تقرير: عملية اغتيال سليماني تبلورت على مدار أشهر

أعدت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، أمس السبت، تقريرا مطولا لخصّت فيه مجريات التصعيد العسكري الأخير بين إيران والولايات المتحدة، قالت فيه إن عملية اغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، كان مُخطط لها منذ أشهر

تقرير: عملية اغتيال سليماني تبلورت على مدار أشهر

(أ ب)

أعدت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، أمس السبت، تقريرا مطولا لخصّت فيه مجريات التصعيد العسكري الأخير بين إيران والولايات المتحدة، قالت فيه إن عملية اغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، كان مُخطط لها منذ أشهر.

ووصفت الصحيفة الأسبوع الذي تلى اغتيال سليماني، قبل أكثر من أسبوع، و"التخطيط السري في الأشهر" التي سبقت العملية، بـ"الفصل الأخطر على الإطلاق" في رئاسة دونالد ترامب، المستمرة منذ ثلاثة أعوام.

وتطرقت الصحيفة إلى أن ترامب حاول تخفيف حدّة التوتر واحتواء الأزمة التي تسبب بها بعد اغتياله سليماني، عبر قنوات خلفية وحلفاء، لكي "لا تخرج عن السيطرة".

"صدفة" تسببت بتنفيذ عملية تم التخطيط لها بشكل كامل

قالت الصحيفة إنه من المرجح أن موجة التصعيد الأخيرة بدأت بـ"صدفة" مقتل المقاول الأميركي المدني، الذي قُتل في قصف صاروخي لقاعدة عسكرية عراقية تضم قوات أميركية، من قبل ميلشيات عراقية تابعة لإيران الشهر الماضي، حيث "لم يكن يُفترض به" أن يكون في المنطقة عند القصف.

وأوضحت الصحيفة في هذا الصدد، أن حركات مسلحة عراقية موالية لإيران، بدأت بإطلاق رشقات صاروخية على قواعد عراقية تضم قوات أميركية، منذ الخريف الماضي، دون أن توقع أي خسائر حقيقية، بهدف الضغط على الولايات المتحدة التي تفرض حصارا اقتصاديا خانقا على إيران.

وأضافت الصحيفة، أنه عندما سقطت صواريخ على قاعدة "كي 1" العسكرية بالقرب من كركوك في 27 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، متسببة بمقتل المقاول الأميركي، فإن الأمر كان بمثابة مفاجئة، لأن مسؤولي الاستخبارات الأميركيين الذين راقبوا الاتصالات بين "كتائب حزب الله" و"فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني، أرادوا مواصلة الضغط على الولايات المتحدة دون دفعها للتصعيد، ولهذا السبب فإن الصواريخ سقطت على منطقة معيّنة في القاعدة، في وقت لا يتواجد أحد بها بشكل عام، لذا، فقد كان مقتل المقاول الأميركي صدفة أدت للتصعيد.

وردّت الإدارة الأميركية على ذلك بقصف مواقع تابعة لـ"كتائب حزب الله"، ما أسفر عن مقتل 25 شخصا وإصابة 50 آخرين على الأقل، ليتلو ذلك محاصرة متظاهرين عراقيين للسفارة الأميركية، ما دفع ترامب لإصدار أمر بإرسال قوّات أميركية إلى السفارة، مع تعليمات واضحة، وهي قتل كل من يقتحم المبنى، لتطور الأمور بعد ذلك حتى اغتيال سليماني بغارة أميركية.

وقالت الصحيفة إن المسؤولين الأميركيين، ناقشوا استهداف سليماني، على مدار 18 شهرا قبل اغتياله، ولاحظا أنهم سيواجهون صعوبة كبيرة في حال قرروا اغتياله في إيران، لذا بدأوا بتجنيد العملاء، في سبعة كيانات مختلفة للإبلاغ عن تحركاته في العراق وسورية، وهي جيش النظام السوري، وفيلق القدس في دمشق، و"حزب الله" في دمشق، ومطاري دمشق وبغداد، و"كتائب حزب الله"، و"الحشد الشعبي".

