بعد الانتخابات التشريعية العراقية: ما هي سيناريوهات تشكيل الحكومة؟

بعد ظهور نتائج الانتخابات التشريعية العراقية الأولية التي حلّ فيها التيار الصدري في الطليعة مع تراجع الكتلة الموالية لإيران، فُتحت الأبواب أمام لعبة المفاوضات لاختيار رئيس جديد للوزراء وتشكيل حكومة، يبدو أن مسارها سيكون معقدًا وطويلًا في ظل برلمان مشرذم.

بعد الانتخابات التشريعية العراقية: ما هي سيناريوهات تشكيل الحكومة؟

من فرز نتائج الانتخابات في العراق (أ ب)

بعد ظهور نتائج الانتخابات التشريعية العراقية الأولية التي حلّ فيها التيار الصدري في الطليعة مع تراجع الكتلة الموالية لإيران، فُتحت الأبواب أمام لعبة المفاوضات لاختيار رئيس جديد للوزراء وتشكيل حكومة، يبدو أن مسارها سيكون معقدًا وطويلًا في ظل برلمان مشرذم.

ولن تصدر النتائج النهائية الرسمية قبل أسابيع، ما يؤشر إلى تعقيدات. فما الذي يمكن توقعه لجهة اختيار رئيس الحكومة المقبل، وكيف ستتشكّل التحالفات؟ أي دور قد تلعبه إيران؟ وما هي قدرة مستقلين على التأثير بالوضع الراهن؟

لا يملك أي طرف أغلبية واضحة في البرلمان حتى الآن. ويبرز التيار الصدري كالكاسب الأول في الانتخابات مع حصده أكبر عدد مقاعد، وفق النتائج الأولية (70 من 329).

ويرى الباحث في مركز "كارنيغي" للأبحاث حارث حسن أن هناك سيناريوهين محتملين.

ويشرح أن السيناريو الأول يتمثل "بإحياء ‘التحالف الشيعي’ إذا بذلت جهود لإقناع أو إرغام الصدر على القبول بصيغة جديدة لتقاسم السلطة، مع مرشح تسوية كرئيس للوزراء، واتفاق على بعض ‘المبادئ’ الإصلاحية، مثل مستقبل وهيكلية الحشد الشعبي".

ويشير مصدر في تحالف "الفتح" الذي يمثل فصائل "الحشد الشعبي" الموالية لإيران، لـ"فرانس برس" إلى أن "قادة بارزين في الفتح اقترحوا على ممثل للتيار الصدري الدخول في تحالف مع كيانات شيعية بينها الفتح في البرلمان بغية تشكيل الحكومة المقبلة"، لكن ممثل التيار لم يرد على الاقتراح.

والسيناريو الثاني هو تحالف غالبية.

ويقول حسن إن "هذا السيناريو محتمل ما لم يخضع الصدر لضغوط من منافسيه الشيعة". وبالتالي، قد "يتجه إلى التحالف مع زعيم الحزب الكردستاني الديمقراطي مسعود بارزاني وزعيم تحالف ‘تقدّم’ السني محمد الحلبوسي وأحزاب صغرى". ومثل هذا السيناريو سيؤدي إلى تشكيل حكومة بسهولة.

لكن الباحثة في "مجموعة الأزمات الدولية"، لهيب هيغل، ترى أن التيار الصدري "لا يستطيع أخذ الدعم فقط من الأحزاب السنية والكردية، بل ينبغي أن يبدأ التوافق من البيت الشيعي أولًا".

ويرى حسن أن هذين السيناريوهين لا يلغيا احتمال حصول "تصعيد نحو نزاع مسلح وفوضى" في بلد تمتلك فيه غالبية الأحزاب جناحًا عسكريًا.

ورغم تراجعها، لا تزال القوى الموالية لإيران قادرة على تعزيز موقعها من خلال تحالفات أو انضمام مستقلين إليها، بالإضافة إلى نفوذها الناتج عن دعم طهران والسلاح. إذ يمكن أن تتحالف مع كتلة "دولة القانون" بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي المقرب أيضًا من إيران والتي فازت بنحو 35 مقعدًا.

