هل كان عام 2019 نقطة تحول لعصر نووي جديد؟

شهد العام 2019، عدّة نزاعات عالمية حول الأسلحة النووية، مما يهدد الأمن العالمي مستقبلا، وفقدان التوازن المتواصل منذ عقود، بشأن أسلحة الدمار الشامل

هل كان عام 2019 نقطة تحول لعصر نووي جديد؟

تجربة صاروخية روسية (أ ب)

شهد العام 2019، عدّة نزاعات عالمية حول الأسلحة النووية، مما يهدد الأمن العالمي مستقبلا، وفقدان التوازن المتواصل منذ عقود، بشأن أسلحة الدمار الشامل.

وأعدت مجلة "فورين أفيرز"، تقريرا مطولا تساءلت فيه عما إذا "سنشهد عصرا نوويا جديدا" في المستقبل القريب، نتيجة عدّة عوامل عددتها في التقرير، تشير خصوصا إلى سوء إدارة الولايات المتحدة لهذا الملف.

وقالت المجلة إن واشنطن واجهت عدّة أزمات نووية خلال العام المنتهي، مع كوريا الشمالية وإيران وروسيا، "كما كان متوقعا"، ولكن العالم شهد تطورات غير متوقعة في هذا الصدد أيضا، حيث اندلع توتر نووي بين الهند وباكستان، كاد أن يؤدي إلى حرب بين البلدين المتنازعين، إضافة إلى أن بعض حلفاء الولايات المتحدة، بدأوا إعادة التفكير بخياراتهم النووية.

وأضافت المجلة: "ما لم تتصرف الحكومات في واشنطن وأماكن أخرى بسرعة لعكس مسارها، فقد ينظر الباحثون في المستقبل إلى عام 2019 كنقطة تحول من عصر الهدوء النسبي إلى عصر المنافسة النووية الشديدة وانتشار الأسلحة النووية - بزوغ فجر عصر نووي جديد خطير".

تداعي السيطرة على الأسلحة

شددت المجلة على أن الخطر المتزايد لسباق التسلح النووي بين واشنطن وأقوى منافسيها، هو على رأس التطورات الخطيرة في هذا المجال.

وفي هذا الصدد أشارت المجلة إلى انتهاء معاهدة الأسلحة النووية متوسطة المدى في وقت سابق من هذا العام كعلامة مبكرة على وجود مشكلة، بعد أن كانت تشكل حجر الزاوية لتقليص انتشار الأسلحة النووية الروسية والأميركية لأكثر من ثلاثة عقود.

وكانت واشنطن قد أعلنت في شباط/ فبراير الماضي، توقفها عن الامتثال للمعاهدة، لتنسحب من الاتفاقية بالكامل بعد عدة أشهر، متهمة روسيا بخرق الاتفاقية، ومعربة قلقها من تطور الترسانة النووية الصينية.

وأوضحت المجلة أن مصيرا مشابها قد ينتظر أهم معادهة أميركية روسية، بشأن انتشار الأسلحة النووية، وهي "معاهدة ستارت الجديدة"، والتي تحدد عدد الأنظمة النووية الاستراتيجية التي يمكن لكل طرف نشرها، وذلك لأنها ستنتهي في شباط/ فبراير المُقبل، ولأن إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ألمحت إلى أنها لن تجدد امتثالها لمعاهدة جديدة، بينما اقترح المسؤولون الروس تمديدها لخمسة أعوام إضافية.

تجربة صاروخية روسية (أ ب)

ولكي تمتثل الولايات المتحدة لمعاهدة جديدة، اشترط ترامب إبرام اتفاقية معدّلة تغطي نطاقا أوسع من أنظمة الأسلحة، يشمل ترسانة روسيا من الأسلحة النووية التكتيكية، وهو مطلب ترفضه روسيا قطعيا.

