الانتخابات البريطانية: المحافظون "يتفوقون"... المستقبل الضبابي ينتظرهم

أظهر آخر استطلاع للرأي أعدته شركة الاستطلاعات البريطانية "دلتا بول"، ونشرته صحيفة "ذي غارديان"، تفوق الحزب المحافظ على منافسه الأقوى، حزب العمال، في الانتخابات المُزمع إجراؤها يوم الخميس المقبل

الانتخابات البريطانية: المحافظون

(أ ب)

أظهر آخر استطلاع للرأي أعدته شركة الاستطلاعات البريطانية "دلتا بول"، ونشرته صحيفة "ذي غارديان"، تفوق الحزب المحافظ على منافسه الأقوى، حزب العمال، في الانتخابات المُزمع إجراؤها يوم الخميس المقبل.

وأشار استطلاع الرأي الذي أُجري أول من أمس السبت، إلى أن المحافظين سيحصلون على 44 في المئة من الأصوات، مقابل 33 في المئة لصالح العمال، بينما ستكون الكتلة الثالثة في البرلمان لليبراليين الديمقراطيين الذين من المتوقع أن يسيطروا على 11 في المئة من مقاعده.

لكن ذلك لا يعني أن المحافظين سيتمرون بالتفوق في الأعوام المقبلة على العمال، على الأقل من وجهة نظر المحلل السياسي، وكاتب العمود في "ذي غارديان"، جون هاريس، الذي أعد مقالا، تحت عنوان "بغض النظر عن الفائز في انتخابات هذا الأسبوع، فيتوجب على المحافظين القلق بشأن مستقبلهم".

وقارن هاريس بين عدد الأعضاء في حزب العمال، والذين يفوق عددهم الـ450 ألف بريطاني، وبين نظرائهم المحافظين الذين يتخطى عددهم الـ160 ألف شخص بقليل، مشيرا إلى "غياب" المحافظين عن المشهد السياسي قُبيل الانتخابات.

وشدد الكاتب على أنه ما من أرقام دقيقة لنسبة الأعضاء الناشطين في الحزبين، لكنه أشار إلى أن 40 بالمئة من أعضاء الحزب المحافظ، تتجاوز أعمارهم الـ65، بينما يتشكل الحزب بنسبة 70 بالمئة من الرجال.

وهنا أشار هاريس إلى أن القوة الأساسية لحملة المحافظين الانتخابية، تكمن في موقفهم الداعم للخروج من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، بأقرب فرصة،/ متسائلا: "ماذا سيفعلون (المحافظون) عندما تخف حدة الضوضاء المحيطة ببريكست؟".

نهج بالي

لفت هاريس إلى أن الطليعة الفكرية لليمين البريطاني، تبدو "مستهلكة" في قضايا مثل حرية التعبير في الحرم الجامعي، والصراع "الحضاري الغربي" المزعوم مع الإسلام. كما أن بريكست، قد دفع سياسات الحزب إلى الخوض في تفاصيل غير مهمة، إلى حد جعلت فيه المساحة لأي تفكير ذي معنى حول حالة المجتمع، شبه معدومة.

وأضاف معلقا على ما سلف: "فلا عجب إذن، أن يكون بيان المحافظين غارقًا في التبجيل والسياسات الجزئية التي لا ترقى إلى أي توجه مقنع حول الوضع الحالي لبريطانيا، ناهيك عن مستقبلها، فالبيان يقول: 'سنبني بريطانيا (دولة) تتيح لكل فرد الفرصة لتحقيق أقصى استفادة من مواهبه'".

وفي هذا الصدد، قال هاريس إنه لا وجود لما يجسد هذه المقولة على أرض الواقع، بما يتجاوز وعود الحزب القديمة والمألوفة جدا، والتي تتلخص بعدم التدخل في معدلات الضرائب، ودعم نظام هجرة قائم على الأفضلية المهنية والعلمية للمهاجرين أو ثروتهم، وتبني سياسات متشددة تجاه الجريمة والعقاب.

وأوضح الكاتب أن بعض هذه السياسات ناجم عن الطريقة التي تعيد بها الأحزاب تشكيل نفسها في كل مرة، على صورة قيادتها. ويبدو أنه في ظل رئاسة بوريس جونسون للمحافظين، فإن هناك نوع من الانتهازية المتعرجة التي تعرّف الحزب اليوم.

ما من طرح جديد 

شدد هاريس على أن الإحساس بعدم وجود ما هو ذو قيمة ثمينة في خطاب الحزب، أو انعدام المقولات المقنعة ومتعلقة بالحالة البريطانية، خلق فجوة متزايدة بين المحافظين والدولة ككل.

رئيس حزب العمال، جيرمي كوربين (أ ب)

وقال إن ذلك يأتي على مستويين، الأول، والمعروف على نطاق واسع، والذي يتوضح بموقف الحزب من بريكست، فيكمن بتبدد حلم رئيسه الأسبق، ديفيد كاميرون، بـ"عصرنة المحافظين"، وبتحولهم إلى تبني سياسات أكثر ميلا للتوجهات القومية، ليتجهوا بشكل أكبر نحو القطيعة مع الضواحي الإنجليزية الليبرالية، بينما تنأى عنه شرائح الناخبين الذين تقل أعمارهم عن الـ50 عاما.

أما المستوى الثاني، فيكمن بتداعي التسوية المحلية في عصر ما بعد السياسات الاقتصادية لرئيسة الوزراء البريطانية الأسبق، مارغريت ثاتشر. حيث هناك رؤية حزبية لإعادة تنشيط الثاتشرية، وإيصال السوق إلى أجزاء المجتمع التي لم يصلها بعد. وهي سياسات تتسم بإلغاء الدعم الحكومي، وتحرير الأسواق من التدخل الحكومي. عبر الاعتماد على رأسمالية شعبية، تعتمد على شرائح صغيرة من المساهمين من حملة الأسهم المالية، الذين يمتلكون أجزاء من المرافق المخصخصة.

ولفت الكاتب إلى أن الكثير من المواطنين يعبرون عن استيائهم من انخفاض الأجور وانعدام الأمن الاقتصادي، وعن الحالة البائسة لمراكز مدنهم، حتى ناخبي الحزب المحافظ.

دور بريكست في الانتخابات

شرح هاريس أن السبب بأن هذا الاستياء العام من "التقشف"، لن يُترجم بدفع الناس إلى التصويت للعمال، يعود جزئيا إلى إلى الطريقة التي "شوه" بها بريكست السياسات البريطانية، من حيث أن الخروج من الاتحاد الأوروبي أصبح ذي أهمية كبيرة بين الجماهير. ولكن ذلك يعود أيضا إلى الطريقة الضبابية التي تعامل بها رئيس حزب العمال، جيرمي كوربين، وحلفائه، مع أزمة "بريكست"، دون اتخاذ موقف قوي منه.

وقال هاريس إن حزب المحافظين يتذرع الآن بخطة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في الوقت الذي يدرك فيه أنه ليس لديه أي شيء آخر ليقوله، موضحا: "ربما يكون المحافظين على وشك الفوز، لكن إذا حققوا ذلك، فستكون النتيجة هي نصر بيروسي (باهظ الثمن). وهذا ما قد يُعرف بالمستقبل باسم مذهب جونسون؛ أي مزيج من السلطوية الشعبوية وانعدام الجدية التي ترفض التفكير في المستقبل، لكنها متعثرة بصرف النظر، كما تتعثر الطبقة الحاكمة الإنجليزية في كثير من الأحيان".

التعليقات