"وكلاء سريون" وشركات وهمية يلاحقون كاشفي جرائم "NSO" الإسرائيلية

تقارير تكشف عن محاولات "وكلاء سريين دوليين" من شركات وهمية استدراج ذوي الصلة بالكشف عن دور شركة "NSO" الإسرائيلية في عمليات تجسس وفي جرائم بينها قتل جمال خاشقجي، وهي الشركة التي أنتجت برنامج "بيغاسوس" للتجسس

مقر الشركة الإسرائيلية في هرتسليا

كشفت تقارير، نشرت مؤخرا، عن محاولات "وكلاء سريين دوليين" من شركات وهمية استدراج ذوي الصلة بالكشف عن دور شركة "NSO" الإسرائيلية، التي أنتجت برنامج "بيغاسوس" للتجسس، الذي تستخدمه دول عربية، أبرزها الإمارات.

واستخدم الوكلاء، بحسب تقارير نشرت في "العربي الجديد" و"أسوشيتد برس" ذرائع مختلفة لاستجواب ذوي الصلة، بضمنها انتحال دور مقدم منح دراسية في بريطانيا، أو شركة مختصة بالتكنولوجيا المالية من جنوب أفريقيا، أو شركة فرنسية مختصة بالتكنولوجيا الزراعية.

وكتب الصحافي إياد حميد الذي أعد تحقيقا عن نشاط الشركة في "العربي الجديد":

شركة البرمجة الإسرائيلية "NSO" تحاول استدراج مراسل "العربي الجديد"

عرضت القناة الإسرائيلية الثانية عشرة يوم السبت الماضي، في التاسع من فبراير/شباط الحالي، تقريرا تحاول فيه ضرب صدقية مجموعة من الناشطين، محامين وصحافيين، كشفوا، في أيلول/ سبتمبر الماضي، قضية شركة السايبر "NSO" الإسرائيلية التي أنتجت برنامج "بيغاسوس" للتجسس والذي تستخدمه دول عربية، منها الإمارات.

ويشمل تقرير القناة الإسرائيلية، حديثا صوتيا لي تم تسجيله سرا في إطار جلسة مع شخص قدّم نفسه على أنه يتولى تقديم منح دراسية جامعية في بريطانيا، وقد استُخدم جزء من الحديث مع الشخص المذكور، في تقرير القناة الإسرائيلية، لكوني الصحافي الذي نشر تحقيقا في "العربي الجديد" مطلع أيلول/ سبتمبر الماضي، عن استخدام المخابرات الإماراتية للبرنامج الإلكتروني، ويكشف عن التجسس على عدد من المعارضين السياسيين والصحافيين، بالإضافة إلى قادة دول أبرزهم أمير دولة قطر تميم بن حمد آل ثاني، ورئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري.

حصل اللقاء معي تحت ذريعة إجراء مقابلة في إطار احتمال تقديم منحة دراسية لي، كوني أيضا طالب دكتوراة في جامعة لندن. وشمل التقرير التلفزيوني مقتطفات من حديث حصل نهاية العام الماضي معي، وقد حاولت القناة الإسرائيلية من خلاله تصوير التحقيق على أنه جزء من الخلاف الخليجي، وأنه مكتوب بتوجيه قطري، وبإشارات تلمّح إلى دور مزعوم للدكتور عزمي بشارة، الذي تناصبه الدوائر الإسرائيلية عداوة معروفة. وكانت قد تواصلت معي سيدة تُدعى سارة جانسن Sara Jansen تزعم أنها سكرتيرة جميل عباسي Jamil Abbasi الذي يفترض أنه يمثل مجموعة تعرف باسم MGP management ومقرها بروكسل يوم 23  تشرين الثاني/ نوفمبر 2018. وادعت سارة جانسن في الاتصال أن المؤسسة ستبدأ بتقديم منح للطلاب السوريين ضمن نشاطاتها الخيرية، وأرسلت لي صيغة الطلب مرفقة عبر البريد الإلكتروني. بعد أن تقدمتُ بالطلب، والذي تم قبوله، رُتب لي لقاء مع المدعو جميل عباسي في كافتيريا فندق في لندن يوم 13 كانون الأول/ ديسمبر 2018.  