كما أن واشنطن تطالب بـ"معاهدة ستارت جديدة" تشمل دولا أخرى مثل الصين، وهو أمر غير واقعي بحسب المجلة، نظرا لكون ترسانة الصين النووية، أصغر بكثير من تلك التي تحظى بها كل من الولايات المتحدة وروسيا.

وقالت المجلة إن أي معاهدة ترغب بضم الصين إليها، فستكون عبارة عن دعوة لبكين لتنمية ترسانتها النووية لتحقيق التكافؤ مع الولايات المتحدة وروسيا، أو إجبار بكين على قبول سقف أقل بكثير مما وافقت عليه واشنطن وموسكو.

(أرشيفية - أ ب)

وأردفت المجلة: "ومما زاد الطين بلة، فقد أعلن ترامب في كانون الثاني/ يناير الماضي، عن نظام الدفاع الصاروخي الأميركي سيهدف إلى 'الكشف عن أي صاروخ يتم إطلاقه ضد الولايات المتحدة وتدميره'. بعبارة أخرى، قد يكون دور نظام الدفاع الصاروخي مستقبلا، هو توفير الحماية ليس فقط ضد الترسانات الصغيرة للدول المارقة مثل كوريا الشمالية ولكن حتى ضد المتنافسين الكبار مثل روسيا والصين، مما يخلق محفزا لهذين الخصمين لمواصلة تطوير وتوسيع ترسانتهيما الخاصتين لتفادي أو اختراق، أو حتى التغلب على دفاعات الولايات المتحدة".

وحذرت المجلة أنه في ظل عصرنة الدول الثلاث المذكورة أعلاه، لبرامجها النووية، وانكفاء الأمل تجاه معاهدات الحد من التسلح، فإن العالم قد يواجه سباق تسلح نووي ثلاثي الأطراف، لم يشهد مثيلا له من قبل.

الولايات المتحدة تضيع فرصة نادرة

شرحت "فورين أفيرز" في تقريرها، كيف انهار التقارب الذي حصل بين إدارة ترامب وكوريا الشمالية بعدما كادت أن تحصل انفراجة دبلوماسية في نهايات العام الماضي، كادت أن تكسر أعوام من الجمود السياسي بين البلدين. وخصوصا بعدما طالبت الإدارة الأميركية الزعيم الكوري الشمالي، كيم جونغ أون، بالتخلي عن جميع أسلحته النووية قبل رفع العقوبات، رغم معارضة معظم الخبراء الأميركيين لهذه الخطوة، لتلحقها عدّة سجالات دبلوماسية أدت إلى تدهور "العلاقات" مجددا.

(أ ب)

ولفتت المجلة هنا إلى أن كوريا الشمالية استمرت بتجاربها الصاروخية العابرة للقارات، بل وأجرت اختبارات صاروخية أكثر نجاحا خلال 2019 مقارنة بأي عام آخر في تاريخها.

وذكرت أنه حتى ولو قرر كيم الاستمرار بوقف إطلاق النار، بخلاف تعهداته المستمرة بشن هجوم على الولايات المتحدة، فإنه سيستمر في توسيع وتحسين قوته النووية والصاروخية "بلا هوادة"، مما يضع الولايات المتحدة وكوريا الشمالية على مسار تصادم محتمل في العام المقبل.

على حافة الهاوية مع إيران

تدهورت مساعي الولايات المتحدة للحد من البرنامج النووي الإيراني، منذ أن قرر ترامب العام الماضي، الانسحاب من الاتفاق النووي لعام 2015، والذي رافقه شن حملة ضغط قصوى على الحكومة الإيرانية لإخضاعها للشروط الأميركية، تهدف إلى تقويض برنامجها النووي وكبح نفوذها في الشرق الأوسط، والقضاء على قوّتها النفطية.

مفاعل نووي إيراني (أ ب)

لكن المجلة تؤكد أن البرنامج النووي الإيراني سار بعكس التوقعات الأميركية، حيث أنه مع نهاية العام الحالي، أصبحت قدرات إيران النووي أكثر تقدما مما كانت علي عندما بدأت حملة الضغط الأميركية. وذلك لأن طهران استجابت للعقوبات الأميركية بخرق الالتزامات التي تعهدت بها بموجب اتفاق عام 2015، موسعة برنامجها النووي.

