الإسلاميون والحكم في العالم العربيّ

خاضت الحركات الإسلامية في العالم العربي تجارب متعددة في الحكم، لكنها واجهت ضغوطات كبيرة للبقاء في السلطة، من أطراف داخلية وأخرى دولية، وأطيح ببعضها في انقلابات عسكرية فيما تقاوم أخرى في ظروف صعبة.

الإسلاميون والحكم في العالم العربيّ

(أرشيفية- أ ب)

خاضت الحركات الإسلامية في العالم العربي تجارب متعددة في الحكم، لكنها واجهت ضغوطات كبيرة للبقاء في السلطة، من أطراف داخلية وأخرى دولية، وأطيح ببعضها في انقلابات عسكرية فيما تقاوم أخرى في ظروف صعبة.

وإن كانت بعض الحركات الإسلامية شاركت في الحكومة، على غرار "مجتمع السلم" و "النهضة" و"البناء الوطني" في الجزائر، إلا أن التحليل يقتصر فقط على الحركات التي تولى أعضاؤها رئاسة البلاد أو الحكومة، على غرار: السودان ومصر وتونس والمغرب.

السودان

تجربة إسلاميي السودان في الحكم كانت الأطول والأثرى، واستمرت طوال ثلاثة عقود في الفترة بين 1989 و2019.

وأحد أسباب استمرارها هو تحالف جناح عسكري بقيادة عمر البشير، مع آخر سياسي بقيادة حسن الترابي، الذي يعتبره بعض المتابعين للملف السوداني بأنه العقل المدبر لانقلاب 1989، الذي قاده البشير.

لكن هذه التجربة لم يكتب لها الاستمرار لعدة أسباب أبرزها الحصار الدولي الذي أنهك اقتصادها الهش، والحروب الطويلة التي استنزفت الرجال والموارد، فضلا عن الصراع بين البشير والترابي، الذي قسم الحزب الحاكم (المؤتمر الوطني).

ففي عام 1993 صنفت الولايات المتحدة الأميركية السودان "دولةً راعية للإرهاب"، بعد استضافتها لأسامة بن لادن مؤسس تنظيم "القاعدة"، ثم فرضت على الخرطوم عقوبات اقتصادية خانقة في 1997.

وفي العام 1997، شنت ثلاث دول إفريقية هجوما متزامنا على السودان، ضم كلا من إثيوبيا وإريتريا وأوغندا بتحريض من واشنطن.

وكانت علاقات الخرطوم مع أغلب دول الجوار سيئة بسبب دعمها لحركات المعارضة المسلحة، ردا على دعم هذه الدول لمتمردي الحركة الشعبية لتحرير السودان، ثم حركات التحرر في دارفور.

وورث نظام البشير تمردا عنيفا للحركة الشعبية لتحرير السودان، الذي اندلع أول مرة في جنوب السودان عام 1955 قبل عام من استقلال البلاد، واستمر إلى غاية توقيع اتفاقية نيفاشا عام 2005، التي أنهت أطول حرب أهلية في إفريقيا.

ووصل نظام البشير إلى قناعة بأن "الحروب الطويلة تسقط الأنظمة"، على حد قول شقيقه اللواء عبد الله حسن البشير. لكن انفصال جنوب السودان عن البلاد في 2011، كانت تكلفته الاقتصادية والاجتماعية باهظة، إذ خسرت الخرطوم 75 بالمئة من إنتاجها النفطي، ما خلق ثغرة كبيرة في موازنة البلاد، لم تتمكن من تغطيتها حتى بعد زيادة صادراتها من الذهب.

واضطرت لرفع سعر الوقود على ثلاث دفعات، وأدى ذلك إلى اضطرابات شعبية تزامنت مع ثورات "الربيع العربي"، وانتهت في 2019 بإسقاط نظام البشير، الذي لم ينجده تحالفه مع السعودية والإمارات وإرساله لجيشه للقتال في اليمن.

مصر

تعتبر مصر مهد جماعة الإخوان المسلمين التي تأسست عام 1928 على يد حسن البنا، وانتشرت في عدة بلدان عربية، ورغم شعبيتها في بلدها إلا أنها لم تتمكن من الوصول إلى السلطة إلا في 2012، بعد فوز محمد مرسي برئاسة البلاد.

واكتسح "حزب الحرية والعدالة"، الذراع السياسية للإخوان، مقاعد البرلمان، حيث حصد 222 مقعدا أو ما يعادل أكثر من 43 بالمئة.

ولم يحكم الإخوان سوى عاما واحدا فقط، وخلاله تمت "شيطنتهم" من أطراف عدة، ووقفت ضدهم أغلب الأحزاب اليمينية واليسارية وحتى الإسلامية منها وعلى رأسهم "حزب النور" السلفي.

وخلال هذا العام، نجح الإخوان في حل أزمة الخبز، لكن الوضع الاقتصادي كان متأزما، ومعارك سياسية ضارية تخاض على أكثر من جبهة، وخصومهم كانوا يحشدون لمعركة حاسمة محذرين من "أخوَنة الدولة".

ولم تمهل القوات المسلحة الرئيس مرسي أكثر من عام في الحكم قبل أن تطيح به، وكان الجيش قد مهّد لذلك بمظاهرات شعبية، واقتحام لمقر جماعة الإخوان بالقاهرة، وشحن إعلامي وسياسي هائلين.

