"موت بطيء" لمرضى السرطان في لبنان... "هذا ذلّ"

حذّر المدير العام للأمن العام اللبناني، عباس إبراهيم، من الفوضى التي ستقع في البلاد إذا سقطت الدولة، وطالب عناصره العسكرية بالصمود في وجه أزمة تعصف بالبلاد، قال إنها قد تطول، لتُفاقِم أوجاع اللبنانيين، وبخاصّة المحتاجين منهم لأدوية طبية، عزّ وجودها في

مرضى السرطان يحملون لافتات خلال احتجاج ببيروت (أ ب)

حذّر المدير العام للأمن العام اللبناني، عباس إبراهيم، من الفوضى التي ستقع في البلاد إذا سقطت الدولة، وطالب عناصره العسكرية بالصمود في وجه أزمة تعصف بالبلاد، قال إنها قد تطول، لتُفاقِم أوجاع اللبنانيين، وبخاصّة المحتاجين منهم لأدوية طبية، عزّ وجودها في البلاد.

وفي نشرة توجيهية لعسكريي الأمن العام، قال المدير العام للأمن العام إن "لبنان يمر في حالة انعدام وزن سياسي واقتصادي، وحتى أمني وعسكري، من جراء الانهيار الكبير الذي ضرب الدولة وقوض مؤسساتها وأنهك مواطنيها". وكان يشير بذلك إلى الأزمة المالية الطاحنة التي تعصف بلبنان منذ عامين، وفقا لوكالة رويترز، وتفاقمت الشهر الحالي مع نفاد إمدادات المحروقات المستوردة، مما أدى إلى تقليص الخدمات الأساسية أو حتى توقفها وأشعل العديد من الحوادث الأمنية.
وأججت الأزمة قلقا دوليا إزاء الوضع في لبنان، الذي جمع شتاته بعد حرب أهلية دارت رحاها من عام 1975 إلى 1990، ولا تزال تعصف به انقسامات طائفية وحزبية.

وأشار اللواء إبراهيم إلى تأثير الأزمة على عسكريي الأمن العام، قائلا: "إن المديرية العامة للأمن العام تعلم، وعلى معرفة تامة، بكل ما تُعانونه من شظف العيش، شأنكم شأن شعبكم ورفاقكم في سائر المؤسسات العسكرية والأمنية، وهنا أؤكد لكم أن المديرية تولي هذا الأمر عناية خاصة على كل المستويات".

وأضاف أن "التأزّم الذي يمر به لبنان قد يطول، واجبكم الصمود والوقوف سدّا منيعا حماية لوطنكم وأهلكم وشعبكم، لأنه متى سقطت الدولة فستقع على الجميع بلا استثناء، والكل سيُصبح في عين الفوضى وعلى خط التوترات". وأشار أيضا إلى تأثر مختلف الأجهزة الأمنية والبلاد ككل بالأزمة وقال: "لقد أقسمتم على الخدمة والتضحية، كونوا أوفياء لقسمكم أمام الله ووطنكم، ثابروا على أداء واجبكم، تحلوا بالمناقبية العسكرية في تطبيق القوانين والتعليمات لرفع مناعة الدولة في وجه الظروف الصعبة التي يعاني منها جميع اللبنانيين، مدنيين وعسكريين".

أزمة قد تطول (أ ب)

وكان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، قد دعا، أمس، جميع الزعماء اللبنانيين "لتشكيل حكومة وحدة وطنية فاعلة بشكل عاجل"، وهو أمر لم يتمكنوا من تحقيقه على مدى عام، فقدت خلاله العملة الوطنية أكثر من 90 في المئة من قيمتها واتسع نطاق الفقر. ويقول المانحون الأجانب إنهم سيقدمون مساعدات للبنان فور تشكيل حكومة تشرع في إجراء إصلاحات تعالج الأسباب الجذرية وراء الانهيار.

