الصين: احتجاز المسلمين لـ"تحويل" عقيدتهم ومحو هويتهم

يقضي مئات الأشخاص من مسلمي الأيغور، أيامهم، في برنامج تلقين تُمارس فيه شتى أنواع الضغط العالي عليهم، حيث يُجبرون على الاستماع إلى المحاضرات، ويغنّون التراتيل التي تمدح الحزب الشيوعي الصيني ويكتبون مقالات "النقد الذاتي"، وفقاً للمحتجزين الذين أُفرج عنهم

الصين: احتجاز المسلمين لـ

عبد السلام محمد: "هذا المكان (معسكر الاحتجاز) سوف يولد مشاعر الانتقام" (nytimes)

تتشكل الصين ذات التعداد السكاني الأكبر في العالم من مجموعات عرقية عديدة تختلف عن بعضها تماما في بعض الأحيان، لكن السلطة المركزية التي يسيطر عليه الحزب الشيوعي الصيني منذ عقود، في صراع دائم لتحويل كل هذه الجماعات إلى جماعة واحدة تخدم مصالحه، حتى وإن عنى ذلك استخدام القوّة، وربما تكون أكثر المجموعات الصينية اضطهادا في السنوات القليلة الماضية، هي أقلية مسلمي الإيغور (التقديرات غير الرسمية بأن في الصين ما بين 100 - 125 مليون مسلم فيما التقديرات الصينية الرسمية لا تتجاوز 30 مليون).

وتناول تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، بعض تفاصيل المعاناة التي يتعرض إليها هؤلاء، والتي وصلت إلى حد معسكرات الاحتجاز خلال الأشهر القليلة الماضية.

ورصد مراسل الصحيفة أحد معسكرات الاحتجاز في مدينة هوتان، في جنوب منطقة شينجيانغ ذات الأغلبية المُسلمة (عدد سكان المنطقة نحو 24 مليون، نصفهم من المسلمين) في أقصى غرب الصين، حيث يقع مبنى مهيب خلف سياج مغطى بأسلاك شائكة، تغطيه صور كبيرة مدهونة باللون الأحمر، لشخصيات تحث الناس على تعلم اللغة الصينية، ودراسة القانون واكتساب المهارات الوظيفية. فيما يمنع الحراس دخول الزوار إلى المكان.

ويقضي مئات الأشخاص من مسلمي الأيغور أيامهم في برنامج تلقين تُمارس فيه شتى أنواع الضغط العالي عليهم، حيث يُجبرون على الاستماع إلى المحاضرات، ويغنّون التراتيل التي تمدح الحزب الشيوعي الصيني ويكتبون مقالات "النقد الذاتي"، وفقاً للمحتجزين الذين أُفرج عنهم.

وقال أولئك المُفرج عنهم للصحيفة، إن هدف هذه الانتهاكات هو واحد، إجبار المحتجزين على إلغاء انتمائهم للديانة الإسلامية، وتبديلها بأيديولوجيا الحزب الحاكم، مما يؤدي إلى سلخهم عن هوية الإيغور.

منشأة حكومية في هوتان (nytimes)

وهذا المعتقل الواقع خارج هوتان، وهي واحة قديمة في صحراء تاكلامكان، ليس إلا واحدا من مئات المعسكرات التي بنتها الصين في السنوات القليلة الماضية، كجزء من الحملة التي اكتسحت حياة مئات الآلاف من المسلمين الصينيين، وأجبرتهم على الانصياع إلى برامج لمفترات تصل لأسابيع أو شهور من "الغسيل الدماغي"، بدون تهم جنائية.

وتُعتبر هذه البرامج الحكومية التي تجري في منطقة شينجيانغ، الأكثر قسوة في الصين منذ عصر الزعيم الشيوعي، ماو.

واتبعت الصين، سياسة حظر الإسلام وممارسات عقيدته لسنوات طويلة، وأمسكت شينجيانغ التي يعيش فيها نحو 24 مليونا مجموعة عرقية تتبع الديانة الإسلامية، بقبضة حديدية، ومعظم هؤلاء من أقلية الإيغور الذين لطالما "أزعجوا" مواقع صنع القرار في بكين، بدينهم ولغتهم وثقافتهم، إلى جانب تاريخ حركات الاستقلال ومقاومة الحكم الصيني.

وأشارت الصحيفة إلى أن الحزب الشيوعي الصيني بقيادة شي جينغ بينغ، صعّد من حملة القمع على الإيغور بعد أن وصلت قوة الهجمات التي قاموا بها إلى ذروتها عام 2014، بسبب اضطهادهم وقمعهم المتواصل منذ عقود.

