الانتخابات التركية: الامتحان الصعب

تشكّل الانتخابات التركيّة غدًا امتحانًا صعبًا، لإردوغان، الذي وجد نفسه أمام "جردة حساب" لكافة سياساته. وللمعارضة التي تجد نفسها ضمن قواعد وضعها إردوغان. لكن الطابع الأهم الذي المسيطر هو الحنين إلى الماضي: إردوغان إلى العثمانيين، وأكشنر إلى أتاتورك.

الانتخابات التركية: الامتحان الصعب

إحدى التجمعات الانتخابيّة (أ ب)

تشكّل الانتخابات التركيّة غدًا امتحانًا صعبًا، لإردوغان بالأساس، الذي وجد نفسه أمام "جردة حساب" لكافة سياساته الخارجيّة والداخلية، في وضع لا يحسد عليه، وللمعارضة، كذلك، التي تجد نفسها تلعب بقواعد لعبة وضعها إردوغان. لكن الطابع الأهم الذي يميّز الانتخابات هو الحنين إلى الماضي: إردوغان إلى العثمانيين، وأكشنر إلى أتاتورك.


لم يتوقّع الرّئيس التركي، رجب طيّب إردوغان، عندما استجاب لطلب رئيس حزب الحركة القوميّة، دولت بهجتلي، الرّبيع الماضي، بالذهاب إلى انتخابات رئاسيّة وبرلمانيّة أن تكون الانتخابات حاميّة الوطيس هكذا، خصوصًا مع عدم ترشّح أي من حليفيّ إردوغان اللدودين، الرئيس السابق، عبد الله غل، ورئيس الحكومة السابق، أحمد داوود أوغلو، للرئاسة، كما كان متوقعًا.

إذ تشير مجموعة من استطلاعات الرأي التركيّة إلى 3 سيناريوهات محتملة للانتخابات، أولها: فوز إردوغان بالرئاسة وحزبه بأغلبية الأعضاء، وهو سيناريو غير مرجّح؛ ثانيها: فوز إردوغان بالرئاسة وخسارة حزبه الأغلبية البرلمانيّة، وهو السّيناريو الأكثر ترجيحًا؛ وثالثها: خسارة إردوغان الرئاسة وخسارة حزبه الانتخابات البرلمانيّة وهو أمر مستبعد، كذلك.

وتجدر الإشارة إلى أن هذه الانتخابات هي الأولى التي تجري بعد تحوّل البلاد إلى النظام السياسي الرّئاسي الشّبيه بالولايات المتحدة الأميركيّة من النظام السياسي البرلماني، الشبيه بالنظام البريطاني، وأبرز التغييرات المتوّقعة هي إلغاء منصب رئيس الوزراء، بحيث تنقل الصلاحيات التنفيذيّة في البلاد إلى الرّئيس، الذي يختار بدوره وزراءه، دون تحديد إن كانوا نوابًا أم لا، مثلما يشترط النظام البرلماني، وهو التحوّل الأكبر في سياسة البلاد من إعلان أتاتورك إلغاء الخلافة والانتقال من السلطنة إلى النظام الجمهوريّ.

ولا يزال الجدل في تركيا مستمرًا حول الانتقال إلى النظام الرّئاسي رغم التصويت لصالحه في استفتاء عام العام الماضي بأغلبية طفيفة، خصوصًا مع الانتقاد الموجّه لإردوغان باستبداده بالسلطة وبجمعه صلاحيّاتٍ واسعة في يديه، غير مسبوقة في النظام الجمهوريّ، وسط خشيّة المعارضة العلمانية من "تقويض علمانيّة الدولة".

جمهرة انتخابية تركية (رويترز)
جمهرة انتخابية تركية (رويترز)

ومع الأوضاع السّياسيّة الحاليّة، تثور مخاوف في البلاد من أن تصاب بشلل إذا ما فشل إردوغان في تحقيق الأغلبيّة البرلمانية اللازمة لإقرار القوانين والمصادقة عليها، وفق السيناريو الثاني، أي سيطرة العدالة والتنمية على الرّئاسة، والمعارضة على البرلمان.

وليست الانتخابات المزمع إجراؤها غدًا استفتاءً على النظام السياسي للبلاد، بقدر ما هي تطبيق لها، إنما هي استفتاء على السّياسات الداخلية والخارجية سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا لعهد إردوغان الممتدّ منذ عام 2002.

