الانتخابات الإسبانية: تقشف اليمين مقابل مغامرات اليسار

أظهر الناخبون الإسبان تمسكهم بسياسة التقشف كحل للأزمة الاقتصادية، عقب انتخابهم أمس، الأحد، وللمرة الثالثة على التوالي (2011، 2015، 2016)، زعيم الحزب الشعبي اليميني، رئيسَ حكومة تسيير الأعمال، ماريانو راخوي.

الانتخابات الإسبانية: تقشف اليمين مقابل مغامرات اليسار

الاحتفال بالفوز (رويترز)

أظهر الناخبون الإسبان تمسكهم بسياسة التقشف كحل للأزمة الاقتصادية، عقب انتخابهم أمس، الأحد، وللمرة الثالثة على التوالي (2011، 2015، 2016)، زعيم الحزب الشعبي اليميني، رئيسَ حكومة تسيير الأعمال، ماريانو راخوي، في أول انتخابات مبكرة تشهدها البلاد، منذ العهد الديمقراطي فيها.

وتصدّر "الحزب الشعبي" الأصوات بنسبة 33%، في انتخابات شارك فيها أكثر من 24 مليون ناخب إسباني، وهي الثانية التي يصوتون فيها خلال 7 أشهر، بعد أن عجزت الأحزاب عن تشكيل تحالف سياسي، عقب انتخابات كانون أول/ديسمبر 2015، وهو ما يعني عدم ثقتهم في حزب "بوديموس" اليساريّ المناهض للتقشف، والذي توقعت استطلاعات الرأي، حصوله على نسبة 25%، ما يمكّنه من الحلول في المرتبة الثانية والدخول في تحالف يساري وتشكيل الحكومة.

"يحاول الإسبان إرسال رسائل بأنهم غير مستعدين لمغامرات اليسار، العالم يعاني من الكثير من الأزمات، وأيّة مغامرة قد تدخلنا نفقًا"، بهذه العبارة علقت "ماريا لوبيث" (62 عامًا)، وهي تتابع فرز النتائج عبر التلفزيون الرسمي داخل منزلها القريب من ملعب "سانتياغو برنابيو" الشهير، وسط العاصمة، مدريد.

وأضافت لوبيث أن "الانتخابات مثل مباراة لكرة القدم، الهزيمة والفوز يحملان رسالة، أحببت كثيرًا رسائل اليسار العابقة بالأحلام، لكنني، وأنا أصّوت، كنت مسؤولة عن وضع حد للتفاؤل، ومواجهة الواقع الذي يستطيع اليمين التصدي له بجدارة".

أمّا بابلو غونثالس (67 عامًا)، وهو يتابع نتائج الانتخابات، على شاشة عملاقة في تجمع لمناصري الحزب اليميني الحاكم، في حي كارابانتشا "عقب انتخابات ديسمبر الماضي، اعتذر رئيس الحكومة المنتهية ولايته عن تشكيل الحكومة (راخوي)، لأن الآخرين رفضوا التحالف معنا، إنهم غاضبون من سياسة التقشف التي ينتهجها حزبنا، والتي تؤدي إلى اقتطاعات في ميزانيات الصحة والتعليم والمساعدات الاجتماعية، لكن لولا الصرامة لما خرجنا من الأزمة الاقتصادية (2008-2014)".

وأظهرت النتائج الرسمية للانتخابات فوز الحزب اليميني المنتهية ولايته، بزعامة راخوي، على نسبة 33.03%، بواقع 137 نائبًا من أصل 350 هم عدد أعضاء البرلمان الإسباني، محققًا قفزة هامة، بعد أن زاد رصيده بـ 14 نائبًا عن نتيجته التي حققها بالانتخابات الماضية في ديسمبر 2015، والتي حصد فيها 123 نائبًا فقط، حيث صوت له 7 ملايين مواطن و905 ألف و973 شخصًا.

وأبرزت نتائج الانتخابات الأخيرة أن الناخب تخوّف من تغييرات كبيرة غير مضمونة يقودها اليسار، بحسب آراء مواطنين، وخصوصًا حزب "بوديموس" الصاعد والقادم من رحم حركة "الغاضبين" الشبابية، التي قادت مظاهرات غاضبة (احتجاجًا على البطالة وتردي الأوضاع الاقتصادية)، متأثرة بأجواء الربيع العربي صيف 2011، وهو حزب مناهض للتقشف، وداعم لحرية الكاتالونيين في إجراء استفتاء حول انفصال الإقليم الغني (شرق) عن البلاد.

