تركيا: المتطرفون المحليون نقطة ضعف في الحرب ضد داعش

بعد شهور قليلة من بدء حضوره اجتماعات جماعة إسلاميّة متشدّدة في إحدى الضّواحي الفقيرة بإسطنبول توقّف مراد كيبجاك (25 عامًا) عن قراءة القرآن والصّلاة في المسجد. ووصف مراد أسرته الكرديّة المحافظة بالكفر وقال إنّ قتل أفرادها سبيل لدخول الجنة.

تركيا: المتطرفون المحليون نقطة ضعف في الحرب ضد داعش

مطار أتاتورك الدّوليّ بإسطنبول بعد أيّام على الهجمة الإرهابيّة

بعد شهور قليلة من بدء حضوره اجتماعات جماعة إسلاميّة متطرفة في إحدى الضّواحي الفقيرة بإسطنبول، توقّف مراد كيبجاك (25 عامًا) عن قراءة القرآن والصّلاة في المسجد. ووصف مراد أسرته الكرديّة المحافظة بالكفر وقال إنّ قتل أفرادها سبيل لدخول الجنة.

وبعد فترة وجيزة، أرسل ما يفيد بسفره هو وطفله الصّغير وزوجته إلى العراق للانضمام إلى تنظيم الدّولة الإسلاميّة (داعش).

وفي منزله في حي 'سلطان بيلي'، على المشارف الشّرقيّة لإسطنبول، قال والده طاهر 'أعطينا الشّرطة أرقام الهاتف والأسماء وأرقام السّيّارات. قدّمنا كل شيء. لكنّ شيئًا لم يحدث.'

وأضاف أنّه أبلغ عن سفر ابنه للعراق بعد أن زاد ارتياب الأسرة من تصرّفاته.

قصّة مراد، ابن الطبقة العاملة، المتعلّم، الذي أخذ منحى سنيًّا متشدّدًا في غضون بضعة شهور، تبرز نقطة ضعف في تركيا، في وقت تحاول فيه منع تنظيم داعش من تنفيذ هجمات أخرى مثل الهجوم الذي شهده مطار أتاتورك في إسطنبول، هذا الأسبوع.

وكان ثلاثة انتحاريّين قد فتحوا النّار بالمطار الدّوليّ في ساعة متأخّرة، يوم الثّلاثاء الماضي، قبل أن يفجّروا أنفسهم في هجوم خلّف 44 قتيلًا وأكثر من 200 مصاب في مطار من أكثر مطارات العالم ازدحامًا ويعدّ رمزًا لوضع تركيا على السّاحة العالميّة.

وقال مسؤولون أتراك إنّهم يعتقدون أنّ متشدّدين من داعش من روسيا وقرغيزستان وأوزبكستان هم الذين نفّذوا الهجوم وأنّهم اعتمدوا، فيما يبدو، على دعم لوجيستيّ من خلايا التّنظيم في تركيا.

واحتجزت الشّرطة 24 مشتبهًا بهم خلال مداهمات على مدى يومين في أنحاء إسطنبول، بعضهم من سلطان بيلي. وفي حيّ الفاتح، قرب قلب المدينة التّاريخيّ، كان أحد السّكّان يزيل عبارة خُطّت على جدار منزل يعتقد أنّ المهاجمين كانوا يستخدمونه.

وكانت العبارة هي 'لا نريد مختارًا يؤوي الدّولة الإسلاميّة' في إشارة لمسؤول الإدارة المحليّة المنتخب.

أيديولوجيّة قويّة

على مدى عام، شهدت تركيا، العضو في حلف شمال الأطلسيّ والشّريك في التّحالف الذي تقوده الولايات المتّحدة على داعش في سورية والعراق، ستّة هجمات انتحاريّة على الأقلّ، ألقيت المسؤوليّة فيها على التّنظيم الإرهابيّ.

كان أعنف هذه الهجمات في العاصمة أنقرة، في تشرين الأوّل/أكتوبر الماضي، عندما وقع تفجير انتحاريّ مزدوج، أثناء تجمّع ناشطين مؤيّدين للأكراد، ممّا أسفر عن مقتل أكثر من 100 شخص. وقبل هجوم المطار، استهدف اثنان في إسطنبول هذا العام سيّاحًا أجانب، ممّا أوقع 16 قتيلًا معظمهم ألمان وإسرائيليّون.

وشدّدت قوّات الأمن الإجراءات عند الحدود السّوريّة ورحلت أو احتجزت آلاف المشتبه بهم في السّنوات الأخيرة، لكنّ خبراء في مجال الاستخبارات يقولون إنّ تركيا مثلها مثل كثير من البلدان الأوروبيّة، تجد صعوبة في التّصدّي للتشدّد في الدّاخل وللتعرّف على أساليب التّنظيم الجديدة والعمل على إحباطها.

وتساءل حلمي ديمير الباحث في معهد تيباف في أنقرة والمتخصص في أنشطة الجماعات المتطرفة قائلا 'هل نحن مستعدون للهجوم المقبل؟ كلا للأسف.'

وأضاف 'الأمر يحتاج مجموعة جديدة من الإستراتيجيّات والتّكتيكات، ونحن نحتاج أن نفهم سبب سقوط هؤلاء النّاس في دائرة التّطرّف. الدّولة الإسلاميّة لديها أساليب أيديولوجيّة قويّة جدًا. لا يمكنك أن تحارب مثل هذه الجماعات بالإجراءات العسكريّة وإجراءات مكافحة الإرهاب وحدها.'

