الأوروبيون ينجرفون نحو الشعبوية

"في الأمد القصير، من المتوقع أن يحافظ الشعبويون على هذه القوة، لكنها ستكون أكثر يمينية رادكالية بشكل واضح وستظل هناك اختلافات إقليمية ووطنية مهمة"

الأوروبيون ينجرفون نحو الشعبوية

توضيحية (pixabay)

ارتفعت آفة العنصرية ومعاداة اللاجئين في أنحاء أوروبا في السنوات الأخيرة، بالتزامن مع تصاعد قوة اليمين الشعبوي الأوروبي، الذي بات يحظى بتمثيل رسمي في 11 دولة على امتداد القارة العجوز.

وأعدت صحيفة "ذي غارديان" البريطانية مؤخرا، تحليلا حول مدى تأييد الأوروبيين للأحزاب اليمينية الشعبوية، يُظهر أنها استطاعت أن تزيد من مؤيديها بثلاثة أضعاف في غضون الأعوام الـ20 الماضية، بما يشمل 31 دولة أوروبية.

وتُشير البيانات التي جمعتها الصحيفة، إلى الفارق الكبير بين التأييد الذي حازت عليه الأحزاب الشعبوية بالمجمل (يمينية أو يسارية أو أخرى) في عام 1998 والذي بلغ نحو 7 في المائة من مجمل الأصوات في برلمانات أوروبا، وبين ما تحصل عليه هذه الأحزاب اليوم، فقد بلغ أكثر من ربع مجمل الأصوات في جميع عمليات الاقتراع الأخيرة في هذه الدول.

مقياس زيادة الشعبوية في أوروبا منذ العام 1998 وحتى العام 2018
​​​​​​(باللون الأحمر، الشعبوية اليسارية، بالأبيض، الشعبوية الأخرى، 
بالأزرق، الشعبوية اليمينية)

ولفتت الصحيفة إلى أن داعمي الشعبوية بشكل عام، يزعمون أنها تساعد الأشخاص العاديين على الحصول على مصالحهم الخاصة، ولهذا يجب أن تكون قوّة أساسية في أي ديمقراطية، لكن معارضيها يدعون أن وجود الشعبويين في السلطة، يدمر أسس الديمقراطية في أغلب الأحيان، إما عن طريق تقويض حرية الصحافة والقضاء أو بانتهاك حقوق الأقليات.

وتأتي نتائج الدراسة التحليلية، قبل نحو نصف عام من انتخابات البرلمان الأوروبي القادمة، والتي من المتوقع أن يحصل فيها الشعبويين اليمينيون على عدد تاريخي من مقاعد المجلس التي تبلغ 751 مقعدا.

وأشارت الصحيفة إلى أن اليسار الشعبوي الأوروبي حاز على بعض التأييد في موجة الشعبوية المنتشرة على امتداد القارة بعد الأزمة الاقتصادية عام 2008، لكنه لم يحصل على تمثيل حقيقي سوى في اليونان، فيما يُسيطر اليمين الشعوبي على المجر وإيطاليا.

واستندت "ذي غارديان" في تحليلها إلى بيانات التحولات السياسية لمئات الأحزاب في أوروبا. 

وتُظهر الدراسة، مدى ارتفاع الشعبوية في أوروبا على مدار السنوات منذ العام 1998، والتي تصاعدت قوتها بشكل خاص في دول شرق أوروبا في بدايات القرن الواحد والعشرين، لتُحقق بعد ذلك نجاحا كبيرا في سائر أنحاء أوروبا خلال الأعوام الثلاثة الماضية.

وتعود الشعبوية في أوروبا إلى عقود طويلة، فقد أسس "حزب الحرية" النمساوي على سبيل المثال، في خمسينيات القرن الماضي، على يد نازي سابق، وحاز على خُمس الأصوات في انتخابات عام 1994، لكنه اليوم ضمن الائتلاف الحكومي.

الدول الأوروبية بحسب انتشار الشعبوية في العام 2018، 
(اللون الداكن، الأكثر انتشارا، اللون الفاتح، الأقل انتشارا)

وحظيت الأحزاب الشعبوية بالنجاح في النرويج وسويسرا وإيطاليا في التسعينيات. لكن الأفكار الشعبوية لم تبدأ بالانتشار إلا في بداية القرن الحالي، الذي يكثر فيه المشرعون المعتنقون لهذا الفكر، من هولندا إلى فرنسا والمجر وصولا إلى بولندا.

وصنفت الدراسة الدول بحسب حدّة انتشار الشعوبية، لكنها ركزت على أن جميع أنواع الشعبوية لاقت رواجا خاصا بعد نقطتين مفصليتين، وهما الانهيار الاقتصادي عام 2008، وما يُسمى بـ"أزمة تدفق اللاجئين" عام 2015.

وشددت الصحيفة على أن دارساتها تُظهر أن الأحزاب الشعبوية اليسارية، لم تحظ برواج ناجح في أوروبا، لكنهم بدأوا بزيادة قوتهم بعد الموجة المُضادة لنجاح الشعبويين اليمينيين، خصوصا في إسبانيا وفرنسا.

وقالت الباحثة في جامعة لوسفونا في عاصمة البرتغال، كلوديا ألفاريس، لـ"ذي غارديان"، إن "نجاح هؤلاء السياسيين له علاقة كبيرة في قدرتهم على إقناع جمهورهم بأنهم لا ينتمون للنظم السياسية التقليدية، كمثل أنهم بالتساوي مع العامة، لا ينتمون إلى النخب 'الفاسدة'".

وأَضافت ألفاريس أن "الغضب الذي ينجح الشعبويون في السيطرة عليه، يتغذى بمنشورات وسائل التواصل الاجتماعي، لأن الأخيرة تتُيح الانتشار السهل للعواطف، والنتيجة النهائية هي زيادة استقطاب الخطاب السياسي والصحافي".

وفي حين أشارت نتائج التحليل إلى أن قوّة الشعبويين المتصاعدة تصتدم بقوى مناوئة لها في بعض البرلمانات كما في بلجيكا، لكن البيانات تُشير إلى أنه على امتداد القارة قوتها باتت تُشكل عاملا أساسيا في سياسات الدول الأخرى، فبالمقارنة بنحو 12.5 مليون أوروبي كان لديها تمثيل برلماني شعبوي واحد على الأقل عام 1998، فإن هذا الرقم أصبح في العام الحالي أكثر من 170 مليون أوروبي.

 وعلق البروفيسور في العلاقات العامة من جامعة جورجيا، كاس مود، على نتائج الدراسة، أن "في الأمد القصير، من المتوقع أن يحافظ الشعبويون على هذه القوة، لكنها ستكون أكثر يمينية رادكالية بشكل واضح وستظل هناك اختلافات إقليمية ووطنية مهمة".

 

التعليقات