الإكوادور: فشل السد الصيني لا يعني أن الديون توقفت

يلفت فشل سد "كوكا كودو سينكلير" إلى موضوع سياسي أعمق من مجرد بناء مشاريع، فقد تغلغلت الصين بقوتها الاقتصادية الكبيرة إلى جنوب أميركا منذ الانهيار الاقتصادي عام 2008، بهدف إلغاء الهيمنة الأميركية الكاملة على المنطقة...

الإكوادور: فشل السد الصيني لا يعني أن الديون توقفت

(نيويورك تايمز)

يقع سد "كوكا كودو سينكلير" في أحد أجزاء غابة الأمازون في الإكوادور، وبعد مرور عامين فقط على افتتاحه، امتلأ بآلاف التشققات التي تفسد آلية عمله، فيما سدّ الوحل والرمال والأشجار خزانه، مما عطل عمليّة إنتاج الكهرباء في الدولة اللاتينية الفقيرة المديونة بشكل شبه كامل للصين.

ومولت الحكومة الصينية بناء السد الذي بناه عمالها على مدار ست سنوات رغم تحذيرات علماء الجيولوجيا الذين قالوا إن فوهة البركان الفعالة الموجودة بمحاذاته قد تؤدي لهزة أرضية ستدمره بالكامل.

(نيويورك تايمز)

ورغم أن الغرض الأولي من السد، كان دعم طموحات الإكوادور الواسعة، بتغطية احتياجاتها من الطاقة، وبالتالي مساعدتها على الخروج من دائرة الفقر، تحول المشروع إلى عائق حقيقي بات جزءا من فضيحة كبرى على مستوى الأوساط الحكومية، يُشير إلى تغلغل الفساد في نظام البلاد، ومخاطر هائلة تهدد الاقتصاد بسبب الديون الهائلة التي ستُقيد مستقبل البلاد بأكمله للصين.

وأفاد التقرير الذي أعده الصحافي فدريكو ريوس إسكوبار، لصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، بشأن أزمة السد، أن السلطات سجنت معظم المسؤولين الكبار الذين تورطوا في بناء المشروع، أو تحاكمهم بتهم متعلقة بتلقيهم رشاوى.

(نيويورك تايمز)

وتشمل قائمة المسؤولين هؤلاء، نائب رئيس الوزراء السابق ووزير كهرباء سابق، وحتى المسؤول السابق عن مكافحة الفساد الذي راقب المشروع.

وأضاف التقرير أن الحكومة مديونة للصين، بنحو 19 مليار دولار، تشمل تكلفة السد ومشاريع أخرى، كتشييد جسور وافتتاح شوارع سريعة ومدارس وعيادات طبية وغيرها.

وشددت الصحيفة على أن الصين سوف تتلقى أموالها بغض النظر إن كانت للإكوادور القدرة على تسديد هذه الديون أم لا.

النفط بدلا من الدولار 

نصت الكثير من العقود التي أبرمتها الإكوادور مع الصين في مشاريع مختلفة، على أن الأولى ستدفع ديونها ببراميل النفط بدل الدولارات، بل وتحصل الصين على النفط بسعر مخفض ومن ثم تقوم ببيعه بسعر أعلى لتحصل على أرباح إضافية من الفارق. الأمر الذي مكنها من السيطرة على ما يعادل 80 في المائة من صادرات النفط الأكثر قيمة في الإكوادور.

ولفتت الصحيفة إلى أن الإكوادور التي تكافح من أجل سداد دينها، أصبحت تحفر بشكل أعمق في غابات الأمازون من أجل العثور على كميات أكبر من النفط، مما يهدد بفناء هذه الغابات.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فرئيس الإكوادور، لينين مورينو، خفض الإنفاق الاجتماعي ودعم البنزين وأغلق العديد من الوكالات الحكومية وألغى أكثر من 1000 وظيفة عامة، بهدف تسديد الديون للصين.

ويتوقع معظم الاقتصاديين انزلاق البلاد إلى حالة الركود الاقتصادي، فيما قال وزير الطاقة في البلاد، كارلوس بيريز، لـ"نيويورك تايمز" إن "الصين استغلت الإكوادور" بهدف فرض السيطرة الاقتصادية عليها.