خارجيًا، تقف تركيا إردوغان اليوم على عكس تموضعاتها التي بنى إردوغان عليها شعبيّته في الداخل لسنوات، فبعد أن صعد إلى الحكم بشعار واحد تقريبًا، وهو دخول الاتحاد الأوروبي، ونفّذ ما نفّذ من إصلاحاتٍ من أجل قبوله، ها هو اليوم يفترق عن أوروبا، ويخوض تلاسنا شبه دائم مع المستشاريّة في ألمانيا والرّئاسة في فرنسا، في غير قضيّة وجانب، أمّا العلاقة مع واشنطن فشهدت فتورًا كبيرًا في العلاقات مقارنةً بالتحالف الكبير الذي كان قائمًا، وأبرز نقاط الاختلاف: الدعم الأميركي للمقاتلين الأكراد في سورية، وإغلاق قاعدة إنجرليك الجويّة في تركيا، التي كانت نقطة انطلاق الانقلاب العسكري الفاشل في تموز/يوليو 2016، بالإضافة إلى رفض الولايات المتّحدة تسليم تركيا فتح الله غولن، الذي يتهمه إردوغان بأنه الرأس المدبّر لمحاولة الانقلاب.

ويعترف الطرفان بأن مستوى العلاقات وصل إلى حدٍ غير مسبوق من انعدام الثقة وافتراق المصالح؛ فبحسب وزير الخارجيّة الأميركي السابق، ريكس تيلرسون، فإن العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا وصلت إلى "مرحلة حرجة". وهو التقييم الذي شاركه إياه وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، بقوله: "إما أن نصحح العلاقات وإما أنها ستأخذ منعطفًا نحو الأسوأ"، خفّف الاتفاق حول منبج، مؤخرًا، من تطوّره.

في مقابل الابتعاد عن أميركا، تبدو العلاقة مع روسيا وكأنها تنحى منحى أكثر ثباتًا، خصوصًا بعد الهزّة في العلاقات بين البلدين عقب إسقاط تركيا مقاتلةً روسيّة اخترقت مجالها الجوي عام 2015 فوق سورية، وما يكرّس العلاقة بين البلدين هو التقارب التوافقات التي أرستها التفاهمات الروسيّة – الإيرانيّة – التركية في سورية، المعروفة بمناطق خفض التّصعيد، بالإضافة إلى شراء نظام الدفاع الصاروخي الجوي الروسي أس – 400. فمن ناحية، ترى الولايات المتحدة وحلف الناتو أن هذا النظام لا يتوافق مع أنظمة الحلف. ومن ناحية أخرى، فإن الولايات المتحدة تقول إنّ مضيّ تركيا في الصفقة مع روسيا قد يجعلها عرضةً لعقوبات أميركية بموجب القانون الأميركي الذي أقرّه الكونغرس عام 2017 لمعاقبة روسيا بذريعة تدخّلها في الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2016.

ورغم أن الربيع العربي أثبت فشل سياسة تركيا الخارجية التي صاغها أحمد داوود أوغلو، أي "صفر مشاكل مع الجوار"، إلا أن تركيا حافظت على سعيها لبناء علاقات متميّزة مع الدول التي كوّنت سابقًا الدولة العثمانيّة، وتجمعها علاقات متميّزة مع قطر والعراق والأردن والسودان والكويت وغير جهةٍ فلسطينيّة، أثارت ريبة سعوديّة تمثّلت في غياب الملك سلمان عن قمّتي إسطنبول بخصوص القدس وغزّة، مضافة إلى العداء المصري الواضح لإردوغان بعد الانقلاب العسكري عام 2013.

ورغم الانتقادات التي توجّهها المعارضة لإردوغان حول سياسته الخارجية، وتحديدًا تجاه الملفّ السوريّ من قبل حزب الشعب الجمهوري، إلا أن العداء السياسيّ التركي المتأصل ضد الأكراد لا يشير إلى تغيير كبير متوقّع في العمليات التركية بسورية والعراق، خصوصًا وأن موقف إردوغان هو الأكثر اعتدالا تجاه الأكراد من مواقف أغلب الأحزاب التركية الأخرى.