تشكّلت خبرة تركيا في مجال مكافحة الإرهاب خلال قتالها 'حزب العمّال الكردستانيّ'، الذي رفع السّلاح عام 1984، مطالبًا بحكم ذاتيّ للأكراد في جنوب شرق البلاد. وفي عام 2012 انطلقت عمليّة سلام انهارت بعد ذلك، وحتّى ذلك الحين، كانت معظم الحملة حملة عسكريّة.

لكن الأمر أكثر تعقيدًا مع الدّولة الإسلاميّة (داعش). فهناك أقليّة من شعب تركيا، ومعظمه من المسلمين السّنّة، متعاطفة مع فكر التّنظيم الإرهابيّ، إن لم يكن مع أساليبه كما تظهر العديد من استطلاعات الرّأي.

وأظهرت دراسة أجراها معهد 'بيو'، ومقرّه الولايات المتّحدة في تشرين الثّاني/نوفمبر الماضي، في 11 دولة تضمّ عددًا كبيرًا من السّكّان المسلمين أنّ 8% من الأتراك ينظرون للدولة الإسلاميّة نظرة إيجابيّة، بينما قال 19% إنّه لا رأي لهم. وحلّت تركيا في المركز الخامس في أعلى مستوى للتعاطف مع التّنظيم.

وقال الخبير في مجال الإرهاب ورئيس معهد السّياسة العالميّة والإستراتيجيّة في أنقرة، سليمان أوزيرين 'هناك قطاع كبير من السّكّان في تركيا، لا يعتبر الدّولة الإسلاميّة ولا النّصرة من الجماعات الإرهابيّة. وهذا يظهر كيف يمكن أن تجد هذه الكيانات دعمًا.'

حريّة السّفر

لم يخف مراد كيبجاك خططه للسفر إلى سورية، والالتحاق بداعش، كما قال والده، حتّى أنّه كان يشيد بالتّنظيم ويتحاور مع من يبدون تعاطفًا معه. ومثل العديد من الأسر الأخرى التي تواصلت معها رويترز، قال الأب إنّ تحذيراته للسلطات لم تجد آذانًا صاغية.

وقال محمد (25 عامًا) وهو من حي بيرم باشا، الذي تقطنه الطّبقة العاملة في إسطنبول 'الشّرطة تقول إنّ هؤلاء ذهبوا بمحض إرادتهم وإنّهم يتمتّعون بحريّة السّفر ومن ثمّ لا يمكنها منعهم'، وأضاف أنّ أخاه سافر إلى سورية للانضمام لداعش في 2013.

وتابع محمّد قائلًا إنّ أخاه عاد منذ ذلك الحين مرّتين، وفي المرّة الأخيرة سافر للعراق. ورفض ذكر اسمه كاملًا، لأنّ الأسرة تخضع للتحقيق.

كانت تركيا تعزف في البداية عن الانضمام للتحالف الذي تقوده الولايات المتّحدة ضدّ داعش، قائلة إنّه لا يمكن أن تكون هناك نهاية لحرب تهدّد استقرار المنطقة دون رحيل الرّئيس السّوريّ، بشّار الأسد، ومساندة من سيطيحون به.

ويقول منتقدو تركيا إنّها أبدت استعدادًا كبيرًا لدعم جماعات إسلاميّة متشدّدة تقاتل الأسد، ممّا ساهم في تهيئة أجواء مكّنت الدّولة الإسلاميّة من ترسيخ وجودها. وتنفي أنقرة هذا، وتقول إنّها سارعت بإعلان أنّ الدّولة الإسلاميّة منظّمة إرهابيّة وإنّ خسارة تركيا ستكون الأفدح في حال اتّساع نفوذ التّنظيم.

وتظهر وثائق أنّ الشّرطة التّركيّة كانت تراقب أنشطة أشخاص يشتبه أنّهم من الأعضاء غير البارزين بالدّولة الإسلاميّة منذ فترة ترجع إلى عام 2013.

وقال الزّميل بالمجلس الأطلسيّ، آرون ستين، إنّ السّلطات لا تتدخّل فيما يبدو في إطار إستراتيجيّة للمراقبة، تهدف لرصد الشّبكة واستهداف قياديّيها.

وأضاف 'الدّروس المستخلصة تشير إلى أنّ مسؤولي مكافحة الإرهاب بحاجة لاتّباع نهج أقوى بكثير في القضاء على الأشخاص متوسّطي المستوى العاملين على استقطاب العقول داخل المجتمعات التّركيّة المختلفة.'

وامتنع مسؤولون أتراك عن التّعليق على العمليّات التي تقوم بها أجهزة المخابرات.

وفي أعقاب هجوم الثّلاثاء كثّفت الشّرطة حملاتها على أوكار المشتبه بهم. لكنّ محمّد الذي اعتزل أخوه النّاس منذ عام 2015، قال إنّ هذا جاء بعد فوات الأوان.

اقرأ/ي أيضا: روسي وأوزبكستاني وقرغيزي: إرهابيو مطار إسطنبول

وأضاف 'هؤلاء الذين أصبحوا مقاتلين في سورية، هم أبناء حيّنا. الشّرطة تعرفهم. فلماذا تأخّرت؟ لكنها تقول: الاجتماع والتّحدّث في الإسلام ليس جريمة'.

وخلص إلى أنّه 'هكذا يظلّ الأمر مستمرًّا'.

التعليقات