"العدالة والتنمية" المغربي: محاسبة ما بعد الصدمة... والتفريط

قررت الأمانة العامة لحزب "العدالة والتنمية" المغربي، اليوم الخميس، تقديم استقالة جماعية من مهامها، إثر الهزيمة المدويّة التي منيت بها مع تراجعها من القوّة الأولى في البرلمان خلال معركتين انتخابيّتين سابقتين إلى أحد الأحزاب الصغرى في البلاد اليوم.

(أ ب)

قررت الأمانة العامة لحزب "العدالة والتنمية" المغربي، اليوم الخميس، تقديم استقالة جماعية من مهامها، إثر الهزيمة المدويّة التي منيت بها مع تراجعها من القوّة الأولى في البرلمان خلال معركتين انتخابيّتين سابقتين إلى أحد الأحزاب الصغرى في البلاد اليوم.

واحتلّ الحزب، بشكل مفاجئ، المرتبة الثامنة بحصوله على 13 مقعدا نيابيا من أصل 395 مقعدًا.

وعقدت الأمانة العامة للحزب مؤتمرًا صحافيًا، مساء الخميس، تحمّلت فيه كامل المسؤولية السياسية عن المرحلة السابقة، وأعلنت الاستقالة مع الاستمرار في إدارة الحزب وفق النظام الداخلي.

وقالت الأمانة العامة إنّ النتائج المعلنة "غير مفهومة وغير منطقية ولا تعكس حقيقة الخريطة السياسية ببلادنا، ولا موقع الحزب ومكانته في المشهد السياسي وحصيلته في تدبير (إدارة) الشأن العام المحلي والحكومي والتجاوب الواسع للمواطنين مع الحزب خلال الحملة الانتخابية".

كما أعلنت أنها ستنضمّ للمعارضة باعتبارها "الموقع الطبيعي خلال المرحلة".

بينما دعا الجهاز التنفيذي للحزب المحسوب على الإخوان المسلمين إلى التعجيل بعقد مؤتمر وطني استثنائي للحزب في أقرب وقت ممكن.

وطالب الأمين العام للحزب ورئيس الوزراء السابق ذو النفوذ الواسع، عبد الإله بنكيران، لخلفه رئيس الوزراء الحالي، سعد الدين العثماني، بتقديم استقالته من قيادة الحزب، في حين تسود حالة من الإحباط في صفوف قواعد الحزب.

وأرجع مراقبون تراجع الحزب إلى "تليين خطه السياسي" منذ إعفاء بنكيران من رئاسة الحكومة، قبل خمسة أعوام.

وفقد الإسلاميون، عمومًا، الصدارة لصالح حزب "التجمع الوطني للأحرار"، المُصنّف ليبراليا، رغم أن الأخير شاركه الحكومة المنتهية ولايتها وسيّر فيها وزارات أساسية، مثل الزراعة التي يتولاها رئيسه عزيز أخنوش، الموصوف بأنه مقرّب من القصر، منذ 2007.

وخلافًا لما حدث مع الإسلاميين في مصر وتونس بعد الربيع العربي، يُعد "العدالة والتنمية" أول حزب إسلامي يغادر السلطة من خلال صناديق الاقتراع.

وربط أستاذ العلوم السياسية، إسماعيل حمودي، هذه الهزيمة المدوية و"المفاجئة" بـ"تليين الحزب خطه السياسي منذ إبعاد زعيمه السابق عبد الإله بنكيران"، عن رئاسة الحكومة في العام 2017.

وظلّ الحزب الإسلامي المعتدل يحقق نتائج تصاعدية منذ مشاركته في أول انتخابات برلمانية العام 1997، إلى أن وصل إلى رئاسة الحكومة من دون السيطرة على الوزارات الأساسية. وذلك في أعقاب احتجاجات حركة 20 فبراير 2011، التي طالبت "بإسقاط الفساد والاستبداد".

وبعد خمسة أعوام، استطاع الحفاظ على موقعه وفاز بانتخابات 2016 بفارق مهمّ عن أقرب منافسيه، بقيادة أمينه العام السابق عبد الإله بنكيران.

واشتهر الأخير بحضوره الإعلامي البارز وانتقاده المتواصل "التحكّم"، في إشارة منه إلى الدولة العميقة.

ويرى حمودي أن "الناخبين احتضنوا الحزب حينها، رغم استعمال المال وتدخل السلطة بالنظر للمقاومة التي كان يبديها بنكيران، بينما تخلوا عنه اليوم وعاقبوه".

ورغم فوزه بانتخابات 2016، لم يستطع بنكيران تشكيل حكومة ثانية مصرا على رفض شروط وضعها رئيس حزب التجمع، أخنوش، في أزمة سياسية استمرت أشهرًا، قبل أن يعفيه الملك ويعين بدله الرجل الثاني في الحزب، سعد الدين العثماني.

لنكيران (أ ب)
بنكيران (أ ب)

وقَبِلَ الأخير، مباشرةً، بعد تعيينه كافة شروط أخنوش، ما أظهر الحزب في صورة ضعيفة.

ورأى المحلل السياسي، مصطفى السحيمي، أن قبول العثماني تلك الشروط "كان من باب التوافق، لكنه اعتبر خضوعا من طرفه ما أضعفه منذ البداية"، وأضاف "اليوم أغلق قوس الإسلاميين، نحن أمام مرحلة جديدة بأحزاب لا تعارض أسس الحكم ولديها قرب من القصر".

وعلاوة على "التجمع الوطني للأحرار" الذي سيرأس الحكومة المقبلة، حافظ "الأصالة والمعاصرة" على المرتبة الثانية (82 مقعدا)، بعدما فشل في هزم الإسلاميين قبل خمسة أعوام.

من جهته، يشير أستاذ العلوم السياسية، أحمد بوز، إلى أن "انهيار" الإسلاميين في هذه الانتخابات يرتبط، أيضًا، "باستمرار الازدواجية لديهم بين شعارات قوية تخالف الممارسة".

ويخص بالذكر توقيع رئيس الحكومة المنتهية ولايته، سعد الدين العثماني، على اتفاق استئناف العلاقات بين المغرب وإسرائيل، أواخر العام الماضي، في مقابل اعتراف الولايات المتحدة بسيادة المملكة على الصحراء "بينما دان ذراعه الدعوي ذلك".

ويرتبط "العدالة والتنمية" بحركة "التوحيد والإصلاح" وهي جمعية دعوية نشيطة، تعتبر مناهضة التطبيع مع إسرائيل من شعاراتها الرئيسية.

ووجد الحزب نفسه، مرّة أخرى، في تناقض مع مواقفه المعلنة، عندما تبنى قانونا ينص على استعمال اللغة الفرنسية في التدريس، فيما خاض ذراعه الدعوي وأمينه العام السابق حملة ضد "استهداف" اللغة العربية.

وتكرّر الأمر مجدّدًا عندما تبنت الحكومة قانونا لإباحة زراعة القنب الهندي لأغراض طبية وصناعية، لكن نواب الحزب في البرلمان امتنعوا عن تبنيه بعد تهديد بنكيران بالاستقالة منه، بدعوى أن المشروع "شرعنة للمخدرات".

وعكست الخلافات انقساما واضحا بين خطّين، وأثّرت سلبًا على الاستعداد للانتخابات وفق حمودي، الذي لفت إلى تواري حركة "التوحيد والإصلاح" خلال الانتخابات وعدم دعوة أعضائها للتصويت لصالح الحزب.

وختم "في النهاية توجه العثماني وتيار الوزراء إلى الانتخابات معزولين".

التعليقات