وقاد شينغ بينغ في أعقاب تلك الأحداث، حملة وصفتها الصحيفة بأنها "عديمة الرحمة" بحق الأقليات العرقية المسلمة، من أجل تحويل أفرادها إلى التأييد الأعمى للحزب وللحكومة.

وأضافت الصحيفة أن السلطات لم تكتف بمعسكرات الاحتجاز التي شيّدتها من أجل إجبارهم عن التخلي عن هويتهم، بل اتبعت أيضا أساليب أخرى انتهكت من خلاله حقوقهم، حيث استخدمت المخبرين بشكل واسع النطاق، وكثّفت مراقبة الشرطة لهم، وفي أحيان ليست قليلة، ركّبت كاميرات مراقبة داخل منازل الأشخاص.

ونفت السلطات الصينية بشكل قاطع التقارير عن الانتهاكات في شينجيانغ. وزعمت في اجتماع للجنة الأمم المتحدة في جنيف، الشهر الماضي، أنها لا تدير معسكرات إعادة التثقيف، ووصفت المنشآت المعنية بأنها مؤسسات تصحيحية معتدلة تقدم "تدريبات للعمل"، أطلقت عليها اسم "معسكرات التثقيف".

"معسكر التثقيف" في هوتان (صورة عبر قمر صناعي) 

ولفتت "نيويورك تايمز" إلى أن الدفاع الدائم للسلطات الصينية عن نفسها، يتناقض مع أدلة باتت دامغة، والتي شملت توجيهات رسمية ودراسات وتقارير إخبارية وخطط بناء ظهرت على الإنترنت، بالإضافة إلى روايات شهود العيان عن عدد متزايد من المعتقلين السابقين الذين فروا إلى دول مثل تركيا وكازاخستان.

وأجرت "نيويورك" في الآونة الأخيرة، مقابلات مع أربعة معتقلين سابقين من شينجيانغ، تحدثوا فيها عن الاعتداء الجسدي واللفظي من قبل الحراس، ونظام غناء شعارات الحزب الروتيني الذي فُرض عليهم، والمحاضرات واجتماعات "النقد الذاتي"، بالإضافة إلى عدم معرفة موعد الخروج من المعتقل.

ولفتت الصحيفة إلى أن الكثير من الإيغور يرفضون التحدث لوسائل الإعلام بشكل عام، أو يرفضون الإفصاح عن أسمائهم، بسب خوفهم الشديد من تبعات ذلك على أفراد عائلاتهم المحتجزين أو المُختطفين.

وتبدأ أيام المحتجزين في هذه المعسكرات، بشكل عام، في إجبارهم على رياضة العدو (الركض)، بغض النظر عن أوضاعهم الصحية أو مهنهم أو أعمارهم، وتعرض "المتخلفون" بالركض، للكمات الحراس وإهاناتهم.

نقطة تفتيش في هوتان ( أ ب)

ومن ثم أُجبروا على غناء الأناشيد الوطنية الصينية، مثل "بدون الحزب الشيوعي، سوف تختفي الصين الجديدة". أولئك الذين لم يستطيعوا تذكر الكلمات تم منعهم من تناول وجبات الإفطار.

وقال أحد المحتجزين السابقين، عبد السلام محمد، لـ"نيويورك تايمز" إن المسؤولين لم يحظروا الإسلام تماما في المنطقة، لكنهم فرضوا قيودا على كيفية ممارسة شعائره، بما في ذلك حظر الصلاة في المنزل في حال زيارة أصدقاء أو ضيوف. ولُقنت هذه الدروس خلال فترة احتجازه التي استمرت 9 أشهر دون أي تهمة.

إن عدد الأشخاص المنتمين للأقليات المسلمة، والذين تم احتجازهم في هذه المعسكرات غير واضح. وتتراوح التقديرات من عدة مئات الآلاف إلى مليون، وتقول مجموعات من الأيغور في المنفى إن العدد أكبر بكثير.

مسجد في مدينة كاشغر (nytimes)

وتوزع السلطات في المنطقة، توجيهات رسمية تحذيرية للناس، تتضمن مؤشرات غريبة لنحو 75 علامة على ما تصفه بـ"التطرف الديني"، ومنها إطلاق الشباب للحى أو الصلاة في الأماكن العامة خارج المساجد أو حتى محاولة الإقلاع عن التدخين أو شرب الكحول.

وتنتشر نقاط التفتيش في هوتان بشكل كبير جدا حيث أن بضع مئات الأمتار تفصل الحاجز عن الآخر. 

وتجمع السلطات المعلومات عن السكان المحليين من الإيغور، عبر المخبرين والعملاء، وحتى تفتيش المنازل وهواتف الأشخاص الذين يتجولون في الشارع بحثا عن محتويات تعتبرها "متطرفة". 

 

التعليقات