وأوضحت المجلة أنه رغم ابتعاد إيران كثيرا عن إنشاء ترسانة نووية، إلا أنها اقتربت كثيرا من إنتاج أول قنبلة.

حلفاء قلقون

قالت المجلة إن السعودية القلقة من نمو البرنامج النووي الإيراني، بدأت أيضا بالاستعداد لإنشاء برنامج نووي خاص بها، مشيرة بوضوح إلى أنه يهدف إلى تقويض إيران. لكنها مهتمة بشكل خاص بتخصيب اليورانيوم، والذي يُمكن استخدامه إما لإنتاج الوقود للمفاعلات النووية أو لصنع القنابل النووية.

لكن "فورين أفيرز" أشارت إلى أن الأزمة أوسع من مجرد توجه السعودية نحو إنشاء برنامج نووي، فبحسب التقرير: "في جميع أنحاء العالم، كشف 2019 عن شهية متنامية لبرامج الأسلحة النووية حتى بين حلفاء الولايات المتحدة". 

وذكرت أن كوريا الجنوبية التي باتت متخوفة أكثر من تحالفها مع الولايات المتحدة بوجود إدارة ترامب، حيث تنامى شعور لدى الشعب والنخبة السياسية بضرورة إنشاء ترسانة نووية، بعدما شكك الرئيس الأميركي مرارا وتكرارا، في التزام بلاده الأمنية والعسكري لكوريا الجنوبية، مطالبا بزيادة هائلة في مدفوعات سول للولايات المتحدة، للمساعدة في تمويل وجود القوات الأميركية على أراضيها.

إضافة إلى أن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، صرع في أيلول/ سبتمبر الماضي، وفي ظل صراع دبلوماسي مع الولايات المتحدة، أنه "لا يمكن أن يقبل" أن تحظر الدول المسلحة نوويا مثل الولايات المتحدة، على تركيا الحصول على ترسانتها الخاصة.

وفي أوروبا، أدت المخاوف بشأن مصداقية التزام ترامب بحلف الناتو، إلى قيام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بدراسة تقديم مظلة نووية فرنسية إلى الناتو كبديل عن المظلة الأميركية.

تهديد استُخف به

تصاعدت التوترات بين الهند وباكستان المتنازعتين منذ زمن طويل على سيادة إقليم كشمير، في شباط/ فبراير الماضي، بعدما هوجمت قافلة أمنية هندية في المنطقة، وردت الهند بقصف موقع في بلدة بالاكوت في شمالي باكستان.

الطائرة الهندية التي أسقطت (أرشيفية - أ ب)

وكان الأمر الأكثر خطرا في هذه الغارة الجوية، هو أن هدفها يقع خارج نطاق الأراضي المتنازع عليها، مما يجعلها أول هجوم تشنه دولة نووية على أراضي سيادية غير متنازع عليها لدولة نووية أخرى.

وبعد فترة وجيزة من الغارة على بالاكوت، أسقطت باكستان طائرة تابعة للقوات الجوية الهندية فوق الأراضي المتنازع عليها واعتقلت طيّارها، لتسلمه بعد ذلك، في أعقاب تصاعد حدّة التصريحات الهجومية بين مسؤولي البلدين، لتفادي أي تصعيد آخر قد يؤدي إلى معركة نووية.

تلخيص

اعتبرت "فورين أفيرز" أن عام 2019 شكل نقطة انعطاف لثلاث سمات رئيسية لعصر نووي جديد، وهي: تجدد التنافس النووي بين عدّة قوى عظمى؛ ونشوء قوى نووية جديدة؛ وتسامح أكبر في التصعيد بين القوى النووية القائمة، مع ما يترتب على ذلك من عواقب وخيمة.

التعليقات