وبعدما كان القوة الثانية في البرلمان السابق مع 48 مقعدًا، حاز تحالف الفتح نحو 15 مقعدًا فقط في انتخابات العاشر من تشرين الأول/أكتوبر، بحسب النتائج الأولية.

لا مرشحين واضحين حتى الآن، فقط تخمينات.

ويعتمد اختيار رئيس الحكومة على لعبة التحالفات بين الأطراف الأكبر حجمًا في البرلمان، وقدرتها على الضغط. وتطلّب اختيار رئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي، بعد استقالة سلفه عادل عبد المهدي على وقع الضغط الشعبي، خمسة أشهر.

ورغم أن مقتدى الصدر كرّر مرارًا رغبته في تعيين رئيس وزراء من تياره، لكن لا تعتقد هيغل أنه سيفعل ذلك في نهاية المطاف.

وترى أنه "لا بد أن يكون مرشح توافق".

وفي هذا الإطار "لا يزال مصطفى الكاظمي يملك حظوظًا قوية للبقاء في المنصب"، وفق حسن.

ولا يملك الكاظمي حزبًا، وهو ليس نائبًا منتخبًا. وترى هيغل أن هذه صفات "ملائمة"، لأن ذلك لا يضع الأحزاب في الواجهة مباشرةً.

وتضيف "ربما قد يقع الاختيار على شخص معروف في الوسط السياسي العراقي لكن لا يملك انتماء سياسيًا واضحًا".

رغم تراجع حلفائها المتمثلين خصوصًا بتحالف الفتح، يرى خبراء أن ذلك لن يؤثر بالضرورة على نفوذها في البلاد.

وتقول هيغل إن نتائج الانتخابات تعني أن "نفوذ إيران تراجع في البرلمان، لكنني لا أعتقد أن التوازن في البرلمان يعني كثيرًا بالنسبة لإيران التي أثّرت في السياسة العراقية منذ العام 2003... مع وجود تحالف الفتح ومن دونه". ودخل تحالف الفتح البرلمان في العام 2018.

وترى الباحثة أن النفوذ الإيراني سيبقى قائما، مشيرة إلى أنها "قد تخفض النبرة".

ويقول حسن إن اهتمام إيران بالعراق سيبقى "مرتبطًا بثلاث قضايا: إنهاء الوجود الأميركي في العراق وضمان عدم وجود أي تهديد ضدها قادمًا من العراق، واستدامة الحشد الشعبي، وأن تبقى السوق العراقية مفتوحة للبضائع الإيرانية".

وقد يفضل الإيرانيون إحياء "التحالف الشيعي"، كما قال "فهم لا يرون بالصدر عدوًا، لكنهم متنبهون لمخاطر جعله يهمين على المشهد الشيعي... قد يفضلون احتواءه تحت مظلة تحالف شيعي، مع الإقرار بأنه سيكون لديه صوت أقوى في تحديد من سيكون رئيس وزراء، وفي القضايا المتعلقة بالسياسة الداخلية".

وتمكنت حركة "امتداد" التي تقول إنها منبثقة من الحركة الاحتجاجية التي قامت في العام 2019، من كسب نحو تسعة مقاعد وفق النتائج الأولية، منها خمسة في الناصرية في جنوب البلاد حيث تركزت التظاهرات قبل عامين. وفاز كذلك عدد ممن يقدمون أنفسهم على أنهم مستقلون.

ما لم تبتلع الكتل السياسية الكبرى هؤلاء في تحالفاتها، قد "تشكّل معًا تكتلًا من قرابة 20 نائبًا" يمكن أن يلعب دور "معارضة قادرة على ترجيح كفة الميزان في التصويت على بعض القوانين"، كما تشرح هيغل.

ولتكون فاعلة "لا بد لتلك القوى أن تضع استراتيجية واضحة للإصلاح وتفعيل الرقابة البرلمانية والعمل في الوقت نفسه على بناء وتوسيع تنظيم ذي قاعدة شعبية والتنسيق مع المجموعات الاحتجاجية الأخرى التي لم تشارك في الانتخابات"، برأي حسن.

التعليقات