عنصرية التوسع الصيني في كينيا

منذ أن نالت كينيا استقلالها، لم يشعر سكانها بالعنصرية المباشرة، وتُعتبر بلادهم، من أكثر الدول الديمقراطية استقرارا في القارة الأفريقية. واليوم، يشعر مواطنو كينيا، وخصوصا الشباب منهم، بعنصرية مباشرة بعد أن كانوا يعرفوها من خلال القصص التاريخية فقط

عنصرية التوسع الصيني في كينيا

الخط الحديدي الذي يربط بين مدينتي مومباسا ونيروبي الكينيتين من مشاريع البنية التحتية التي تمولها الصين في أفريقيا (أ ب)

عانت كينيا من الاستعمار والاستعباد البريطاني لفترات طويلة، الذي اضطر سكانها في حقبة زمنية معينة، إبى وضع سلاسل حول رقابهم تحمل وثائق تُثبت هوياتهم، حتى نال البلد الأفريقي استقلاله عام 1963، لكن أكثر ما يخشاه سكانه اليوم، هو الاستعمار الاقتصادي الصيني.

أعد الصحافي جوسيف غولدستين، تقريرا لصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، تناول فيه العنصرية التي يتعرض لها سكان كينيا من "المستثمر" الصيني، في أعقاب انتشار فيديو لمدير مصنع صيني، أهان الشعب الكيني دون أن يشعر بأي ذنب.

وقال غولدستين، أن الشاب ريتشارد أوتشينغ (26 عاما)، لم يشهد عنصرية مباشرة في جميع مراحل حياته حتى ذهب للعمل في مصنع صيني للدراجات النارية في مدينة ريرو في ضواحي العاصمة نايروبي.

ريتشارد أوتشينغ يجلس في منزله (نيويورك تايمز) 

وشرح أوتشينغ لمراسل الصحيفة، الإهانات التي تعرض لها، حتى اتخذ قرار تصوير مديره خفية ونشره على مواقع التواصل الاجتماعي مما أثار ضجة غير مسبوقة في كينيا.

وفي إحدى الرحلات التي رافق فيها أوتشينغ مديره، نظر الأخير إلى مجموعة من القردة على طرف الشارع، وقال لموظفه: "أنظر، هاهم أخوتك"، وألح عليه بأن يتناول بعض الموز معها.

وبعد تعرض أوتشينغ لإهانات عنصرية متكررة مثل هذه، قرر تصوير مديره خفية، بينما يناقشه بأن ما يصدر عنه من بذائة، يُعتبر أمرا خاطئا، إلى أن الأخير أصر في الفيديو، أنا جميع الشعب الكيني "قردة"، بما في ذلك رئيس الدولة.

رحّلت السلطات الكينية، المدير الصيني، في أعقاب انتشار الفيديو المُهين، لكن الشعب الذي يُعاني الكثير من أفراده من تصرفات مشابهة تصدر عن أرباب العمل الصينيين، ما زال متوجسا من نفوذ الصين الآخذ بالتغول في بلاده.

وبدأ الناس بالتساؤل عن طبيعة التدخل الصيني المُنتشر في القارة الأفريقية؛ أين هو الحد؟

منذ أن نالت كينيا استقلالها، لم يشعر سكانها بتعرضهم للعنصرية المباشرة، وتُعتبر بلادهم من أكثر الدول الديمقراطية استقرارا في القارة الأفريقية. واليوم، يشعر مواطنو كينيا، وخصوصا الشباب منهم، بعنصرية مباشرة بعد أن كانوا يعرفوها من خلال القصص التاريخية فقط.

وقال الكيني الذي يُدير المنطقة الصناعية في ريرو، ديفيد كينيوا، لـ"نيويورك تايمز"، إن الصينيين "يملكون رأس المال، ورغم حاجتنا لأموالهم، إلا أننا نرفض معاملتهم لنا على أننا لسنا بشرًا، وخصوصا في بلادنا".

وأشار غولدستين، إلى أن الصين ضخت خلال العقد الماضي، أموالا طائلة في أفريقيا وأقامت مشاريع بنية تحتية على نطاق واسع في جميع أنحاء القارة. ومن أجل أن تدفع الدول المستفيدة ثمن هذه المشروعات، اقترضت من الصين أو اعتمدت على الموارد الطبيعية مثل النفط.

وتسبب ذلك في ديون لا نهائية للدول الأفريقية بشكل عام، وفي حالات كثيرة، صحبت المشاريع التنموية الصينية، ممارسات اتسمت بالعمالة الاستغلالية لبعض الشركات الصينية.

