لقاء ترامب وإردوغان: تجاوز التوترات و"إعجاب شديد"

استقبل الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أمس الأربعاء، الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، وهو ما اعتبر تجاوزًا لتوترات التي تشوب علاقات بلاده مع تركيا، إذ أعلن ترامب أنه من أشد "المعجبين" بالرئيس التركي.

لقاء ترامب وإردوغان: تجاوز التوترات و

لقاء أمس (أ ب)

استقبل الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أمس الأربعاء، الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، وهو ما اعتبر تجاوزًا لتوترات التي تشوب علاقات بلاده مع تركيا، إذ أعلن ترامب أنه من أشد "المعجبين" بالرئيس التركي.

وتزامن لقاء ترامب بإردوغان مع عقد الكونغرس أولى جلسات إجراءات عزل الرئيس مباشرة على هواء المحطات التلفزيونية الأميركية. وأمضى ترامب عدة ساعات في البيت الأبيض مع إردوغان، مدعيًا أنه لا يعير اهتماما لأزمته الداخلية.

وقال في مؤتمر صحافي مشترك مع ضيفه الرئيس التركي إنه "أفضل بدلا من ذلك التركيز أكثر على السلام في الشرق الأوسط"، واصفا إجراءات العزل بأنها "خدعة" و"دعابة".

وتجاوز ترامب أي جدل يتعلق بتركيا، وقال لدى استقباله إردوغان في البيت الأبيض "نحن صديقان منذ أمد بعيد". ويتباهى ترامب بأنه يحسن التفاوض مع القادة المتسلطين، لكن مفاوضاته مع إردوغان في الأسابيع الأخيرة اتسمت بالفوضى، وأثارت تساؤلات فعلية حول استدامة إستراتيجيته في سورية.

وبعد إعلان ترامب سحب القوات الأميركية المنتشرة على نقاط حدودية في شمال شرقي سورية، شنت أنقرة في التاسع من تشرين الأول/أكتوبر هجومًا عسكريًا على القوات الكردية السورية المدعومة من التحالف الدولي لتصدرها القتال ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش").

ووجه ترامب حينها إلى إردوغان رسالة غير مألوفة النبرة بين الرؤساء، ختمها بالقول "لا تكن متصلبا، لا تكن أحمق". وتحدثت تقارير حينها عن أن إردوغان لم يهمل الرسالة فحسب، بل رماها في سلة المهملات. وأمس قال إردوغان إنه استغل الزيارة ليعيد الرسالة لصاحبها. وإزاء موجة الانتقادات الشديدة الموجهة إليه بما في ذلك من حلفائه، شدد ترامب اللهجة لاحقا وهدد بـ"تدمير" الاقتصاد التركي وأمر بفرض عقوبات على تركيا، لكنه تراجع عنها بعد التوصل إلى اتفاق حول سورية في منتصف تشرين الأول/ أكتوبر.

لكن التخلي عن الحلفاء الأكراد وترك فراغ على الساحة السورية ملأته روسيا أثارا غضب العديد من أعضاء الكونغرس من ديموقراطيين وجمهوريين على السواء. وكتب أعضاء من الكونغرس من الطرفين في رسالة نشر نصها، الإثنين الماضي، "نعتقد أن الوقت غير مناسب لاستقبال الرئيس إردوغان في الولايات المتحدة، ونحضك على سحب دعوتك".

كذلك أثارت مواقف ترامب والهجوم التركي توترا حادًا داخل الحلف الأطلسي الذي يخشى عودة تنظيم "داعش" إلى الظهور. 

ولم يكن هناك أي مؤشرات على إمكانية إحراز تقدم كبير بعد لقاء ترامب وإردوغان حول أي من النزاعات المتزايدة بين البلدين.

وعلاوة على الملف السوري، فإن دور تركيا في حلف شمال الأطلسي محل تشكيك بعد قرار إردوغان شراء منظومة الدفاع الجوي الصاروخي الروسية أس - 400. وفيما يخص شراء أنقرة هذه المنظومة، قال ترامب إن المسألة تولّد تحديات خطيرة جدًا بالنسبة لنا، وآمل في أن نتمكن من حل هذه المشكلة. وأضاف أنه والرئيس إردوغان طلبا من كبار مسؤولي البلدين "العمل فورا على حل تلك المسألة".

فبالرغم من احتجاجات واشنطن، اشترت تركيا المنظومة الروسية، ما دفع الولايات المتحدة إلى استبعاد أنقرة من برنامج تطوير الطائرات المقاتلة إف - 35، بالرغم من استثمارات أنقرة الطائلة في هذا المشروع.

وقال ترامب في المؤتمر الصحافي، أمس، "أنا آمل انه سيكون بمقدورنا حل هذه المشكلة"، دون إعطاء مزيد من التفاصيل.

وعقد اللقاء بين ترامب وإردوغان عشية اجتماع للتحالف الدولي ضد تنظيم "داعش" على مستوى وزاري في واشنطن، استجابة لطلب عاجل من وزير الخارجية الفرنسية، جان إيف لودريان، إثر إعلان سحب القوات الأميركية من شمال سورية.

في المقابل، أعربت تركيا عن استيائها بعد تصويت مجلس النواب الأميركي في نهاية تشرين الأول/ أكتوبر على نص يعترف بـ"إبادة" الأرمن في ظل السلطنة العثمانية، وهو توصيف ترفضه تركيا.

