ما علاقة الدين بالصراع السريلانكيّ؟

حطم الهجوم الإرهابي المنظم الذي استهدف سلسلة من الكنائس في سريلانكا، فجر اليوم الأحد، والذي أسفر عن مقتل نحو 200 شخص، الهدوء الذي حظي به الشعب السريلانكي لبعضة سنوات بعد انتهاء حرب أهلية شرسة

ما علاقة الدين بالصراع السريلانكيّ؟

سريلانكيّون عقِب إحدى الهجمات الإرهابيّة، اليوم (أ ب)

حطَّم الهجوم الإرهابي المنظَّم الذي استهدف سلسلة من الكنائس في سريلانكا، فجر اليوم الأحد، والذي أسفر عن مقتل نحو 200 شخص، الهدوءَ الذي حظي به الشعب السريلانكي لبضعة سنوات بعد انتهاء حرب أهلية شرسة.

ورغم عدم تبني أي جهة مسؤولية الهجوم الإرهابي، إلا أنه سرعان ما أطلق السياسيون بمن فيهم رئيس الوزراء رانيل ويكريسيمينغي، ووزير الاقتصاد، مانغالا سماراويرا، وغيرهما؛ دعوات لضبط النفس والامتناع عن نشر الأخبار "الكاذبة" أو التحريض، خشية تفاقُم حدّة التوتر في ظل أزمة طائفية وعرقية تعصف بالبلاد، كان يُعتقد أنها في انخفاض قبل الهجوم الإرهابي.

أمام إحدى الكنائس عقب الهجوم (أ ب)

ووصف سماراويرا في خطاب مُتلفز، هذه الجريمة النكراء، بـ"محاولة منسقة للغاية للتشجيع على القتل والأذى والفوضى".

واتخذت السلطات إجراءات صارمة، لمنع أي تفاقم للأحداث، حيث أعلنت فرض حظر التجول في البلاد، وحجب مواقع التواصل الاجتماعي درءا لانتشار أخبار "كاذبة" تحريضية.

وتصبُّ جميع هذه المساعي في محاولات السلطة لمنع دخول البلاد في حرب أهلية أخرى، خصوصا أن الشعب لم يتعافى بشكل كامل من الحرب التي استمرت نحو 30 عاما وانتهت عام 2009، مخلفة وراءها أكثر من مئة ألف قتيل.

(أ ب)

ما الذي تسبب باندلاع الحرب؟ 

بدأت الحرب الأهلية في سيريلانكا رسميا، في 23 تموز/ يوليو 1983، بعد أن شنت جماعات مسلحة من أقلية التاميل، عمليات مسلحة ضد الحكومة، مُطالِبةً باستقلال مناطق الأقلية في البلاد.

لكن الأزمة تعود إلى ما قبل ذلك بعقود، فمنذ حصول البلاد على استقلالها عن الاستعمار البريطاني عام 1948، الذي استمر لنحو قرنين من الزمن؛ سيطرت حكومة الأغلبية السنهالية على البلاد بمنطق عرقيّ أرساه الاستعمار سابقا، وهو "التمثيل الطائفي" الذي تتطور لاحقا إلى سيطرة تامة للأغلبية، وقمع الأقلية التاميلية.

 (أ ب)

ومارست السلطة شتى أنواع الإقصاء العرقي للأقلية، بما في ذلك حرمان نحو 700 ألف تاميلي من جنسية البلاد لعقود طويلة، وبما أن التامليين ينحدرون تاريخيا من منطقة الهند، فقد هاجر مئات الآلاف منهم للعيش بالهند بعد الانتهاكات التي تعرضوا لها على يد الأغلبية السنهالية.

وفرضت السلطات عام 1956 اللغة السنهالية، لغة رسمية وحيدة للبلاد، ما أدى إلى إقصاء التامليين الذين لم يتحدثوا اللغة بطلاقة، حيث كانت اللغة الرسمية للبلاد قبل الاستقلال، اللغة الإنجليزية، وبالتالي أدى نشوب عدّة احتجاجات إلى تفاقم التوتر العرقي بعد ذلك بعامين، وقُتل الآلاف، معظمهم من التاميليين إثر ذلك.

أثناء نقل ضحايا (أ ب)

وتفاقمت الأحداث والقوانين العنصرية إلى أن تشكلت حركة "نمور تحرير إيلام تاميل" عام 1976 التي طالبت باستقرار إقليم "إيلام تاميل"، وهو الاسم المُعطى من قبل التاميليين  للدولة المستقلة التي يطمحون بها في الأجزاء الشمالية والشرقية لجزيرة سريلانكا.

وفي 23 تموز/ يوليو 1983، نفذت "نمور التاميل" كمينا لدورية تابعة للجيش السريلانكي خارج بلدة ثيرونيلفيلي، ما أسفر عن مقتل ضابط و 12 جنديا، ليتم تحريض السنهاليين من قبل الحكومة للهجوم على التاميليين، وقتل الآلاف منهم في العاصمة كولومبو، وبذلك انطلقت حرب أهلية دامية استمرت لقعود.

