا يسعون إلى تأمين حاجتهم من الوقود قبل أن يقع الانفجار الكارثيّ.

ولقي 28 شخصا على الأقلّ، مصارعهم، وأصيب نحو ثمانين آخرين بجروح جراء انفجار خزان وقود في بلدة التليل في عكار أفقر منطقة في لبنان فجر اليوم الأحد.

ووقع الانفجار أثناء تجمع عشرات حوله للحصول على القليل من البنزين في بلد يشهد أزمة محروقات حادة.

وقرر مجلس الوزراء اللبناني أن "الإثنين يوم حداد وطني على ضحايا انفجار عكار، على أن تُنكس الأعلام وتُعدل البرامج العادية في محطات الإذاعة والتلفزيون بما يتناسب مع الفاجعة الأليمة"، وفق بيان للمجلس.

وأعلن الجيش اللبناني، في بيان عبر "تويتر"، توقيف صاحب قطعة الأرض التي انفجر فيها خزان الوقود.

من مكان وقوع الانفجار (أ ب)

ونقل تسعة جرحى على الأقل بينهم جنود في الجيش، إلى مشفى الجعيتاوي المتخصص لعلاج الحروق، في بيروت.

وفي غرفة الطوارئ، تصرخ سوسن بأعلى صوتها: "أريد أن أراه، ليس لدي غيره" حين يبلغها أحد الأطباء أن ابنها ناجي عمر (22 عاما) يرقد بوضع حرج في العناية الفائقة، بحسب ما أوردت وكالة "فرانس برس" للأنباء.

وفجر اليوم، توجه ناجي، الجندي في الجيش اللبناني، كغيره من عشرات الشبان في منطقة عكار، إلى قرية التليل بعدما وصلتهم أخبار أن الجيش يوزع البنزين من أحد الخزانات التي صادرها.

(أ ب)

وتقول والدته سوسن فيما يبدو التعب على وجهها النحيل الشاحب: "كان ابني يبحث عن البنزين ليتمكن من العودة إلى خدمته العسكرية، وحين أتاه خبر عن الصهريج، توجه إلى هناك مع صديقه وأصيب الاثنان".

وأتت سوسن من بلدة القبيات في أقصى شمال لبنان إلى مدينة بيروت أملا في أن ترى ابنها الذي فقد والده، ولم يكن يبلغ من العمر سوى عامين فقط.

وتفرغ سوسن غضبها على المسؤولين الذين تتهمهم بالتسبب بالكارثة التي حلت عليها وعلى عشرات العائلات في منطقة عكار، وتقول: "إنها دولة فاشلة لا تحب شعبها".

وتتدخل ابنتها ساندي (26 عاما) بالحديث وتنهمر الدموع على وجنتيها فيما يسيطر الغضب عليها. وتقول: "أرى النور من عيني شقيقي... أتمنى أن يحترق قلب المسؤولين على أبنائهم". وتضيف: "ذلونا ولا يهمهم سوى المناصب".

أحد المصابين في المشفى (أ ب)

وعند مدخل قاعة الطوارئ في مشفى الجعيتاوي، ينهمك الأطباء والممرضون وحتى عناصر الشرطة في تهدئة الأهالي المفجوعين، وبينهم مروى الشيخ (33 عاما).

تنتظر مروى خبرين، واحد عن شقيقها الذي يرقد في المشفى بعدما حُرقت رجلاه وبطنه وظهره، وآخر عن زوج شقيقتها، الوالد لأربعة أطفال والذي لا يزال مفقودا، وتقول: "لا نعلم إن كان على قيد الحياة".

وحين علم شقيق مروى بخزان الوقود، توجه لتعبئة قارورة بلاستيك. وتقول مروى معقبة على ذلك: "ماذا نتوقع من شعب جاع وتعب وتعرض للذل؟".

ويصرخ شقيقها إلى جانبها: "ماذا أقول لأختي، ماذا أقول لأختي" التي لا يزال زوجها مفقودا، ويردد: "ماذا سيحصل في هذا البلد، ماذا سيحصل؟"، لتأتيه إجابة قاسية من أحد المفجوعين، يصرخ بوجهه قائلا: "هناك غيره كثر، هناك ناس فقدت شخصين وثلاثة".

(أ ب)

وتحاول مروى كبت دموعها قدر الإمكان، وتقول: "منذ خمسة أيام، نعيش من دون كهرباء أو غاز (منزلي)... بالطبع حين يسمع الناس (عن خزان الوقود) سيركضون إليه، كل شخص يريد تأمين حاجته ليذهب إلى عمله على الأقل".