مناخ عمل عنصري

في كينيا، روى عمال في سنوات العشرينات والثلاثينات من أعمارهم، لـ"نيويورك تايمز"، قصصا عن العنصرية أو التمييز الذي تعرضوا له، بل قال أحدهم إنه شاهد مديره الصيني يصفع موظفة كينية بسبب خطأ في العمل.

وتحدث أخرون عن فصل حمامات أماكن عملهم بناء على العِرق، بين الصينيين والكينيين. ووصف عامل كيني آخر كيف أمره مديره الصيني بتنظيف مرحاض من أعقاب السجائر، رغم علمه بأن الموظفين الصينيين هم الوحيدين الذين تجرأوا على التدخين داخل مكان العمل.

مشروع سكّة الحديد بين نايروبي ومومباسا في كينيا (نيويورك تايمز) 

وأشار غولدستين إلى أن عدد العمال الصينيين في كينيا، يبلغ نحو 40 ألف شخص، معظمهم يأتي للعمل بضعة سنوات ويعيشون في مناطق مُخصصة لهم دون أن يحتكو بالمجتمع المحلي.

ولفت الصحافي الصيني، هونغكسيانج هوانغ، الذي كان يعيش في نايروبي، إلى أنه "بسبب العزلة وعدم الاندماج بالآخرين، يكون الصينيين عادة غير واعين إلى الوضع المحلي (...) إنهم لا يعرفون كيفية التعامل مع العالم الخارجي".

ونوه غولدستين إلى مقولة كتبها مراسل أميركي سابق في "نيويورك تايمز" في عام 2014، يُدعى هاوارد فرانس، أفاد من خلالها بأن العديد من الصينيين "يصلون (إلى أفريقيا) مع وجهة نظر هرمية للثقافة والعرق، والتي تضع الأفريقيين عادة في أسفل المراتب".

وشيدت الصين سككا حديدية ضخمة في كينيا، والتي سرعان ما تحولت إلى رمز لـ"التعاون الحقيقي" بين الصين والسلطات المحلية. لكن صحيفة كينية وصفت المشروع في تموز/ يوليو الماضي، بأنه بمثابة "استعمار جديد" بالنسبة للعمال المحليين الذين يعملون تحت الإدارة الصينية.

ونقل غولدستين ما أوردته الصحيفة، عن تعرض بعض العمال الكينيين لعقابات مُذلة، فيما مُنعوا أيضا من قيادة القطارات إلا في حال تواجد الصحافة.

وعندما سُئل المتحدث باسم الخارجية الصينية عن قضية العنصرية، أجاب بأن هذه "محاولات" غربية، لـ"إثارة خلافات" بالعلاقات الصينية مع الدول الأفريقية.

(نيويورك تايمز)

وأشار الصحافي السابق في "نيويورك تايمز" إلى أن السلطات الصينية، تستخدم عادة حجة الاستعمار الغربي، لنفي الانتقادات في أفريقيا، بحيث تحتج دائما بأنها لم تستعمر القارة بوحشية كما فعل الأوروبيون ولم تُسخر الأفريقيين للعمل بالرق أيضا.

وأضاف فرانس أن هذا الادعاء غير منطقي اليوم، فما يشعر به الكينيون في هذا العصر، من قبل الصينيين، هو التعامل معهم بـ"اشمئزاز وعنصرية".

لم يتوقف أرباب العمل عند المعاملة السيئة والإهانات، فبحسب ما قاله الكثير من العمال لمراسل "نيويورك تايمز"، إن بعضهم اشتكى من النصب والاحتيال بعد أن وُعدوا بأجور معيّنة تفاجأوا بنقصها بعد ذلك، ومع أزمة البطالة في البلاد، لم يتمكن هؤلاء من مغادرة أماكن العمل ببساطة.

(نيويورك تايمز)

وعبر هؤلاء أيضا عن استيائهم من "نظام العقوبات" الذي يسري في أماكن العمل الصينية، فيتبعون نظام خصم كبير في ساعات العمل عند ارتكاب "أخطاء"، أو تجاوز قوانين الشركة، بعضها بالغ السذاجة، فعلى سبيل المثال، قال عمال إن شركاتهم كانت تمنع الضحك، أو تُنقص لهم ساعات عمل طويلة بمقابل بضعة دقائق تأخير.

وعلق متحدث باسم السفارة الصينية على الفيديو المُهين، بأن "الكلام الشخصي والشعور الشخصي الذي تفوه به هذا الشاب لا يمثل وجهات نظر الغالبية العظمى من الصينيين".

فيما قال الموظف الذي نشر الفيديو، إنه سمع قصصا عن الاستعمار، وعما تعرض له أجدادهم، وما يُقلقه هو أن تُعيد الصين كينيا إلى الخلف، عوضًا عن دفعها إلى الأمام، كما ادعى قادة البلاد.

 

التعليقات