"أمنستي": الشعوب تنتفض والسلطات تزداد قمعا ووحشية

منظمة العفو الدولية: *موجة احتجاجات في الجزائر والعراق وإيران ولبنان تثبت تجدد الثقة في قوة الشعوب *أكثر من 500 قتيل في العراق وأكثر من 300 قتيل في إيران خلال القمع الوحشي للاحتجاجات *قمع بلا هوادة للمنتقدين السلميين والمدافعين عن حقوق الإنسان

(أ ب)

انتقدت منظمة العفو الدولية، في تقريرها السنوي عن حالة حقوق الإنسان في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، الذي أصدرته اليوم، الثلاثاء، "قمع" الحكومات الذي وصفته بـ"الوحشي" لمظاهرات سلمية، فيما شددت إلى تجدد ثقة الناس "في قدرة العمل الجماعي على حشد الجهود من أجل التغيير".

وقالت المنظمة إن "هناك حكومات في المنطقة قد أظهرت تصميمًا قويًا على سحق الاحتجاجات بقوة ووحشية، والدوس على حقوق مئات الآلاف من المتظاهرين الذين خرجوا إلى الشوارع للمطالبة بالعدالة الاجتماعية والإصلاح السياسي خلال عام 2019".

وأوضح تقرير المنظمة أن "هذه الحكومات اختارت ألا تُنصت إلى أصوات المتظاهرين التي تحتج على مظالم شتى، ولجأت بدلاً من ذلك إلى القمع الوحشي لإسكات المنتقدين السلميين، سواء في الشوارع أو على مواقع الإنترنت".

وبحسب التقرير "استخدمت السلطات، في العراق وإيران، القوة المميتة مما أدى إلى مقتل مئات الأشخاص أثناء الاحتجاجات"؛ وفي لبنان "استخدمت الشرطة القوة المفرطة، بشكل غير قانوني، لتفريق مظاهرات"؛ وفي الجزائر "استخدمت السلطات حملات القبض والمحاكمات الواسعة لقمع المحتجِّين".

العراق (أ ب)

ولفت التقرير إلى أنه "في شتى بلدان المنطقة، تعرَّض نشطاء للاعتقال والمحاكمة بسبب تعليقات نشروها على مواقع الإنترنت، حيث اتجه النشطاء إلى وسائل التواصل الاجتماعي للتعبير عن آرائهم المعارضة".

وتعليقًا على ذلك، قالت مديرة المنظمة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، هبة مرايف: "في مشهد مُلهم يعكس التصميم والتحدي، تدفقت جموع حاشدة إلى الشوارع في بلدان شتى، من الجزائر إلى إيران ومن العراق إلى لبنان، مخاطرين بحياتهم في كثير من الأحيان، للمطالبة بحقوقهم الإنسانية، وبالكرامة والعدالة الاجتماعية، وبوضع حدٍ للفساد. وقد أثبت هؤلاء المتظاهرون أن حكوماتهم لن تفلح في إسكاتهم بأساليب الترهيب".

وأضافت "لقد كان عام 2019 عام التحدي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، كما كان عامًا أظهر أن الأمل لا يزال حيًا، وأنه رغم الأحداث الدامية التي أعقبت انتفاضات عام 2011 في سورية واليمن وليبيا، ورغم التدهور الكارثي لوضع حقوق الإنسان في مصر، فقد تجددت ثقة الناس في قدرة العمل الجماعي على حشد الجهود من أجل التغيير".

وأوضح التقرير أن "الاحتجاجات في بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لم تختلف عن مظاهرات في بلدان أخرى، من هونغ كونغ إلى تشيلي، خرج فيها الناس إلى الشوارع للمطالبة بحقوقهم".

قمع المتظاهرين في الشوارع

وذكر التقرير أن "السلطات في مختلف بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا استخدمت مجموعة أساليب لقمع موجة الاحتجاجات، من قبيل الاعتقال التعسفي لآلاف المتظاهرين في شتى أرجاء المنطقة، واللجوء في بعض الحالات للقوى المفرطة، بل وللقوة المميتة. ففي العراق وإيران وحدهما، قُتل مئات الأشخاص، وأُصيب آلاف آخرون عندما أطلقت قوات الأمن الذخيرة الحية على المتظاهرين".

وأشار التقرير إلى أن "المتظاهرين أبدوا صمودًا هائلًا، فتحدوا الذخيرة الحية، وهجمات القناصة المميتة، وعبوات الغاز المسيل للدموع التي كان الجيش يطلقها من مسافات قريبة، مما أدى إلى وقوع إصابات بشعة".

وقال مدير البحوث وكسب التأييد للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المنظمة، فيليب لوثر إن "الأعداد الصادمة للقتلى من المتظاهرين في العراق وإيران تُظهر أن حكومتي هذين البلدين على استعداد للذهاب إلى أبعد مدى من أجل إسكات جميع أشكال المعارضة. وفي الوقت نفسه، تستمر بلا هوادة سياسة إسرائيل في استخدام القوة المفرطة، بما في ذلك القوة المميتة، ضد المتظاهرين في الأراضي الفلسطينية المحتلة".