ودعا ترامب، أمس، الدول الأوروبية للمشاركة في تحمل أعباء اللاجئين السوريين الموجودين بتركيا. وأضاف أن أنقرة أنفقت عليهم 40 مليار دولار، في حين ساهمت أوروبا بـ3 مليار فقط، داعيًا إياها لتحمل مسؤولياتها بشل أكبر وأن تعيد معتقلي "داعش" إلى بلادهم.

وقال ترامب خلال المؤتمر إنه والرئيس إردوغان أجريا محادثات بناءة وصريحة خلال اللقاء، وبحثا جملة من المواضيع الهامة جدًا من بينها الوضع في سورية. وأضاف أن "تركيا هي حليف عظيم في حلف شمال الأطلسي (ناتو) وشريك إستراتيجي للولايات المتحدة، وعلاقتنا الاقتصادية تستمر في التوسع".

وأشار أيضًا إلى أن "تركيا لديها ثاني أكبر قوة مسلحة في الناتو بعد الولايات المتحدة، وتزيد من إنفاقها الدفاعي بالحلف بخلاف الكثير من الدول".

كما شدد على أن "التحالف الأميركي - التركي يمكن أن يكون قوة كبيرة من أجل تحقيق الأمن والاستقرار ليس فقط بالشرق الأوسط بل أبعد من ذلك ".

وقال ترامب إن إردوغان "يحارب الإرهاب تماما مثلما نحاربه نحن"، لافتًا أن تركيا ساعدت الولايات المتحدة كثيرًا في ملف زعيم تنظيم "داعش"، أبو بكر البغدادي. وأضاف أنه "ممتن للرئيس أردوغان وشعبه على تعاونهما في مكافحة الإرهاب بشكل دائم".

ولفت ترامب أيضًا إلى أنه نجاح المفاوضات التي حصلت بين كبار مسؤولي بلاده وتركيا، في ما يخص العملية التركية في سورية، معربًا عن شكره للرئيس التركي على تعاونه ومساهمته مع واشنطن لبناء شرق أوسط أكثر استقرارًا وأمنًا وازدهارًا. وقال إن تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار في شمال شرقي سورية مستمر على قدم وساق.

وفي ما يخص توسيع حجم التجارة الثنائية بين البلدين لتصل 100 مليار دولار، قال ترامب "حققنا تقدمًا هائلًا في هذا الأمر، نشجع تركيا على فتح أسواقها بشكل أكبر، وهم يقومون بذلك بالفعل". وأضاف: "هدفنا توسيع التجارة بين الولايات المتحدة وتركيا، وخفض العجز التجاري بينهما".

وفي السياق، قال البيت الأبيض، في بيان مطول عقب الاجتماع إن تركيا "لديها إمكانات هائلة كشريك تجاري للولايات المتحدة".  ولفت إلى حجم الاستثمار الأميركي في تركيا، العام الماضي، الذي قال إنه بلغ 4.7 مليار دولار، وهذا يمثل زيادة 9% عن السنة التي سبقتها، في حين وصل حجم الاستثمار التركي في الولايات المتحدة 2.4 مليار دولار في 2018.

بدوره شدد الرئيس التركي على اتفاقه مع نظيره الأميركي على تطوير التعاون الثنائي بين بلديهما في شتى المجالات، مؤكدا أن تركيا أكبر شريك موثوق لواشنطن في سورية.

وتابع أنه "نعتقد بضرورة عدم الخلط بين الملفات السياسية والتجارية، وفي هذا السياق يعمل وزراؤنا لرفع حجم التبادل التجاري بيننا إلى 100 مليار دولار، ونأمل الابتعاد عن أية خطوات من شأنها جعل الوصول إلى هذا الهدف أمرًا صعب المنال".

وقال إننا "متفقون على تطوير العلاقات التركية الأميركية وتعميق تعاوننا على أرضية سليمة". وتابع أنه "مصممون على فتح صفحة جديدة في علاقاتنا بشكل يتناسب مع أواصر الشراكة المتجذرة بيننا"، مشيرًا إلى أن المباحثات الثنائية مع الجانب الأميركي تطرقت كذلك إلى مسألة العلاقات الثنائية في مجال الصناعات الدفاعية.

وأوضح أن "الخلاف بين البلدين بشأن منظومة الدفاع الصاروخي إس - 400 ومقاتلات إف - 35 يمكن التغلب عليه من خلال الحوار". كما أوضح أنه أخبر ترامب "أننا على استعداد لمواصلة التزاماتنا مع الكونغرس الأميركي من خلال الحوار البناء (بخصوص بيع منظومة باتريوت الأميركية لتركيا)".

وبخصوص ما يسمى جماعة فتح الله غولن، قال الرئيس التركي "أكدنا خلال لقائنا مع الأميركيين على طلبنا وتطلعنا حيال ضرورة إنهاء وجود تلك المنظمة في الولايات المتحدة".

وأضاف: "منظمة غولن الإرهابية أرادت عبر محاولة انقلاب فاشلة الإطاحة بالنظام الدستوري في تركيا، صيف العام 2016". وتابع "فهؤلاء الإرهابيون قتلوا في محاولتهم الانقلابية 251 مواطنًا تركيًا، وأصابوا 2193 آخرين، بل ووصلت بهم الجرأة إلى قصف البرلمان".

التعليقات