وقالت الصحيفة إن استهداف سليماني بدأ يتبلور منذ التوترات في مضيق هرمز في أيار/ مايو الماضي، حيث ازدادت كثافة العمل على تعقب رحلاته، لتنضم القيادة المركزية للولايات المتحدة، وقيادة العمليات الخاصة المشتركة، للتخطيط لاغتياله في أيلول/ سبتمبر الماضي.

وأوضحت الصحيفة إن العسكريين الأميركيين اعتبروا اغتيال سليماني في سورية، عملية معقدة، لسببين، الأول، أن الجيش الأميركي لا يتمتع بحرية حركة كبيرة فيها، أما الثاني، فهو أن سليمان كان يمضي غالبية وقته في سورية مع عناصر لـ"حزب الله" اللبناني، ولم يرغب المسؤولون المجازفة باندلاع حرب جديدة بين الحزب وإسرائيل.

وقالت الصحيفة إن سليماني كان يشتر عدّة تذاكر من عدّة شركات طيران لكي يتخلص من متعقبيه، وكان يصل إلى الطائرة في اللحظات الأخيرة قبل إقلاعاها، ويجلس في الصف الأمامي من درجة رجال الأعمال، حتى يتمكن من الخروج سريعا منها.

اغتيال ذو طابع تكهني

لفتت الصحيفة إلى أنه في يوم اغتيال سليماني، كانت مديرة وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه)، جينا هاسبل، تعمل على تنفيذ عملية القتل.

وقالت الصحيفة إن هاسبل حصلت على معلومات استخباراتية تفيد بأن سليماني كان يخطط لشن هجوم على عدّة قواعد أميركية وسفارات في المنطقة، عبر حركات مسلحة موالية لإيران، لكن ما من شيء كان يُثبت هذا الادعاء، بخلاف تصريحات وزير الخارجية مايك بومبيو، بأن الهجمات كانت ستسفر عن مقتل "مئات الأميركيين"، خصوصا أن القواعد الأميركية محصنة للغاية، ومن غير المرجح سقوط مثل هذا العدد الهائل من القتلى في حال كانت المعلومات صحيحة.

ومع ذلك، كانت هاسبل مقتنعة بوجود "أدلة" على هجوم قادم على مصالح أميركية، معتبرة أن عواقب عدم اغتيال سليماني كانت ستكون أكثر خطورة من قتله، مطمئنة المسؤولين الآخرين أن إيران ستقيس ردّها على الاغتيال.

واعتبر الضابط السابق في الـ"سي آي إيه"، دان هوفمان، أن الولايات المتحدة "تعلمت" من تجاربها السابقة مع إيران، أنه عندما تتجاوز الأولى "الخط الأحمر"، فإن الأخيرة "تتراجع تكتيكيا".

وواجه قرار اغتيال سليماني، معارضة قليلة بين كبار مستشاري ترامب، لكن بعض المسؤولين في البنتاغون شعروا بالصدمة لأن الرئيس اختار ما اعتبروه الخيار الأكثر "تطرفا"، ويشعر بعض مسؤولي المخابرات بالقلق من أن التداعيات الطويلة الأجل المحتملة لم يتم النظر فيها بشكل كافٍ، لا سيما إذا كانت هذه الضربة ستؤدي إلى خروج القوات الأميركية من العراق.

وتحدثت الصحيفة عن القلق الشديد الذي كان يشعر بها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وإرسال شقيقه خالد بن سلمان، إلى واشنطن لعقد اجتماع سري مع ترامب، وعن سعي القادة الأوروبيين الذين وصفتهم بـ"الغاضبين"، بسبب عدم معرفتهم أي شيء، لمنع إيران من التصعيد، لأن ترامب لم يقبل وساطة أحد سوى السويسريين، الذي أوصلوا رسالة للجانب الإيراني مفادها أنه على الرد أن يكون بسيطا حتى لا يضطر ترامب إلى التصعيد العسكري.

واستندت "نيويورك تايمز" في تقريرها إلى عشرات المقابلات مع مسؤولين في الإدارة الأميركية، وعسكريين، ودبلوماسيين، ومحللين استخباراتيين.

التعليقات