وتسبب الانهيار الاقتصاديّ بأزمة شديدة أثرت على كل القطاعات، وأحدها القطاع الصحي الذي يفتقر لتوافر الأدوية والعلاجات لأمراض طفيفة، وبالتالي فإن المصابين بأمراض تحتاج أدوية خاصة، هم الأكثر تأثرا جراء الأزمة التي تعصف في البلاد.

ولم تتخيل ريتا يوما أن توفير الأدوية الضرورية لمتابعة علاجها من مرض السرطان سيؤرقها أكثر من إصابتها بداء ينهش جسدها منذ ثلاث سنوات، بعدما لم تسلم أدوية الأمراض المستعصية والمزمنة من تبعات الانهيار الاقتصادي.

وتقول ريتا (53 عاما) التي قالت وكالة "فرانس برس" للأنباء إنها فضلت استخدام اسم مستعار: "مريض السرطان أكثر من يتعذّب في الكون... العلاج أشبه بنار تدخل جسدك... وفوق ذلك كله علينا أن نبحث عن الدواء".

داخل مشفى في العاصمة بيروت (أ ب)

على وقع الأزمة الاقتصادية المتمادية التي يشهدها لبنان منذ نحو عامين وصنّفها البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ العام 1850، لم يبق قطاع بمنأى عن تداعيات الانهيار وبينها قطاع الاستشفاء والأدوية المستوردة بمعظمها من الخارج.

وأدى شحّ الأدوية الى ارتفاع ثمنها بشكل كبير جراء انهيار سعر صرف الليرة مقابل الدولار، وتفاقمت معاناة المرضى الذين باتوا بغالبيتهم عاجزين عن توفير علاجاتهم أو تحمّل كلفة شرائها.

وكانت وزارة الصحة، توفّر الأدوية لمن ليس لديهم ضمان صحي بشكل شبه مجاني ويستفيد منها كثر، بينهم ريتا التي تم تشخيص إصابتها بسرطان عنق الرحم قبل ثلاث سنوات، قبل أن يتمدد مؤخرا الى رئتيها ويسبّب لها مضاعفات صحية عدّة. لكنها لم تعد قادرة على ذلك بانتظام.

وتقول ريتا، وهي أم لثلاثة أولاد وتقيم في منزل شقيقها الذي يعيلها في منطقة الشوف، بينما تعرض مجموعة الأدوية التي تتناولها: "ذهب أخي إلى وزارة الصحة ليبحث لي عن دواء ولم يجده. لا أعلم ما يجب أن أفعل".

(أ ب)

وبعدما تفسّر بإسهاب مراحل علاجها وما رتّبه من التهابات في الدم والبول، عدا عن إصابتها مؤخرا بداء السكري، توضح بينما تجهش بالبكاء، أنها استدانت المال لتشتري الدواء مؤخرا من السوق.

وتسأل بحرقة: "إذا لم أتمكن من الاستدانة هذه المرة، ماذا أفعل؟ هل أنتظر حتى يحين دوري (للحصول على الدواء من وزارة الصحة) وتفوتني مرحلة من العلاج ويتفشّى السرطان أكثر؟".

وتضيف: "إذا لم يتوفر الدواء أموت..."، ثم تتابع بيأس "في الحالتين، (أنا) ميتة".

وبحسب تقرير نشره "المرصد العالمي للسرطان" المنبثق عن منظمة الصحة العالمية في آذار/ مارس 2021، سجل لبنان 28,764 ألف إصابة بمرض السرطان خلال السنوات الخمس الأخيرة، بينهم 11600 حالة عام 2020. إلا أن أطباء يوضحون أن عدد من يتلقون العلاج يتجاوز هذا الرقم باعتبار أن مدة علاج بعض المرضى قد تمتد لسنوات.

(أ ب)

ويوضح رئيس جمعية أطباء الدم في لبنان، البروفسور أحمد إبراهيم للوكالة، أن نحو ألفين إلى 2500 حالة لوكيميا، بالإضافة إلى أمراض لمفاوية تسجّل سنويا في لبنان، ولا يتوفر حاليا "إلا القليل من الأدوية التي تُستخدم في علاجها".

