لبنان: "شباب 17 تشرين" يحصدون أولى ثمار ثورتهم

نشط طالب القانون الشاب اللبناني، شربل شعيا، البالغ من العمر 21 عاما، خلال الأيام التي سبقت الانتخابات النيابية في شوارع بيروت، كان يوزّع المنشورات التي تُروّج لمرشحين معارضين للسلطة من خارج الطبقة السياسية التقليدية، ومحاولا إقناع والديه بالتصويت لتغيير يحرّر

لبنان:

من احتجاجات تشرين الأول 2019 في لبنان (gettyimages)

نشط طالب القانون الشاب اللبناني، شربل شعيا، البالغ من العمر 21 عاما، خلال الأيام التي سبقت الانتخابات النيابية في شوارع بيروت، كان يوزّع المنشورات التي تُروّج لمرشحين معارضين للسلطة من خارج الطبقة السياسية التقليدية، ومحاولا إقناع والديه بالتصويت لتغيير يحرّر البلاد من قبضة الأحزاب والتكتلات الطائفية والعائلات المتجذرة.

وشربل هو واحد من أبناء جيل وجد في الانتخابات التي جرت في 15 أيار/ مايو فرصة لإحداث فرق وإن بسيط، في بلد منهك تتحكّم به أحزاب تقليدية منذ عقود مستفيدة من نظام قائم على المحاصصة بين الطوائف ويكثر فيه التوريث السياسي. وكان الشباب في 2019 محرّك الحركة الاحتجاجية التي طالبت برحيل الطبقة السياسية بكاملها متهمة إياها بالعجز وبالفساد.

ويقول شربل "يعتقد والدي أنني مثالي أكثر من اللزوم في طريقة تفكيري وأنه من المستحيل إحداث أي تغيير في البلد". وصوّت والده في الانتخابات لحزب القوات اللبنانية، أحد أبرز الأحزاب المسيحية المعارض بشدة لحزب الله والذي يشكّل جزءًا من المشهد السياسي في البلاد منذ الحرب الأهلية (1975-1990).

الناشط شربل شعيا في لقاء سابق مع بودكاست "صلب الموضوع"

يرفض شربل الانصياع لعدم إيمان والديه بالتغيير، ويقول "هناك هوة بين الأجيال. جيلنا يعرف جيدًا أن السياسة التقليدية القائمة على الطائفية لا تنفع بعد اليوم".

خلال التظاهرات غير المسبوقة في تشرين الأول/ أكتوبر العام 2019، رفع المحتجون شعار "كلن يعني كلن"، في إشارة إلى ضرورة الإطاحة بزعماء الأحزاب السياسية الحاكمة.

بعد مرور أكثر من عامين، وجد شربل وشبان كثر غيره في الانتخابات الفرصة المؤاتية لمواصلة تحركهم، فنشطوا في الترويج لمستقلين ومعارضين رفعوا شعارات تظاهرات 2019. وساهموا في إيصال 13 نائبًا مستقلًا على الأقل، بينهم طبيب عيون ومحامون ومهندس وأساتذة جامعيون، إلى البرلمان الذي بات يضم اليوم كتلًا غير متجانسة لا يحظى أي منها بأكثرية مطلقة.

رغم ذلك، لم يتغير المشهد السياسي بشكل جذري. فقد خسر حزب الله، القوة السياسية الأبرز في البلاد التي تمتلك ترسانة عسكرية، مع حلفائه الأكثرية البرلمانية، لكنه احتفظ مع حلبفته حركة أمل بكل القماعد المخصصة للطائفة الشيعية في البرلمان (27). وفاز حزب القوات اللبنانية، أبرز خصومه، بمقاعد إضافية وبات يشكل كتلة وازنة.

في دائرة الشوف - عاليه الانتخابية، حقّق شربل مراده، إذ فاز ثلاثة مرشحين من لائحة "توحدنا للتغيير" التي صوت لها، وبينهم الأستاذ الجامعي، مارك ضو.

ويقول ضو (43 عامًا) إن شبانًا في العشرينات شكلوا جزءًا مهمًا من الحملة الانتخابية للائحته. ويضيف "نحن نتحدث لغة مختلفة عن الأحزاب التقليدية. لا نتحدث بلغة طائفية، ولذلك أحبّنا الناس".

وإن كان من الصعب تحديد نسبة الشباب من الناخبين، إلا أنه من الواضح عبر متابعة وسائل التواصل الاجتماعي، أن الجيل الجديد أبدى دعمًا كبيرًا للنواب المستقلين على حساب الأحزاب التقليدية، وفق ما يقول رئيس مجلس إدارة "ستاتيستيكس ليبانون" ربيع الهبر.

ويرى كثيرون في دخول النواب المستقلين الجدد إلى البرلمان تحولًا ملحوظًا جاء بوجوه جديدة في بلد احتفظ فيه مسؤولون بمناصبهم لعقود وآخرون ورثوا المسؤولية والحكم وحتى النيابة عن آبائهم وعائلاتهم.

ويقول النائب الجديد طبيب العيون، إلياس جرادة (55 عامًا) إن "أجمل ما رأيت يوم الانتخابات خلال جولتي على مراكز الاقتراع هو أن كل من أتى إلى خيمنا وقالوا إنهم انتخبوا لائحتنا هم من الشباب والشابات من كل الأطراف والأديان والفئات السياسية".

قائمة "معًا نحو التغيير" التي عبرت نسبة الحسم ونجح الشاب فراس حمدان والطبيب إلياس جرادة (gettyimages)

وجرادة واحد من نائبين فازا في دائرة الجنوب الثالثة، أحد معاقل حزب الله الذي لم ينجح أحد في خرق لوائحه مع حلفائه في هذه المنطقة منذ دخوله البرلمان العام 1992.

ويتوجه جرادة للشباب بالقول "رجاء ألا تيأسوا، لا تتركوا البلد، ابقوا هنا. واجبنا أن نبني لكم وطنًا".

واعتاد كارل (30 عامًا) في استحقاقات سابقة أن يضع ورقة بيضاء في صندوق الاقتراع، لكن ليس هذه المرة.

ويدعم والدا كارل التيار الوطني الحر بزعامة رئس الجمهورية الذي خسر عددا من المقاعد في البرلمان. أما هو فاختار لائحة تضم تحالفًا لنواب مستقلين ومعارضين انبثقوا من تظاهرات 2019.

لم تفز لائحة المستقلين كما كان متوقعًا في منطقة تخضع بشكل كبير لنفوذ حزب الله وحلفائه وغالبًا ما يتعرض معارضون فيها للترهيب وعائلات لضغط للبقاء على ولائهم للحزب.

ويقول كارل "صحيح أنه كان هناك منحى عام من الشباب لاختيار المستقلين، لكن الجيل القديم ينقل أيضًا صدمات الحرب لأطفاله".

وتحظى الأحزاب التقليدية أيضا بمناصرين شباب.

في الجنوب أيضا، فشل سامي (21 عامًا) في إقناع والديه بعدم التصويت للائحة حزب الله وحركة أمل برئاسة رئيس مجلس النواب، نبيه بري. ويقول لـ"فرانس برس" إنني "شعرت أن والدتي اقتنعت، لكن أمرًا ما يجعلها تتراجع في كل مرة لتعود لمعتقداتها".

لم يتوقع سامي أن يخرق المستقلون بنائبين في دائرة جنوبية.

ويقول "لم يكن هناك أي مجال لطرح بديل عن الأحزاب في منطقتنا. انتخاب مستقلين يخلق على الأقل مساحة ضرورية للنقاش".

التعليقات