تونس

كانت تجربة حركة "النهضة"، أكثر جذبًا للانتباه، بحكم أن الربيع العربي انطلق من تونس في 17 كانون الأول/ ديسمبر 2010، وحمل معه راشد الغنوشي زعيم الحركة من المنفى إلى الحكم.

ورغم فوزها بالمرتبة الأولى في انتخابات المجلس التأسيسي عام 2012، بحصولها على 89 مقعدا من إجمالي 217، إلا أن "النهضة" اقتسمت الحكم مع حزبين يساريين.

وشكلت حركة "النهضة" أول حكومة بعد الثورة بقيادة حمادي الجبالي (2012 -2013)، ثم قاد علي العريض حكومة النهضة الثانية (2013-2014).

وواجهت حكومتا الجبالي والعريض، أزمات اقتصادية وأمنية صعبة، وتألبت عدة قوى سياسية ضدها سواء من المحسوبة على الثورة أو من بقايا النظام السابق، خاصة بعد اغتيال الناشطين السياسيين محمد البراهمي وشكري بلعيد.

وفي انتخابات 2014، تغير المشهد السياسي بالكامل، إذ خسرت النهضة 20 مقعدا، وتراجعت إلى المرتبة الثانية، بينما كاد حليفاها في الترويكا (المؤتمر من أجل الجمهورية، والتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات) أن يندثرا.

ورغم رفض حزب "نداء تونس"، بقيادة الباجي قايد السبسي، التحالف مع النهضة لتشكيل حكومة، إلا أنه اضطر في النهاية لضمها للحكومة ولو بتمثيل ضئيل لا يتناسب مع حجمها.

وأحنت حركة النهضة رأسها للعاصفة، واستغلت الصراع القائم بين الرئيس السبسي ورئيس حكومته يوسف الشاهد، لتقوي نفوذها تدريجيا، وانتظرت إلى غاية انتخابات 2019، التي دخلها حزب "نداء تونس" ممزقا، خاصة بعد وفاة مؤسسه.

وفازت "النهضة" بالمرتبة الأولى، رغم خسارتها 17 مقعدا آخر، وكان من المفروض أن يسمح لها ذلك بقيادة ائتلاف حكومي ولو عبر شخصية تكنوقراطية، لكن أحزاب الثورة رفضت التحالف معها، فتحولت الكرة إلى ملعب الرئيس.

إلا أن الحركة تمكنت من الفوز برئاسة البرلمان، الذي يمثل إحدى الأضلع الثلاثة للنظام في تونس، ولكن هذه المرة بالتحالف مع غريمها "قلب تونس"، بقيادة نبيل القروي.

وحكومة الرئيس، قيس سعيد الأولى، سقطت بعد اتهام رئيسها إلياس الفخفاخ، بتضارب المصالح، فتم تكليف وزير الداخلية هشام المشيشي، بتشكيل حكومة جديدة.

ووقفت حركة النهضة في صف المشيشي، بعد خلافه مع سعيد حول تشكيلة الحكومة، لكن الأخير قلب الطاولة على الجميع، وأصدر قرارات استثنائية، أقال بموجبها رئيس الحكومة، وجمد عمل البرلمان، وترأس النيابة العامة.

المغرب

على غرار حركة النهضة التونسية، كان صعود "حزب العدالة والتنمية" المغربي لرئاسة الحكومة نتيجة لموجة الربيع العربي، لكن كان للمملكة خصوصيتها، فالإصلاحات الدستورية التي أقدمت عليها وبالأخص إلزاميةُ أن يكون رئيس الحكومة من الحزب الفائز، سمحت لحزب العدالة والتنمية، ذو المرجعية الإسلامية، من قيادة الائتلاف الحاكم لأول مرة بعد الثورة.

وفاز حزب العدالة والتنمية في تشريعيات 2011، بـ107 مقاعد من إجمالي 395 (27 بالمئة)، ورفع حصته في انتخابات تشرين الأول/ أكتوبر 2016 إلى 125 نائبا (31 بالمئة).

ووجد زعيم الحزب حينها عبد الإله بنكيران، صعوبة في تشكيل حكومة جديدة، بسبب الانسداد في تشكيل حكومة ائتلافية تضم أحزابا ذات أهداف متضاربة، وبعد 6 أشهر من "البلوكاج"، أعفى الملك، محمد السادس، بنكيران وكلف القيادي الآخر في الحزب، سعد الدين العثماني بتشكيل الحكومة.

وقد يكون حزب العدالة والتنمية، أكثر الأحزاب الإسلامية في الوطن العربي استقرارا، وأقلها استهدافا من محور الثورات المضادة، بفضل المظلة الملكية التي توفر له نوعا من الحماية، لكنه بالمقابل لا يملك مساحة واسعة لتنفيذه برنامجه إلا في الإطار العام الذي تحدده الدولة العميقة.

ويتجلى ذلك في تطبيع الرباط علاقاتها مع إسرائيل، وتقنينها زراعة وتصدير الحشيش "لأغراض طبية"، وإدخال اللغة الفرنسية في المنظومة التربوية، وهي ملفات جدلية أثارت نقاشا ساخنا داخل الحزب، لكن الحكومة التي يقودها تبنتها، رغم تعارضها مع القيم التي سوقتها للناخبين في حملاتها الانتخابية.

ويستعد "العدالة والتنمية"، خلال الأسابيع القادمة، دخول الانتخابات التشريعية، على أمل الفوز للمرة الثالثة على التوالي بالأغلبية البرلمانية التي تتيح له تشكيل الحكومة.

التعليقات