ويحذّر من أنّه "إذا لم يُتابع علاج هؤلاء بطريقة دوريّة، سيموت البعض منهم"، منوّها إلى أن "بعض المرضى كانوا يُشارفون على الشفاء وبلغوا مرحلة قرب انتهاء العلاج. وفجأة، قُطع عنهم الدواء".

ومنذ مطلع العام، يبحث اللبنانيون عبثا عن أدويتهم في صيدليات باتت رفوفها فارغة. وينشر مستخدمون لمواقع التواصل الاجتماعي يوميا، أسماء أدوية يحتاجونها من مسكنات الألم العادية، مرورا بأدوية الأمراض العادية والمزمنة. وبات كثر يعتمدون على أصدقائهم وأفراد عائلاتهم في الخارج لتأمين أدويتهم، بأسعار مرتفعة جدا، مقارنة مع السعر المحلي المدعوم، في وقت بات 78 في المئة من اللبنانيين يعيشون تحت خط الفقر.

واعتادت الشركات المستوردة، تقديم فواتير الاستيراد الى مصرف لبنان لتسديدها، في إطار سياسة الدعم. لكن مع شحّ الدولار وازدهار عمليات التهريب والاحتكار والتلاعب بالأسعار، بات يطلب موافقة مسبقة من وزارة الصحة على الأدوية التي يراد استيرادها على أن يسدّد الفواتير لاحقا، وهو ما أدى إلى تراكم مستحقات الشركات. وتوقفت الأخيرة تدريجيا عن الاستيراد.

وعلى وقع الأزمة، أعلن وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال، حمد حسن، الأربعاء الماضي عن عزم البنك الدولي ومؤسسات دولية؛ "تخصيص مبلغ 25 مليون دولار لشراء الأدوية المزمنة والمستعصية" لتوفيرها للبنانيين.

وترفع مبادرات وجمعيات عدّة الصوت، بينها جمعية "بربارة نصار" التي تعنى بدعم مرضى السرطان، وقد نظمّت، أمس الخميس، وقفة احتجاجية في بيروت شارك فيها عشرات المرضى للمطالبة بتأمين أدوية السرطان.

ويقول رئيس الجمعية هاني نصار: "تخيّلوا أنّه في لبنان يُطلب من مريض السرطان، مع كلّ همومه، أن ينزل إلى الشارع ويطالب بالدواء"، متسائلا: "ما ذنب المريض إذا كانت الدولة عاجزة عن ضبط الأزمة؟".

وينبّه إلى أن الخطورة تكمن في أن بعض المرضى "قد يفارقون الحياة لاحقًا" ما لم يتناولوا اليوم "أدوية تحمي أجسامهم من تفشّي أوسع للسرطان".

وبعد ثمانية أشهر من زواجها، علمت باتريسيا ناصيف (29 سنة) في نيسان/ أبريل أنّها مصابة بسرطان الثدي، وهو ما قلب حياتها رأسا على عقب بعدما كانت ترغب بأن تصبح أما.

(أ ب)

وتروي الشابة التي تتصفح صورا قديمة لها على هاتفها قبل أن تضع شعرا مستعارا، وتكسب وزنا جراء العلاج، كيف أنّها كثيرا ما "تفقد الأمل" وتسأل نفسها عمّا إذا كانت "ستعيش وإلى متى". وأكثر ما يقلقها حاليا هو كيفية توفير دواء تحتاجه خلال خضوعها لـ12 جلسة علاج ستبدأها قريبا، وهو حاليا مقطوع من السوق.

وتقول بقهر: "هذا ذلّ. من المحتمل أنّ يذهب كلّ المجهود الذي بذلناه سدىً ويعاود السرطان تفشّيه؟".

وتتابع: "كأنّهم يقولون لنا: ’موتوا على مهل’ لا أعلم ما إذا كانوا (المسؤولون) يريدون أن نموت أو نحيا. هم لا يسألون عن أرواحنا".

التعليقات