سد الإكوادور مرآة لسيطرة الصين عليها وعلى دول أميركا الجنوبية

يلفت فشل سد "كوكا كودو سينكلير" إلى موضوع سياسي أعمق من مجرد بناء مشاريع، فقد تغلغلت الصين بقوتها الاقتصادية الكبيرة إلى أميركا الجنوبية منذ الانهيار الاقتصادي عام 2008، بهدف إلغاء الهيمنة الأميركية الكاملة على المنطقة، برغبة من حكومات هذه الدول.

وقالت "نيويورك تايمز" إن الصين رفعت شعار "نتعامل مع بعضنا البعض بشكل متكافئ"، في سعيها لضخ أموال هائلة في اقتصادات هذه الدول، من أجل حثها على الابتعاد عن التبعية للولايات المتحدة، مما جعل الأولى الشريك التجاري الأول لأميركا الجنوبية، التي جاءت أموالها على شكل استثمارات في البنى التحتية والقروض.

لكن سد الإكوادور، يُظهر عدم صدقية "التكافؤ" بشعار الصين، فرغم أن الأولى هي الخاسر الأول والأخير من بنائه، إضافة إلى كونها المسؤولة الأساسية عن تطبيق المشروع، إلا أن الصين أيضا، تغاضت عن عيوب التصميم العميقة، وتبعاته الاقتصادية المشكوك بها والتحذيرات العملية المستقلة بشأن عدم جاهزية المنطقة الجغرافية على تحمله.

(نيويورك تايمز)

وقد يعود السبب الرئيسي لتجاهل التحذيرات بشأن السد، إلى التوازنات الجيوسياسية التي سادت قُبيل البدء في المشروع عام 2010، فقد كان اليساري الشعبوي، رفاييل كوريا، رئيسا للبلاد، وصل إلى سدّة الحكم بعد فوزه في انتخابات عام 2006، والذي تعهد بوصوله إلى السلطة بتحرير بلاده من الهيمنة الأميركية.

ولفتت الصحيفة إلى أن خطابات كوريا، تجاه الولايات المتحدة، كانت شديدة اللهجة، ومناهضة للإمبريالية، حتى أنه رفض تجديد عقد جهاز أمني أميركي كان يراقب حركة تجارة المخدرات من قاعدة طائرات حربية إكوادورية عام 2008.

وسرعان ما دفع كوريا باتجاه "إخراج" المؤسسات الغربية من بلاده، حيث استنكر طريقة عمل صندوق النقد الدولي، قائلا إنه يقيض إمكانيات الإنفاق بالبلاد عن طريق الشروط التي يفرضها مع قروضه، لتدخل البلاد في عجز خارجي بنحو 3.2 مليار دولار عام 2008، دعا الرئيس على إثره، الصين لملئ الفراغ.

هاتف داخل السد يؤكد هويته (نيويورك تايمز)
 

ودخلت الصين بالفعل، لكن بقروض قيدّت اقتصاد الإكوادور بشكل كبير، فقد اشترطت استخدام الشركات الصينية في مشاريع البنى التحتية، مما أدى إلى القضاء على المنافسة.

وأشارت الصحيفة إلى أن الصين كانت معنية بالنفط الإكوادوري بشكل خاص، فرغم أن كوريا نجح بإدخال أموال إلى بلاده، إلا أنه أدخلها في أزمة أخرى، الطاقة، فقد استنفذ الجفاف خزانات البلاد، وشل سدوده التي كانت تنتج الكهرباء، وبدلا من أن يبحث الرئيس عن مصدر آخر للطاقة، كالنفط مثلا، ضاعف من السدود الكرهومائية.

(نيويورك تايمز)

 وكان يُفترض بسد "كوكا كودو سينكلير"، أن يوفر ثلثان من مجمل الكهرباء في البلاد، وكان أكبر استثمار في تاريخ الإكوادور، إلا أنه فشل في إنتاج هذه الكمية من الطاقة، بل ولا يستطيع أن يعمل بأكثر من نصف طاقته، بسبب المشاكل التقنية.

واشتكى السكان المحليون للصحيفة، عن خوفهم من سقوط أبراج السد من الانهيارات الوحلية، التي تبدو لهم غير ثابتة، كما أن أكثر من 7000 شق في جدار السد الإسمنتي يخيفهم أيضا.

وإضافة إلى الأعباء الاقتصادية الثقيلة التي يعاني منها المواطنون بسبب ديون الحكومة الكبيرة للصين، فقد لفت البعض إلى أسعار الكهرباء الباهظة، رغم أن السلطات وعدت بأن بناء السد سوف يوفر الكثير عليهم.

 

التعليقات