بدأت المقابلة باستعراض بسيط لسيرتي الذاتية، ومن ثم انتقل للحديث مباشرة عن التحقيق المنشور في "العربي الجديد" قبل بضعة أشهر. كثف المدعو عباسي (إن كان هذا هو اسمه الحقيقي) أسئلته عن المقال المنشور، علماً أن الحديث دار باللغة الإنكليزية.

وتركزت أسئلته على كيفية وصول الوثائق المنشورة والمرفقة مع المقال، وعلى كيفية إعداده. كما حاول المدعو عباسي أن يدفعني للقول إن القضية كلها موجهة من جهات عليا في دولة قطر. وكان ردي بكل بساطة أن الوثائق وصلتني لمعرفتي الشخصية بالمصدر، وأن القضية مدعومة بوثائق صحيحة، تُعد سبقا صحافيا، لذلك اتخذ قرار نشره. كما أكدتُ أن دولة الإمارات ارتكبت خطأ في تصرفها ذاك (استخدام برنامج التجسس الإسرائيلي)، وأنني أستبعد أن يتمكن مصدر المعلومات من نشر التحقيق في صحيفة إماراتية.

بالطبع، عند تركيز عباسي أسئلته على موضوع لا يتعلق بالمنحة الدراسية، انتابني الشك، واكتفيتُ بالرد بأجوبة عامة ومذكورة في المقال المنشور في شهر أيلول/ سبتمبر. ثم طلب المدعو عباسي عن طريق معاوِنته لقائي مجدداً ليطلعني على نتيجة طلبي للمنحة الدراسية. 

عُقد اللقاء الثاني بالفعل يوم 16 كانون الثاني/ يناير 2019 في كافتيريا فندق آخر في لندن. لم يشمل اللقاء الثاني استجواباً آخر عن المقال، ولكنه سألني إن كنتُ قد اطلعتُ على تقرير منظمة Citizen lab الخاص بتطبيق "بيغاسوس"، فأجبتُ بالنفي. ثم بدأت تفاصيل الموضوع بالانكشاف يوم 26 كانون الثاني/ يناير، حيث نشرت وكالة "أسوشييتد برس" الأميركية، تقريراً تروي فيه تعرض أفراد آخرين ممن شاركوا في التحقيق بقضية استخدام السلطات الإماراتية برنامج التجسس الإسرائيلي، إذ جرى استهداف/أو استدراج عدد منهم بطريقة مماثلة، وإن كان بعضهم تيقّن سريعاً لطبيعة استهدافه وأسبابه، ربطاً بإثارة فضيحة التجسس الإماراتي ببرامج إلكترونية إسرائيلية، ليأتي تقرير القناة الإسرائيلية الذي بُثَّ يوم السبت الماضي، ويكشف أبعاد القضية وطبيعتها. وتبع ذلك صدور تحقيق "أسوشييتد برس" أيضاً يوم الإثنين 11 شباط/ فبراير ليكشف المزيد من التفاصيل عن طرق الاحتيال التي اتبعتها الشركة الإسرائيلية لاستهداف الأفراد العاملين على التحقيق. كما كشفت أن الشركة التي زعم السيد عباسي عمله لصالحها  (MGP management)، لا وجود لها أصلاً.

"وكلاء سريون دوليون" من شركات وهمية يستجوبون موظفي مؤسسة كندية كشفت أدوات التجسس الإسرائيلية

وعلى صلة، قالت مؤسسة "سيتيزين لاب" (Citizen Lab) الكندية التي كشفت استخدام أدوات تجسس إسرائيلية في التنصت على مقرب من الصحفي السعودي الراحل جمال خاشقجي، إن موظفيها استُجوبوا من قبل من وُصفوا بـ"وكلاء سريين دوليين".

وكانت قد أفادت وكالة "أسوشييتد برس"، السبت، أن "الوكلاء الدوليين السريين" الذين انتحلوا صفة مستثمرين، استدرجوا مرتين خلال الشهرين الماضيين موظفين في المؤسسة البحثية التي تنشط على أساس جامعة تورنتو في كندا، إلى لقاءات في فنادق فاخرة بتورنتو ونيويورك، حيث استجوبوهم لساعات بخصوص اكتشافاتهم المتعلقة بوجود "بصمات إسرائيلية" في قضية خاشقجي، وكذلك حياتهم الشخصية.