اقتصاديًا، وعلى خلاف الأعوام الماضية، تأتي الانتخابات التركية في وضع تتراجع فيه الليرة التركية بشكل كبير جدًا أمام الدولار الأميركيّ. إذا ما قورن الاقتصاد التركي بما كان عليه قبل وصول العدالة والتنمية إلى الحكم، وتحديدًا قبل توليّ علي باباجان منصبه، فإن الأوضاع الاقتصادية الحاليّة هي الأفضل، ولا مجال للمقارنة بين الاقتصادين، لكن إذا ما قورنت بالأوضاع قبل عامين فقط، فإن أوّل ما سيظهر هو ارتفاع معدّلات التضخم، والتراجع في سعر صرف الليرة وارتفاع معدّلات البطالة.

لكنّ التراجع الحالي، الذي يرجعه إردوغان "إلى مؤامرة بلدين عربيّين لتدمير الاقتصاد التركي"، لا يخفي أن تركيا عشات في عهده انتعاشًا اقتصاديًا كبيرًا، أبرزها ارتفاع الناتج القومي المحليّ من 232 مليار دولار عام 2002، إلى 849.5 مليار دولار العام الماضي، بالإضافة إلى ارتفاع الصادرات التركية من 36 مليار دولار عام 2002 إلى 157.1 مليار دولار العام الماضي، وذلك تحقّق عبر "نموذج تركي"، يقوم أساسًا على تحويل تصدير قوّة العمالة التركية الرّخيصة للخارج إلى قوّة عمل وطنيّة منتجة على أراضيها، ليصبح الاقتصاد التركي واحدًا من أكبر الاقتصادات في العالم.


أبرز المرشّحين للانتخابات التركية:

إردوغان (أ ب)
إردوغان (أ ب)

رجب طيّب إردوغان: الرّئيس التركي الحالي، والذي يخوض الانتخابات مرشّحًا عن "تحالف الشّعب"، المكوّن من حزب "العدالة والتنمية" الحاكم بالإضافة إلى حزبيّ "الحركة القوميّة" و"الاتحاد الكبير".

من مواليد العام 1954 في إسطنبول، درس الخطابة والإمامة ثم الاقتصاد، وانتسب في حياته إلى عدّة أحزاب، أولها الرفاه، الذي رئس عنه بلدية إسطنبول عام 1994 حتى اعتقاله عام 1998، لاحقًا انشقّ عن أربكان وأسس حزب العدالة والتنمية عام 2002 الذي حقّق أغلبية كبيرة ويحكم البلاد منذ عام 2003.

أكشنار (أ ب)
أنجه (أ ب)

محرّم أنجه: يخوض الانتخابات عن "حزب الشعب الجمهوري"، وهو أبرز مرشّحي المعارضة، من مواليد 1964، يونانيّ الأصل، عمل مدرّسًا للفيزياء حتى دخوله البرلمان عام 2002، لكنه فشل في تحقيق أيّ اختراق سياسيّ، خصوصًا مع فشله على معركة رئاسة حزبه مرّتين أمام رئيس الحزب الحالي كمال قلجدار أوغلو.

وتشهد حملته إقبالا لم تشهد الحملات السابقة لحزب الشعب، بسبب تعهده بالحفاظ على الحجاب (وهي إصلاحات أقرها إردوغان) والتركيز على الجوانب الاقتصادية التي تهمّ الشرائح الشعبيّة التركية، بدلا من التركيز التقليدي لحزب الشعب على الطبقات المتعلمة والمتأثرة بالغرب.

ميرال أكشنار: مرشّحة "الحزب الصالح"، من مواليد العام 1956 وتحمل شهادة دكتوراه في التاريخ، وعملت وزيرةً للداخلية عام 1996.

وبعد الإطاحة بأربكان، ابتعدت عن الحياة السياسيّة قبل أن تعود لها عام 2007، عضوًا في البرلمان عن الحركة القوميّة، الذي انشقّت عنه العام الماضي، بعد فشلها في الإطاحة بزعيمه، دولت بهجتلي.

صلاح الدين ديمرطاش: سياسي سجين كرديّ، مرشّح عن "حزب الشعوب الديمقراطيّة"، من مواليد 1973، تخرّج من كلية الحقوق في أنقرة وهو نائب عن محافظة ديار بكر في البرلمان التركي منذ 2007، وهو يقبع في السجن منذ العام 2016 على خلفيّة مواقفه السياسيّة المناهضة لإردوغان.

التعليقات