السودان: 5 قضايا عالقة تؤجل الاتفاق السياسي بين الجيش والقوى المدنية

القضايا هي: العدالة الانتقالية، والإصلاح الأمني والعسكري، ومراجعة وتقييم اتفاق السلام، وتفكيك نظام 30 حزيران/يونيو 1989، وقضية شرقي السودان

السودان: 5 قضايا عالقة تؤجل الاتفاق السياسي بين الجيش والقوى المدنية

(Gettyimages)

لا يزال الاتفاق السياسي المبرم مرهونا بخمس قضايا عالقة، في الوقت الذي تتواصل فيه الاحتجاجات المطالبة بحكومة مدنية ورفضا للتسوية السياسية بين المكون العسكري والقوى المدنية.

ويأمل السودانيون إنهاء أزمة بلادهم وتشكيل حكومة مدنية جديدة منذ إجراءات لقائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، في 25 تشرين الأول/أكتوبر 2021، والتي حل فيها مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين وأعلن حالة الطوارئ.

وقبل إجراءات البرهان، بدأت بالسودان في 21 آب/أغسطس 2019 مرحلة انتقالية كان مقررا أن تنتهي بإجراء انتخابات مطلع 2024 ويتقاسم خلالها السلطة كل من الجيش وقوى مدنية وحركات مسلحة وقَّعت مع الحكومة اتفاق سلام جوبا عام 2020.

وازداد الترقب للحكومة الجديدة بعد انفراج في الأزمة عقب توقيع "اتفاق إطاري" في كانون الأول/ديسمبر 2022، بين مجلس السيادة العسكري الحاكم ومجموعة من القوى المدنية بقيادة "قوى الحرية والتغيير" (الائتلاف الحاكم السابق) التي أطاح بها البرهان في 2021.

ولاستكمال الاتفاق اتفقت الأطراف على بداية "عملية سياسية نهائية" للتوصل إلى حلول شاملة للأزمة، تشمل مباحثات بشأن 5 قضايا عالقة هي: العدالة والعدالة الانتقالية، والإصلاح الأمني والعسكري، ومراجعة وتقييم اتفاق السلام، وتفكيك نظام 30 حزيران/يونيو 1989، وقضية شرقي السودان.

الإطار التالي يلقي الضوء على هذه القضايا العالقة التي ظلت محل خلافات بين الأطراف السودانية الموقعة على الاتفاق السياسي وكذلك القوى الرافضة له.

تفكيك نظام البشير

استطاعت الأطراف الموقعة على الاتفاق الإطاري مناقشة قضية واحدة فقط من الخمس العالقة، وهي تفكيك نظام 30 حزيران/يونيو 1989 (نظام الرئيس المعزول عمر البشير: 1989- 2019).

في 9 كانون الثاني/يناير الجاري، عُقد مؤتمر لمناقشة تفكيك نظام البشير الذي لا ينشأ خلاف كبير بشأنه بين الأطراف المدنية والعسكرية، وتمثل استعادة أموال وأملاك عناصر النظام السابق نقطة اتفاق بين الموقعين على الاتفاق الإطاري.

والقوى الموقعة على الاتفاق هي إعلان الحرية والتغيير (المجلس المركزي)، وقوى سياسية أخرى (الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل، المؤتمر الشعبي) ومنظمات مجتمع مدني، وحركات مسلحة تنضوي تحت لواء "الجبهة الثورية".

وترفض الاتفاق قوى الحرية والتغيير (الكتلة الديمقراطية) التي تضم حركات مسلحة بقيادة جبريل إبراهيم، ومني أركو مناوي، وقوى سياسية مدنية أخرى، بالإضافة إلى الحزب الشيوعي، وتنسيقيات لجان المقاومة (نشطاء)، وتجمع المهنيين السودانيين (نقابي).

وبعد نهاية مؤتمر تفكيك نظام البشير، قال متحدث العملية السياسية النهائية خالد يوسف عمر في تصريحات إعلامية، إن لجنة صياغة تعمل على إحكام توصيات المؤتمر تمهيدا لإعلانها وتحويلها إلى نصوص تضمن في الاتفاق النهائي.

العدالة والعدالة الانتقالية

القضية الثانية العالقة بين أطراف الأزمة هي "العدالة والعدالة الانتقالية"، وهي وفق كثيرين ضرورية لأنها تمثل أولوية في أي استقرار مستقبلي، كما أنها تتصل كما يقول قانونيون بإنهاء حالة الإفلات المستمرة من العقاب.

وتبدو القضية معقدة باعتبار أن هذه المظالم تمتد منذ انقلاب 1989 وحتى تاريخ توقيع الاتفاق الإطاري في كانون الأول/ديسمبر 2022، وتشمل ضحايا كثر في كل أنحاء البلاد، بما فيهم ضحايا الحروب بولايات دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان، والتي استمرت عشرات السنوات.