وطالب راخوي الأحزاب الأخرى بأن "تسمح له بتشكيل حكومة"، بعد ظهور النتائج التي وضعته في الصدارة وبنتيجة غير متوقعة.

ومن غير المتوقع أن يحظى مطلب راخوي بالموافقة، لأن الأحزاب الثلاث الكبرى (بوديموس، والاشتراكي، وسيودادانوس) رفضت، بعد انتخابات ديسمبر الماضي التحالف معه لتشكيل حكومة، في ظل غياب أغلبية مطلقة (176).

وحصل ائتلاف أونيدوس بوديموس (نعم نستطيع)، الذي يضم حزبي "بوديموس" المناهض لسياسات التقشف، و"اليسار الموحد"، على نسبة 13.05%، بواقع 71 مقعدًا، بزيادة نائبين فقط على 69 نائبًا في البرلمان، حاز عليها في انتخابات ديسمبر الماضي، بعد أن كانت التوقعات تشير إلى أنه سيحصل على المرتبة الثانية ويحقق المفاجأة ويشكل الحكومة، لكنه حظي فقط بتصويت 5 ملايين و49 ألف و585 ناخب، على عكس توقعات استطلاعات الرأي.

فقد ظهر زعيم تحالف أونيدوس بوديموس "مكسورَ الخاطر" مع مساعديه، بعد ظهور النتائج، وقال: "كنا ننتظر نتائج أفضل، لأننا عملنا على ذلك خلال العامين الأخيرين"، في إشارة إلى عدم رضاه بالنتيجة، فيما واصل بإصرار "سنعمل باستمرار حتى نفوز بالانتخابات في المستقبل".

وفيما شكل تراجع حزب بوديموس مفاجأة للمراقبين، حقق الحزب الاشتراكي المرتبة الثانية بنسبة 22.66%، بواقع 85 نائبًا في البرلمان، حيث صوت له فقط 5 مليون و424 ألف و612 ناخب، لكنه خسر 5 نواب من أصل 90 نائبا، حصل عليها في انتخابات ديسمبر 2015، ما أضاف عبئا آخر على اليسار.

في المقابل، بدا زعيم الحزب الاشتراكي، بيدرو سانشيز، أكثر فرحًا عقب صدور نتائج الانتخابات بتفوقه على الغريم اليساري أكثر من تأثره بخسارته 5 نواب في البرلمان، حيث قال معلقًا على النتائج "حزبنا يثبت أنه قادر على تجاوز العقبات، ونحن قوة التغيير الأولى"، في إشارة إلى أنه أقوى أحزاب المعارضة، وهي مكانة كانت مهددة بحسب نتائج استطلاعات الرأي التي سبقت الانتخابات، التي كانت تضع الحزب الاشتراكي في المرتبة الثالثة بعد الحزب الشعبي وبوديموس.

بدوره حقق حزب "سيودادانوس" نسبة 13.05% بواقع 32 نائبا، ليخسر 8 نواب من أصل 40 حققها في انتخابات ديسمبر، إذ صوت له 3 ملايين و123 ألف و714 ناخب، فيما بدا واضحا أن الحزب "الشعبي"، قد سيطر بقوة وبشكل لم يكن منتظرا.

وفي إشارة إلى الهيمنة القوية للأحزاب الكبيرة في إسبانيا، انتزعت الأحزاب الأربعة الكبرى، 3 نواب من أحزاب صغيرة وطنية وجهوية (51 حزبا صغيرا)، سبق أن حازت في انتخابات ديسمبر 2015 على 28 نائبا في البرلمان، لكنها حصلت (هذه المرة) مجتمعة على 25 نائبا فقط، إلاّ أن ذلك لا يخرجها من لعبة التحالفات، حيث سيكون لها دور في تعديل كفة إحدى التحالفات الساعية لتشكيل الحكومة التي يعينها الملك وفق البرتوكول السياسي الإسباني، بعد أن يتسلم البرلمان مهامه في 19 يوليو/تموز المقبل، خصوصا أن أيا من الأحزاب السياسية لم يحقق أغلبية مطلقة في البرلمان (176 مقعد).

وشارك في الانتخابات 24 مليون و160 ألف و528 ناخب إسباني، وهو ما يمثل نسبة 69.84% بزيادة طفيفة على نسبة المشاركة في انتخابات ديسمبر 2015، التي بلغت 69.67%.

التعليقات