ما علاقة العامل الديني بالحرب؟

لم يكن الدين محور الصراع لكن نظرا لاعتناق الأغلبية السنهالية، بشكل شبه كامل للديانة البوذية، بعكس الأقلية التاميلية التي تنتمي معظمها إلى الهنودسية والإسلام والمسيحية، فقد ضخم الفارق الديني الأزمة العرقية في البلاد.

وشملت الأشكال الأخرى من التمييز ضد التاميل السريلانكيين، نقل الفلاحين السنهاليين إلى المناطق التاميلية، وحظر وسائل الإعلام الناطقة باللغة التاميلية، وإقرار الديانة البوذية، وهو الدين الذي يعتنقه أغلب السنهاليين، ديانةً رسمية للدولة في الدستور السريلانكي الذي أُقِرّ في عام 1978.

كيف انتهت الحرب؟

خاضت الفصائل التاميلية المسلحة حربا شرسة ضد الحكومة السنهالية، بدعم عسكري من الهند إلى أن توصلت السلطات إلى معاهدة سلام مع الطرف الهندي في 29 تموز/ يوليو 1987، لتعلن معظم الفصائل إلقاء السلاح والالتزام بالحل السياسي، إلا أن "نمور التاميل" رفضت تسليم سلاحها، وصعَّدت من عملياتها العسكرية ضد الجيش السريلانكي، ليدخل الطرفان في مرحلة ثانية شرسة من النزاع، شهدت قتل آلاف المدنيين.

 (أ ب)

وشهد تشرين الثاني/ نوفمبر، من عام 1993، معركة ضارية بين السلطات و"نمور التاميل"، انتصرت فيه الأخيرة، لتنطلق موجة ثالثة من الحرب عام 1995، بعد أن تسلم التحالف الشعبي، برئاسة تشاندريكا كماراتونغا، السلطة في محاولة لإحلال السلام، في العام الذي سبقه، حيث توصل الطرفان لوقف إطلاق النار، كسرته "نمور التاميل" عندما نسفت زورقين بحريين حربيين للحكومة.

وتصاعدت الأحداث على مدار السنوات التي تلت ذلك، بعد أن قررت الحكومة القضاء على الحركة بشكل كمل.

واعترفت "نمور تاميل" أخيرا بالهزيمة في 17 أيار/ مايو 2009، ليعلن الرئيس ماهيندا راجاباكسا أن الحكومة ملتزمة بحل سياسي، واتخاذ إجراء لإرساء حلٍّ فيدراليّ، مع استمرار القوات الحكومية بالقضاء على مقاتلي الحركة، وتعنُّت أطراف حكومية أخرى، بعدم قبول حل دبلوماسي نظرا لهزيمة التنظيم المسلح بالكامل.

(أ ب)

مسألة جرائم الحرب والتطهير العرقي

اتُهم الطرفان بارتكاب جرائم حرب، لكن الجيش السيريلانكي حظي بالحصة الأكبر من هذه الجرائم ضد حركة "نمور التاميل"، خصوصا في الأشهر الأخيرة قبل انتهاء الحرب، وتشمل هذه الاتهامات تنفيذ هجمات متعمَّدة ضد المدنيين والمباني المدنية من كلا الجانبين، وإعدام المقاتلين والسجناء من قِبَل الجانبين، وحالات إخفاء قسري على أيدي الجماعات العسكرية وشبه العسكرية السريلانكية التي تدعمها، ومنع السلطات الغذاء والدواء والمياه النظيفة عن المدنيين المحاصرين في منطقة الحرب، وتجنيد الأطفال، بالإضافة إلى الهجمات الانتحارية وغيرها.

ووجدت لجنة أممية، أن السلطات قتلت ما يزيد عن 40 ألف مدني تاميلي، في الأشهر الأخيرة للحرب، كما أن النزاع أجبر أكثر من 100 ألف تاميلي، على اللجوء للهند، وسط محاولات لتطهير المنطقة عرقيا.

 (أ ب)

هل توصل السريلانكيون إلى مُصالحة شاملة؟

تعهد الرئيس الحالي ماثريبالا سيريسينا، بالمصالحة ومحاكمة مجرمي الحرب عندما تولى السلطة في عام 2015، لكن بوادر هذه المساعي لا زالت مبهمة.

ويشكل المسيحيون ما نسبته 7.4% من إجمالي سكان البلاد البالغ عددهم 22.4 مليون نسمة. وينتمي 82% من المسيحيين السريلانكيين إلى الكنيسة الكاثوليكية الرومانية، وفي العام الماضي فقط، كان هناك 86 حادثا يؤكد تعرُّض هذه الأقلية للتمييز والتهديد والعنف، وفقًا للتحالف الوطني المسيحي الإنجيلي بسريلانكا.

(أ ب)

وقالت وزارة الخارجية الأميركية في تقريرها لعام 2018 حول حقوق الإنسان في سريلانكا، أن بعض الجماعات والكنائس المسيحية ذكرت أنها تعرضت للضغوط لإنهاء أنشطة العبادة بعد أن صنفتها السلطات على أنها "تجمعات غير مصرح بها".

التعليقات