وتضيف: "إنه قنبلة موقوتة.. ما حصل مجزرة، هناك أشخاص لا يمكن التعرف عليهم جراء التشوه. سنضطر أن ننتظر فحوصات الحمض النووي (فلربما يجدون زوج شقيقتها بمساعدة ذلك)"، وفق الوكالة ذاتها.

وجراء أزمة المحروقات المتفاقمة، يصدر كل يوم في لبنان تحذير من قطاع ما. وقد حذرت مستشفيات عدة خلال اليومين الماضيين من احتمال إغلاق أبوابها في حال لم يتوفر المازوت اللازم لتشغيل المولدات الخاصة.

أما مؤسسة كهرباء لبنان، فشرعت منذ أسابيع في تقنين قاس يصل إلى 22 ساعة في اليوم.

ولا تتوقف أزمة المستشفيات على المحروقات، بل تعاني أيضا من هجرة الأطباء والممرضين ونقص حاد في الأدوية.

ويقول المدير الطبي لمستشفى الجعيتاوي، بيار يارد: "للأسف الدولة غائبة والسلطات لا تتحرك... منذ أشهر ونحن نصرخ أن المستشفيات في وضع صعب"، وفق وكالة "فرانس برس".

بعيد الانفجار (أ ب)

وتنقَّل عُدي خضر (26 عاما) بين أربعة مستشفيات لتلقي العلاج، آخرها مستشفى الجعيتاوي. ويجلس والده ممدوح في غرفة الطوارئ محاولا قدر الإمكان ضبط أعصابه، ويترقب أي خبر من الأطباء عن ابنه، العسكري في الجيش، الذي ملأت الحروق جسده.

ويقول ممدوح: "ابني قلبه طيب.. وها هو يدفع ثمن الشح في المحروقات"، متسائلا: "أين يذهب البلد؟ لماذا لا نتمكن من العيش براحة وأن نأكل ونشرب؟".

وأضاف: "فليستقيلوا"، في إشارة إلى المسؤولين في الدولة الذي يحملهم على غرار كثر مسؤولية الانهيار الاقتصادي الذي ينهش بالبلد من عامين.

ويقول: "هل يحترق ابني فيما هم يخربون البلد؟".

ومن بين القصص المروعة التي عاشها سكان المنطقة، ما رواه المواطن وليد إبراهيم، حيث أن اثنين من أشقائه يعتبران في عداد المفقودين، فيما أصيب ثالث بحروق جراء الانفجار.

ونقلت وكالة "الأناضول" للأنباء عن إبراهيم، قوله إنه ما زال ينتظر خبرا عن شقيقيه المفقودين، ولا يعرف عنهما شيئا بعد.

وأضاف أن شقيقه الثالث أصيب أيضا بحروق، ولم يتمكن من إسعافه بعد، بسبب عدم وجود أماكن شاغرة في المستشفيات، نظرا إلى عدد الجرحى الكبير.

أما المواطنة فاطمة المحمد فلم تستطع حبس دموعها أثناء الحديث معها، بعدما أصيب زوجها بحروق بالغة. وتحدثت عن نكبة كبيرة حلت بها، وبأولادها الأربعة بسبب إصابة زوجها بالانفجار، مشيرة إلى أنهم أصبحوا من دون معيل لهم.

أجد المصابين جراء الانفجار (أ ب)

وأفادت بأنها تخشى على حياة أولادها جراء عدم تمكنها من تأمين الطعام والحليب الذي يحتاجونه يوميا.

بدوره، قال المواطن أحمد العويك، إن "ما حصل في عكار هو قتل جماعي للفقراء الذين توجهوا إلى خزان الوقود لتأمين حاجتهم من تلك المادة، لكنهم لم يكونوا يدركون أنهم سيُقتلون حرقا بالبنزين"، بحسب "الأناضول".

ولفت إلى أن المأساة كبيرة جدا، والمستشفيات عاجزة عن استقبال ومعالجة الجرحى، نظرا للصعوبات اللوجستية وأعداد المصابين.

وتوجه إلى المسؤولين والنواب بالقول: "أين أنتم من الجريمة التي حلت بنا؟"، مضيفا: "الكارثة ضاعفت المعاناة التي نعيشها بسبب فقدان الخبز والأدوية والوقود".

ومنذ أمس السبت، تشهد مناطق لبنانية عدة مداهمات أمنية لمحطات وخزانات وقود يقوم أصحابها بإخفاء المحروقات (بنزين ومازوت) بغية احتكارها وبيعها بأسعار مرتفعة.

وبسبب أزمة اقتصادية طاحنة، يشهد لبنان منذ أشهر شحا في الوقود والأدوية وسلع أساسية أخرى، بسبب عدم توافر النقد الأجنبي الذي كان يؤمنه المصرف المركزي من أجل دعم استيراد تلك المواد.

التعليقات