الاتفاق النووي الإيراني.. بلغة سهلة

ما أن أعلن المفاوضون الدوليون في فيينا أنهم توصلّوا لاتفاق مقبول على جميع الأطراف، حتّى عمّت الاحتفالات طهران ومدنًا إيرانيّة أخرى، وبدا الرئيس الأميركي ونظراؤه الأوربييّن يهشّون ويبشّون، وعلّقت نشرات الأخبار برامجها لتُعلن النبأ على المَ

الاتفاق النووي الإيراني.. بلغة سهلة

ما أن أعلن المفاوضون الدوليون في فيينا أنهم توصلّوا لاتفاق مقبول على جميع الأطراف، حتّى عمّت الاحتفالات طهران ومدنًا إيرانيّة أخرى، وبدا الرئيس الأميركي ونظراؤه الأوربييّن يهشّون ويبشّون، وعلّقت نشرات الأخبار برامجها لتُعلن النبأ على المَلَأ؛ لكّننا ككثيرين تابعوا الخبر، نعرف أن المفاوضات شاقّة وصعبة، ونعرف أن إنجازًا هامًا تحقّق لكن ما هو؟

الهدف الأساسي من المفاوضات كان ردع إيران سلميًا من الوصول للقنبلة النوويّة ووضع مراقبة مكثّفة على كافّة المفاعلات النوويّة الإيرانيّة بما فيها نتانز وفاردو التي حامت شُبهات العسكرة حولهما طوال الفترة المنصرمة؛ وتحقّق للولايات المتحدة ومن خلفها أعضاء الوفد المفاوض ذلك بمقابل رفع العقوبات عن إيران والإفراج عن أموالها التي تقدّر بأكثر من 120 مليار دولار كافية لإنعاش اقتصادها المنهك.

حاولنا في هذا المقال الابتعاد قدر الإمكان عن اللغة العلمية المعقّدة، ولأن الملف الذي شغل العالم بأسره وحبس أنفاسه مرارًا خشيةً من عمل عسكري قد يشعل المنطقة، لا يحتاج لخبير في الفيزياء النوويّة ليفهمه أو حامل شهادة دكتوراة في الاقتصاد ليحلّل المنافع الاقتصاديّة لطهران.

أجهزة الطرد المركزي

البند: يُسمح لإيران أن تمتلك 6000 جهاز طرد مركزي، تستطيع لتخصيب اليورانيوم في 5060 منها في منشأة نتانز، الـ 1000 الباقية تكون في منشأة فوردو، ويمكن استخدامها في الأبحاث النووية غير الانشطارية. يمكن لإيران أن تستخدم فقط الجيل الأول من أجهزة 1R-1 للطرد المركزي، وعليها أن تتخلى عن الأنواع الأخرى؛ لكن بعد عدة سنوات، يسمح لإيران باستخدام أجهزة أكثر تطورًا.

بلغة بسيطة: في اللغة الكيميائية، أجهزة الطرد المركزي هي الأجهزة التي تستخدم في تخصيب اليورانيوم، والذي يعني تحويل اليورانيوم من مادة طبيعيّة لا فائدة لها إلى وقود نووي له استخدامات علميّة وعسكريّة إذا ما تم تخصيبه لفترة كافيّة وبنسبة عاليّة، وإذا ما خُصّب بدرجة عالية جدًّا فإن تصنيع القنبلة النوويّة سيكون يسيرًا وشيكًا. إيران تملك حاليًا 20000 جهاز طرد مركزي، ستتخلّى، مرغمةً وفق للاتفاق النووي عن معظمها، وحتّى الجزء المتبقي لديها فسيكون فقط من الجيل الأول لأجهزة الطرد المركزي، أي الجيل القديم جدًا والبالي من معدّاتها والذي بالكاد يكفي للطاقة السلميّة.

ماذا يعني ذلك؟ يعني ذلك أن القدرة النوويّة للبرنامج الإيراني لن تتجاوز في أقصى قدراتها التخصيب السلمي لليورانيوم، بأجهزة طرد قديمة جدًا بكفاءة رديئة مقارنة بالجيل الرابع التي أعلنت طهران عنه مسبقًا، ببرنامج نووي محدود جدًا من ناحية القدرة على انتاج وقود نووي لسنوات طويلة؛ ما يعني أنه حّتى بعد انتهاء أمد الاتفاق وخرقه فإن طهران لن تستطيع بسهولة إعادة بناء برنامجها النووي من جديد كما كان عليه قبل الاتفاق.

