الوحشيّة في عهد ستالين: كرة القدم نموذجًا

كشفت ملفّات سريّة، أفرجت عنها المُخابرات الروسية بعد 75 عاما من القضية المعروفة باسم "ستاروستين"؛ مدى ارتباط السياسة بكرة القدم، لا سيّما إذا كانت الحقبة التي نتحدث عنها تعود للحقبة الستالينية.

الوحشيّة في عهد ستالين: كرة القدم نموذجًا

(ويكيبيديا)

كشفت ملفّات سريّة أفرجت عنها المُخابرات الروسية بعد 75 عاما من القضية المعروفة باسم "ستاروستين"، مدى ارتباط السياسة بكرة القدم، لا سيّما إذا كان الحديث عن حقبة تعود للحقبة الستالينية.

وأشارت أجزاء الملفات السرية التي نشرتها المخابرات الروسية، والتي اعتبرتها وسائل إعلامٍ "خطوة نادرة" من المخابرات، إلى أن كرة القدم التي يُتابعُها اليوم مئاتُ الملايين حول العالم، كانت بالنسبة للبعض في زمن جوزيف ستالين، مخاطرةً هائلة انتهت بلا رحمة بقضايا وهمية وتعذيب وإعدامات.

جوزيف ستالين

وكشفت الملفّات عدة تفاصيل مروِّعة، تُظهِر التباين الحادّ بين بطولة كأس العالم لكرة القدم (المونديال) التي تقام حاليا في روسيا، وبين وحشيّةِ الاتّحاد السوفييتي ضدّ كرة القدم في زمن ستالين، الذي أمرَ رئيس مخابراته حينها، لافرينتي بيريا، باعتقالِ لاعبي الكرّة المُحترفين، الأشقّاء؛ ألكسندر، وأندريه، ونيكولا، وبيوتر ستاروستين، عام 1942 باتهامات ملفقة.

واتُّهِم الاشقّاء الأربعة، الذين أُقيمت لهم تماثيل برونزية لافتة للنظر بالقرب من ملعب سبارتاك، الذي احتضن عددا من مباريات كأس العالم الحاليّ، بجملةٍ من الاتّهامات المُلفّقة، لعلّ أبرزَها تخطيط الأشقاء ستاروستين لتنفيذ اعتداء على الديكتاتور السوفييتي ستالين، أثناء مشاركته في أحد العروض في أيار/ مايو 1937 حسبما يروي المؤرخ السوفييتي سيرجي بوندارينكو.

تمثال نيكولاي ستارويتين

وذكرت وكالة الأنباء الألمانية (د ب أ) أن الأخوة ستاروستين لم يكونوا رياضيين عاديين، بل كانوا من النجوم البارزين، إذ شارك نيكولاي، الذي سعى رئيس المخابرات إلى تصفيته، في تأسيس نادي سبارتاك موسكو، الذي فاز عام 1936 وأمام أعين ستالين في مباراة أمام نادي دينامو موسكو، المفضل لدى رئيس المخابرات ذاته بيريا، وذلك قبل ستة أعوام من إلقاء القبض على اللاعبين الأشقّاء.

وأمر ستالين بعد المباراة، التي نُظِر إلى نتيجتها على أنها استفزاز للشرطة السرية، بمعاقبة "أعداء الشعب داخل الرياضة"، وبذلك بدأت الملاحقة حسبما يروي المؤرخ الرياضي يوري كوشيل.

وبدأت صحف روسية، نشر مقالات هجومية تنتقص من وطنية لاعبين و مسؤولين في الرياضة، كان من بينها مثلا مقالات اتهمتهم بتبديد الأموال وبالجشع.

وجمع بيريا على مدى سنوات، أدلةَ إدانةٍ ضد عائلة ستاروستين، وأمر بالقبض على 11 شخصا على الأقل من معارف الأخوة وتعذيبهم، "وشهد هؤلاء في جميع الوثائق أن الأخوة ستاروستين، شاركوا في التخطيط لهجوم على ستالين" وفقَ شرح المؤرّخ بوندارينكو في صحيفة كوميرسانت.

وقال بوندارينكو: "حُكِم على أغلبية المعتقلين بعد استجوابهم بالقتل"، وأضاف: "قالوا أعددنا هجوما في الميدان الأحمر، إما تفجير قنبلة أو إطلاق النار على ستالين من سطح متجر GUM".

وفي العام 1942، كان الاتحاد السوفييتي يخوض الحرب مع ألمانيا النازية، ولم يلاحظ أحد تقريبا أنه قد تم القبض على الرياضيين الأربعة الذين اتُّهموا أمام المحكمة بأنهم "أسسوا فرقة إرهابية من الرياضيين".

ولكن الاتهامات كانت واهية حتى بالنسبة لمحاكمة وهمية، لذلك غيّر بيريا الدعوى وبدأ يتهم الأشقّاء ستاروستين بالسطو على قطارات وسرقة منسوجات، ورغم أنه لم تكن هناك أدلة على ذلك أيضا، إلا أن الأمر لم يكن يتعلق بالأدلة، لذلك حُكِم على كل من الأشقاء الأربعة بالسجن عشر سنوات.

وأُفرِجَ عن نيكولاي ستاروستين بعد ثلث المدة، بمبادرة من نجل ستالين، فاسيلي، واضطر أخوته الثلاثة لقضاء كاملِ المدة في السجن. ولم يستطع الأربعة تنفس الصعداء إلا بعد وفاة ستالين وبيريا عام 1953.

وحصل الأشقّاء فيما بعد على وظائف تدريبية وتقلدوا مناصب قيادية في اتحاد الكرة السوفييتي. وعاش نيكولاي عمرا مديدا سمح له بمعاصرة ميخائيل غورباتشوف الذي كرّمه ومنحه نياشين كنوع من "المصالحة"، ولكن أشقاءه الثلاثة توفوا قبله، أما نيكولاي فتوفي عام 1996 وهناك شارع باسمه اليوم في موسكو.

وقالَ المؤرّخ بوندارينكو في مقابلةٍ مع صحيفة كوميرسانت: "راجعنا إفادات 11 شخصا من الذين أُلقي القبض عليهم، تلك الإفادات التي كانت سرية في السابق (...) وأوضحت الفسادَ المتفشّي في عهد ستالين"، موضحًا أنه يأمل أن تُفرج المخابرات الروسية عام 2019 عن مزيد من الوثائق بشأن القضية، لا سيّما معرفة كيف بدأت ملاحقة اللاعبين الأربعة.

 

التعليقات