وأشارت الوكالة إلى أن الغموض لا يزال يلف الطرف الذي ينتمي إليه هؤلاء "الوكلاء"، لافتة إلى أن تصرفاتهم تشابه ما يستخدمه المحققون الخاصون الذين يتقمصون شخصيات وهمية لجمع معلومات استخباراتية، أو مواد تشهير أو معطيات مشوهة لسمعة شخصيات بارزة داخل الحكومات أو أوساط الأعمال.

وفي بداية الأمر، تسلم اللاجئ السوري العامل في "سيتيزين لاب"، بحر عبد الرزاق، في السادس من كانون الأول/ ديسمبر، رسالة عبر شبكة "لينكد إن" للتواصل الاجتماعي من رجل قدم نفسه تحت اسم غاري بومان، وقيل إنه مسؤول جنوب أفريقي في شركة مختصة بالتكنولوجيا المالية (تبين لاحقاً أنها وهمية) ويقيم في مدريد، حيث اقترح على عبد الرزاق الانضمام إلى "مبادرة جديدة" لمساعدة اللاجئين.

ووافق عبد الرزاق على اللقاء بهذا الرجل في فندق شنجري لا (Shangri-La) في تورنتو، لكن بدلا عن مشاكل اللاجئين، سرعان ما تطرق الحديث إلى تحقيق "سيتيزين لاب" في استخدام أجهزة (NSO) في التجسس على خاشقجي والمقربين منه.

وكشف عبد الرزاق أن بومان وجه إليه أسئلة مثيرة للاستغراب، بما في ذلك إن كان اللاجئ السوري يؤدي الصلاة وهل يشعر بكراهية تجاه "إسرائيل".

وبعد هذا الحادث، تلقى موظف آخر في "سيتيزين لاب"، جون سكوت-رايلتون، رسالة مماثلة من رجل يدعي أن اسمه ميشيل لامبيرت، رئيس شركة باريسية مختصة بالتكنولوجيات الزراعية (وهي وهمية أيضا).

وأعرب هذا الشخص عن اهتمامه ببرنامج عمل عليه سكوت-رايلتون سابقا، وهو متعلق بوضع خرائط باستخدام صور تلتقط بواسطة طائرات ورقية.

واقترح لامبيرت على سكوت-رايلتون اللقاء في مطعم بفندق في نيويورك، لكن الموظف كان يشكك منذ البداية في حسن نية "المسؤول الفرنسي"، لا سيما في ظل ما حدث سابقاً لزميله عبد الرزاق.

ولذلك وصل سكوت-رايلتون إلى اللقاء مجهزا بأدوات تنصت وتسجيل أيضا، وجلس على طاولة مجاورة صحفيون من "أسوشييتد برس".

ولاحظ سكوت-رايلتون داخل المطعم أشخاصا تابعوا حواره مع لامبيرت والتقط أحدهم صورا، كما وضع "المسؤول الفرنسي" على الطاولة قلما لاحظ فيه موظف "سيتيزين لاب" عدسة كاميرا.

وتكرر خلال هذا اللقاء السيناريو السابق، إذ بدأ لامبيرت يوجه أسئلة بخصوص "العنصرية ومعاداة السامية" داخل "سيتيزين لاب" ودراساتها المتعلقة بـ(NSO).

وفي نهاية اللقاء، دعا سكوت-رايلتون إلى الطاولة صحفيي "أسوشييتد برس"، ما حيّر لامبيرت، الذي رفض الإجابة عن أسئلتهم واكتفى بالقول: "أعرف ما أفعله، ولا يجب علي تقديم أي توضيحات".

ودان رئيس "سيتيزين لاب" للبرمجيات الأمنية، رون ديبيرت، بأشد العبارات هذه التصرفات، واصفا إياها بـ"تحركات شريرة وراء الكواليس"، وشدد على أن أي اعتداء ماكر على منظمته هو اعتداء على الحرية الأكاديمية عموما.

وفي تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، أعلنت "سيتيزين لاب" أن أجهزة تجسس منتجة من قبل شركة "NSO" الإسرائيلية، استخدمت في تعقب الصحفي جمال خاشقجي الذي قتل داخل قنصلية بلاده في إسطنبول بالثاني من الشهر نفسه.

التعليقات