 مخزون اليورانيوم:

البند: تتخلص إيران من جلّ مخزونها من اليورانيوم المخصب، لتقلّله من 10000 كيلوجرام إلى نحو 300 كيلوجرام فقط.

بلغة بسيطة: على إيران أن تتخلّى عن 97% من مخزونها النووي.

ماذا يعني ذلك؟ يعني ذلك أن الوقود النووي الذي ستملكه طهران أقل بكثير جدًا إذا ما قورن بالكميّات التي كانت تملك من قبل، فإذا قرّرت إيران في أي وقت من الأوقات خرق الاتفاق 'والعودة لعسكرة برنامجها النووي' نحو صناعة القنبلة النوويّة، فإن قدراتها النوويّة ستكون محدودة جدًا، خصوصًا وأنها ستحتاج لاستيراده من دول أخرى حيث أنها لا تملك اليورانيوم في البلاد.
ما يعني أنها لو أرادت خرق الاتفاق والبدء في اليوم التالي لصناعة قنبلة نوويّة وسخّرت كل مقّدرات الدولة لذلك فسيكون أمامها عام كامل لصناعة القنبلة (بدل شهرين حتّى أمس القريب)، ما يعطي المجتمع الدولي وقتًا كافيًا لردعها، لو عسكريًا.

رفع العقوبات

البند: يتعين على إيران الإيفاء بالتزاماتها الأولية بحلول منتصف أكتوبر، تتحقق الوكالة الدولية للطاقة الذرية من التزام إيران بحلول منتصف ديسمبر. بمجرد أن يتم التأكد من وفاء إيران بالتزاماتها، تبدأ الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بإزالة العقوبات المتعلقة بالطاقة النووية على إيران.

بلغة بسيطة: القوى الكبرى، رغم الاتفاق مع إيران، فإن العلاقة بينهما مبنيّة على التحقّق وليس على الثّقة العمياء، وقبل كل مرحلة هنالك عمليّة للتأكد من تلبية إيران للشروط الدوليّة، والتأكد سيستغرق عدّة أشهر، وبعد التأكّد سيبدأ الرفع السريع للعقوبات عن إيران، لكن الاقتصاد الإيراني لن يشعر بالفرق الا بعد ربيع العام المقبل.

ماذا يعني ذلك؟ المسألة الأهم لإيران حاليًا هو رفع العقوبات، لبدء إصلاح اقتصادي شامل في البلاد بعد أعوام من العقوبات التي أنهكت كاهل البلاد والعباد؛ لكن رفع العقوبات، الذي جاء كمفاجأة، لن يتمّ إلا في مقابل تنازل إيران عن الجزء الأعظم من برنامجها النووي والخضوع في كل وقت وحين لعمليّات تفتيش من قبل الدول العظمى (سيسمح لعلماء أميركيين بالدخول المفاعلات النوويّة الإيرانيّة!)، إذا تم التحقّق من وفاء إيران بالتزاماتها، فإن رفع العقوبات سيكون سريعًا جدًا.

 إعادة العقوبات:

البند: إذا شك أحد الأطراف بأن إيران تنتهك الاتفاق، فإن بإمكانه أن يتقدم بشكوى إلى لجنة من ثمانية أعضاء (مكونة من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا والصين وإيران نفسها والاتحاد الأوروبي) للمراجعة. يكون أمام اللجنة 35 يومًا على الأقل لحل الشكوى، ولكن قراراتها ليست ملزمة. إذا لم يعجب قرار اللجنة الطرف المتقدم بالشكوى، فإنه يستطيع أن يطلب من مجلس الأمن بالأمم المتحدة التصويت على عملية رفع العقوبات، إذا فشل التصويت، أو إذا نقضته الولايات المتحدة، فإن العقوبات تعود إلى مكانها.

بلغة بسيطة: ولأننا كما أسلفنا في البند السابق، الاتفاق مبني على التأكد لا الثقّة فإن أي أحد من الدول التي تعتقد أن إيران تنتهك الاتفاق المبرم فمن حقّها أن تقدّم شكوىً لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. العقوبات سوف تعود فور عدم توفّر الأغلبية لرفعها ولم تستخدم الدول الكبرى الفيتو لنقضها؛ بما معناه إذا ظنّت الولايات المتحدة (مجرد ظن!) فإن العقوبات على إيران ستعود العقوبات بشكل سريع على إيران، ولو نظريًا.