ويضاف إليهم ضحايا الاحتجاجات الشعبية منذ كانون الأول/ديسمبر 2019 عند اندلاع المظاهرات ضد نظام البشير، مرورا بحقوق ضحايا الاحتجاجات عقب إجراءات قائد الجيش عبد الفتاح البرهان في تشرين الأول/أكتوبر 2021، والذين بلغ عددهم نحو 122 قتيلا بالإضافة إلى آلاف الجرحى، بحسب لجنة أطباء السودان المركزية.

وترى قوى الحرية والتغيير أن هذه القضية تتطلب مشاركة واسعة من أسر الشهداء والضحايا وأصحاب المصلحة لأنهم هم أصحاب الحق في تحقيق العدالة أو العفو عن الجناة، بينما يؤكد العسكريون أنهم مع تحقيق العدالة دون الخوض في تفاصيل كيفية تحقيق ذلك.

إصلاح الأجهزة العسكرية

إصلاح الأجهزة أحد القضايا الأكثر تعقيدا والتي ربما تنسف الاتفاق الإطاري بأكمله وفق مراقبين، باعتبار أن المؤسسة العسكرية تقر بضرورة الإصلاح داخلها لكنها ترفض تدخل المدنيين والسياسيين في عملية الإصلاح باعتباره شأنا عسكريا.

وطالب قائد الجيش عبد الفتاح البرهان أكثر من مرة وحتى بعد توقيع الاتفاق الإطاري، من السياسيين الابتعاد عن الحديث عن الجيش وإصلاحه، كان آخرها في 15 كانون الثاني/يناير الجاري، عندما طالب جميع السياسيين بالانشغال بترتيب أحزابهم، مطالبا إياهم بعدم التحدث في شؤون الجيش.

وتطالب القوى السياسية والمدنية بأن يكون في البلاد جيش واحد قومي ومهني، لا يتدخل في السياسة.

مراجعة اتفاق سلام جوبا

بعد عزل الرئيس عمر البشير عن الحكم وانطلاق فترة انتقالية جديدة في آب/أغسطس 2019 تم الوصول إلى "اتفاق سلام جوبا" عام 2020 مع الحركات المسلحة التي كانت تحارب الخرطوم.

وبموجب اتفاقية السلام التي وقعت في عاصمة جنوب السودان "جوبا"، أصبحت للحركات المسلحة مشاركة في السلطة السياسية في الخرطوم، بجانب ترتيبات أخرى.

غير أن الاتفاق لم يكتمل تنفيذه على الوجه المطلوب، ما دفع الكثير من الأحزاب للدعوة لمراجعته، لا سيما أن الاتفاق لم يشمل كافة الحركات المسلحة وعلى رأسها "حركة تحرير السودان" بقيادة عبد الواحد نور و"الحركة الشعبية" بزعامة عبد العزيز الحلو.

ولهذا فإن هذه التعقيدات فرضت على الاتفاق الإطاري الأخير أن يكون "اتفاق سلام جوبا" أحد القضايا العالقة التي تحتاج إلى حل في الاتفاق النهائي للأزمة السودانية.

ويزيد الأمر تعقيدا أن حركتين رئيسيتين من الموقعين على اتفاق "سلام جوبا" وهما "حركة تحرير السودان" بقيادة أركو مناوي و"حركة العدل والمساواة" بقيادة جبريل إبراهيم، ترفضان التوقيع على الاتفاق الإطاري وتشترطان صيغة جديدة للاتفاق تضم أطرافا أخرى.

حركتا مناوي وإبراهيم المشاركتان حاليا في السلطة بجانب العسكريين، ترفضان الاتفاق الإطاري لكونه لا يحقق إجماعا شاملا لكل القوى السياسية، ولا تزالان تصفانه بـ"الاتفاق الثنائي" بين العسكريين و"قوى الحرية والتغيير".

قضية شرقي السودان

تأخذ آخر القضايا العالقة بعدا مطلبيا وقبليا في بعض الأحيان، وتكمن معضلتها في مطالبة جزء كبير من مكونات إقليم شرقي السودان بإلغاء ما يعرف بـ"مسار شرق السودان" في اتفاق سلام جوبا.

ولم يثمر الحوار بين الأطراف السودانية بشأن هذه القضية إلى أي حل، وترى "قوى الحرية والتغير" أن قضية شرقي السودان غير معقدة ويمكن حلها بسرعة بمشاركة أصحاب المصلحة.

و"مسار الشرق" هو اتفاق موقع بين الحكومة وفصيلين من شرقي السودان، "مؤتمر البجا المعارض" و"الجبهة الشعبية للسلام والتحرير والعدالة"، وينص على تمثيل الفصيلين بـ30% في السلطة التنفيذية والتشريعية بالإقليم، لكنه لم ينفذ حتى الآن.

وترفض قوى في شرق السودان هذا المسار وتطالب بإلغائه، وعلى رأسها "المجلس الأعلى لنظارات البجا" (قبلي)، كما أن المجلس نفذ عدة إغلاقات لميناء بورتسودان، احتجاجا على ما يصفه بـ"تهميش تنموي ورفض مسار الشرق ضمن اتفاق السلام الموقع في جوبا عام 2020".

التعليقات