مَثُل طبيب ثمانينيّ، أمام القضاء الإسباني في مدريد؛ ليكون أول الجالسين في قفص الاتهام في قضية شبكات "سرقة الأطفال" التي طالت آلاف العائلات في البلاد، خلال حكم الديكتاتور الراحل فرانكو، وسُرِق هؤلاء الأطفال من أمهاتهم اللواتي كنّ شيوعيات أو فقيرات أو عزباوات وعُهِد بهم لعائلات موالية للنظام الحاكم.
بدأ القضاء الإسباني في العاصمة مدريد محاكمة طبيب يبلغ من العمر 85 عاما، متهم بخطف طفل من أمه قبل نحو نصف قرن.
ويُعدُّ إداوردو فيلا، وهو طبيب نساء وتوليد متقاعد؛ أول طبيب يخضع للمحاكمة في قضية سرقة آلاف المواليد، خلال حكم الجنرال الراحل فرانشيسكو فرانكو في إسبانيا.
ويُتهم الطبيب فيلا بسرقة الطفلة إيناس مارديغال، وتبلغ من العمر حاليا 49 عاما، من أمها الحقيقية عام 1969، وتسليمها لامرأة أخرى بعد أن زَوَّر شهادة ولادتها في حزيران/ يونيو 1969.
ومَثُل الطبيب الذي بدا شاحبا وضعيفَ الصوت أمام القضاة، واستُجوب لمدة ثلاثين دقيقة.
وتُدين وسائل الإعلام والجمعيات منذ فترة طويلة هذا الطبيب، الذي سيكون أول متهم يمثُل أمام المحكمة في هذا النوع من القضايا، وذلك بفضل إفادة إيناس بيريز الأم المتبنّية لإيناس مادريغال.
وكانت الأم المتبنّية تقول قبل وفاتها إنه أوصاها أن تدعي بأنها حامل، وألّا تأخذ الطفلة إلى أي طبيب آخر في حال مرضت، كي لا ينكشف الأمر.
وقالت إيناس مادريغال، محاطة بعشرات يرفعون لافتات عليها عبارة "عدالة"، إن هذه المحاكمة لا تعنيها وحدها، بل كل أصحاب القضايا المماثلة. وأضافت: "كل الناس يعرفون أن هذا البلد شهد سرقة للأطفال".
وقد طلبت النيابة العامة السجن 11 عاما للطبيب، الذي سبق أن اعترف أمام قاضي التحقيق في 2013 بأنه وقّع "دون أن يقرأ" الملف الطبيّ الذي يُشير إلى أنه حضر عملية الولادة.
اليأس من العدالة
ظهرت تجارة الأطفال في إسبانيا بعد الحرب الأهلية، في ظلّ حكم فرانكو (1939-1975)، ويُعتقد أنها طالت عشرات الآلاف أو مئات الآلاف من الأطفال، وبالتواطؤ غالبا مع الكنيسة الكاثوليكية، بحسب المنظمات المعنية بهذه القضايا.
وكان الأطفال يُنتزعون من حضن أمّهاتهم، ويُقال لأهلهم إنهم توفوا، من دون إعطائهم أي دليل، ثم يوكل أمر الأطفال إلى أشخاص غير قادرين على الإنجاب، لاسيما من الدوائر المقرّبة من نظام فرانكو.
ومن هؤلاء الضحايا كريستينا موراشا التي أبلغها مركز الأمومة بعدما وضعت مولودا في أيار/ مايو 1984، أن ابنها توفي دون أن ترى جثمانه أو قبره: "طلبوا مني الكف عن البكاء وقالوا إن لدي ابنة في شهرها الخامس عشر تحتاج إلي، وإنني شابة وأستطيع إنجاب أطفال آخرين".
وتابعت إن راهبة قالت لها "يجب أن تكوني فخورة بأن الله اختار ابنك إلى جواره".
وكان هدف هذه الأفعال أول الأمر؛ معاقبة المعارضين المتهمين بمناصرة الشيوعية، بعد ذلك اتّسعت لتشمل أطفالا وُلدوا من غير زواج، أو ولدوا لعائلات فقيرة (...) وكانت عائلات نافذة تتبنّاهم.
واستمرّت هذه الظاهرة بعد وفاة فرانكو "لأسباب اقتصادية بحتة" وحتى العام 1987 على الأقل، بحسب سوليداد لوك رئيسة جمعية "كلّ الأطفال المسروقين أطفالي".
وتقول المنظمات الناشطة في هذه القضية إن ما لا يقلّ عن ألفي دعوى قضائية مماثلة رُفعت للمحاكم، لكنّ أيا منها لم تصل إلى خواتيمها بداعي عدم وجود أدلة كافية، أو لمرور الزمن، بحسب سوليداد لوك.
ومع مرور السنوات؛ انسحب كثير من المدّعين يأسا من أن تحقق لهم المحاكم أي شيء، كما أن الأشخاص المتورّطين في تلك القضايا يموتون واحدا تلو الآخر، مثل الراهبة ماريا غوميز فالبوينا، التي تُوصف بأنها زعيمة الاتجار بالأطفال في مدريد، والتي توفيت قبل بدء محاكمتها.
اقرأ/ي أيضًا | اعتداءات جنسية على عاملات مغربيات في حقول الفراولة بإسبانيا
التعليقات