ماذا يعني ذلك؟ أن الولايات المتحدة متى استشعرت أن إيران تحاول الانقلاب على الاتفاق، أو أن هنالك تغييرًا في سياسة النظام في البلاد فإنها ستستخدم هذا البند للضغط على طهران وإعادة العقوبات عليها، وهذه رسالة إلى إيران: لا تفكّري بالاحتيال.

 المنشآت النوويّة:

البند: يتم السماح لإيران باستخدام منشآتها النووية في نطنز لتخصيب اليورانيوم. كما يمكنها استخدام منشآتها في فوردو لإجراء الأبحاث في مختبرات الفيزياء النووية، لكن لا يسمح بتواجد أي مواد انشطارية هناك.

بلغة بسيطة: حتّى تلك المفاعلات التي كانت سريّة جدًا في يوم من الأيام فإن طهران تستطيع اليوم استخدامها على رؤوس الأشهاد، بما في ذلك المصنوعة من جدران ثقيلة لحمايتها من الهجمات. منشأة نتانز يمكنها الاستمرار كالمعتاد، وربما بشكل أسهل، في صناعة الوقود النووي، أما منشأة فوردو فإنها ستكون منشأةً للأبحاث على نطاق محدود فقط.

ماذا يعني ذلك؟ لم يرد المرشد الأعلى في إيران إغلاق أي مفاعل نووي، فتلك مسألة كرامة بالنسبة اليه، لذلك اضطرت إيران أن تفصح عن كافّة مفاعلاتها النوويّة لصالح القوى الدوليّة ما يعني دخولها ضمنًا في الاتفاق الذي ينص على المراقبة الدوريّة للمفاعلات الإيرانيّة. وإن أقصى ما تستطيع إيران القيام به في تلك المنشآت هو البحث فقط، البحث دون تخصيب منخفض حتّى.

مصنع البولوتونيوم في أراك

البند: يتعين على إيران أن تعيد بناء مصنع البولوتونيم في أراك بحيث يستعمل فقط في صناعة البولوتونيوم المخصص لمجال الطاقة. إنها ممنوعة من استخدام مفاعلات تعمل بالماء الثقيل.

بلغة بسيطة: تقول الإشارات أن إيران قامت بالماضي بتخصيص منشأة أراك لصناعة وتخزين البلوتونيوم الذي قد يستخدم في تطوير الأسلحة النوويّة، على إيران استخدامه فقط، تحت إشراف دولي، لصناعة الوقود فقط.

ماذا يعني ذلك؟ يمكن صناعة القنبلة النوويّة عن طريق عنصرين فقط: اليورانيوم أو البولوتونيوم، كل البنود السابقة حدّدت كيف يكون التصرّف باليورانيوم ونسب تخصيبه العليا، أما هذا البند فيجبر إيران على تحويل كافّة البولوتونيوم كوقود لمحطّات الطاقة، ما يعني إخراجه من المعادلة نهائيًا.

عمليّات التفتيش

البند: مفتشو الوكالة الدولية للطاقة الذرية يسمح لهم بالدخول إلى جميع المواقع النووية الإيرانية ومناجم اليورانيوم والمطاحن ومصانع الطرد المركزي وخطوط الإمداد. تراقب الوكالة التقنيات ذات الاستخدام المزدوج. كما يمكنها تفتيش أي موقع تشتبه فيه. الأمر الهام هنا أن بعض المواقع عسكرية، لهذا يُسمح لإيران أن تقرر كيف للمفتشين أن يقوموا بتحرياتهم في تلك الأماكن.

بلغة بسيطة: يحق للمفتّشين الفحص بانتظام جميع الأماكن التي يُجرى فيها تخصيب لليورانيوم أو البولوتونيوم، حتّى تلك المشكوك فيها، مع المحافظة على سيادة الدولة على مواقعها العسكريّة.

ماذا يعني ذلك؟ يعني ذلك أن الدول الكبرى ستكون ذات مقدرة على تفتيش مطاحن اليورانيوم ومخازنه، وليس المفاعلات فقط، وهذا يعني مراقبة شاملة لكميّات اليورانيوم (حتّى غير المخصّب) في البلاد، وفي حين انخفاضه فذلك يعني أن إيران تقوم ببرنامج عسكري سرّي أو أنها قامت بتسريبه لدول أخرى، مع قدرة المفتّشين على كشف النشاط النووي الزائد لإيران وحلفائها.

التعليقات