وفي الجزائر، حيث أدت الاحتجاجات الواسعة إلى إسقاط الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، بعد أن ظل في الحكم نحو 20 عامًا، سعت السلطات إلى قمع الاحتجاجات من خلال حملة واسعة من الاعتقالات التعسفية والمحاكمات للمتظاهرين السلميين، وفقًا للتقرير.

ولفت التقرير إلى أنه "رغم أن الاحتجاجات الواسعة في لبنان، منذ تشرين الأول/ أكتوبر، قد بدأت سلميةً في معظمها، فقد قُوبلت في مرات عدة بقوة مفرطة وغير قانونية، كما تقاعست قوات الأمن عن التدخل بشكل فعَّال لحماية المتظاهرين السلميين من اعتداءات جماعات سياسية منافسة".

وفي مصر، اندلعت احتجاجات على نحو نادر في أيلول/ سبتمبر، ومثَّلت مفاجأة للسلطات التي واجهتها باعتقالات تعسفية واسعة، حيث قُبض على أكثر من أربعة آلاف شخص.

وقالت مرايف "لقد أظهرت بعض الحكومات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا استخفافًا تامًا بحقوق الناس في التظاهر وفي التعبير عن أنفسهم بصورة سلمية".

وأضافت "بدلًا من شنِّ حملات قمع مميتة واللجوء إلى إجراءات مثل استخدام القوة المفرطة والتعذيب والاعتقالات التعسفية الواسعة والمحاكمات، ينبغي على السلطات أن تستمع إلى الأصوات المطالبة بالعدالة الاجتماعية والاقتصادية وبالحقوق الاقتصادية، وأن تعمل على تحقيق هذه المطالب".

قمع المعارضة عبر الإنترنت

وأبرز التقرير قمع سلطات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، على مدار عام 2019، قمع المعارضة على الإنترنت، وجاء في التقرير: "واصلت حكومات في المنطقة الانقضاض على منْ يمارسون حقهم في حرية التعبير عبر الإنترنت. فقد تعرَّض للاعتقال والاستجواب والمحاكمة عددٌ من الصحفيين والمدوِّنين والنشطاء، الذين نشروا على مواقع التواصل الاجتماعي تعليقاتٍ اعتُبر أنها تنطوي على انتقادات للسلطات".

وأشارت الأرقام التي جمعتها منظمة العفو الدولية إلى أن هناك أشخاصًا حُبسوا، باعتبارهم من سجناء الرأي، في 12 بلدًا في المنطقة؛ وقُبض على 136 شخصًا دونما سبب سوى تعبيرهم سلميًا عن آرائهم عبر الإنترنت.

كما أساءت السلطات استخدام صلاحياتها لمنع الناس من الحصول على معلومات أو تبادلها عبر الإنترنت. وأشارت التقرير إلى إغلاق السلطات الإيرانية بشكل شبه كامل الاتصال بالإنترنت، خلال الاحتجاجات التي اندلعت مؤخرًا، "في محاولة لمنع الناس من تبادل الصور ومقاطع الفيديو التي تُظهر مقتل وإصابة متظاهرين بشكل غير قانوني على أيدي قوات الأمن".

وفي مصر، "أعاقت السلطات تطبيقات إلكترونية لتبادل الرسائل للحيلولة دون اندلاع مزيد من المظاهرات. كما لجأت السلطات المصرية والفلسطينية إلى فرض رقابة على بعض مواقع الإنترنت، ومن بينها مواقع إخبارية. وفي إيران، استمر حجب مواقع فيسبوك وتيليغرام وتويتر ويوتيوب".

وذكر التقرير أن "بعض الحكومات استخدمت تقنيات أكثر تطورًا للمراقبة الإلكترونية من أجل استهداف المدافعين عن حقوق الإنسان. فقد أظهرت بحوث منظمة العفو الدولية أن اثنين من المدافعين عن حقوق الإنسان في المغرب استُهدفا ببرامج تجسس أنتجتها شركة NSO الإسرائيلية. كما سبق أن استُخدمت برامج تجسس من إنتاج الشركة نفسها في استهداف نشطاء في السعودية والإمارات، بالإضافة إلى أحد موظفي منظمة العفو الدولية".

ووثقت منظمة العفو الدولية أن "عام 2019 شهد تعرُّض 367 من المدافعين عن حقوق الإنسان للاعتقال (ومنهم 240 اعتُقلوا تعسفياً في إيران وحدها)، كما تعرَّض 118 مدافعًا عن حقوق الإنسان للمحاكمة. ويُحتمل أن تكون الأعداد الفعلية أعلى من ذلك".

وفي هذا السياق، أكد لوثر أن "حكومات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا انتهجت نهجًا يقوم على عدم التسامح مع أشكال التعبير السلمي عبر الإنترنت، مما يدلُّ على خوفها من قوة الأفكار التي تعارض خطابها الرسمي. ويجب على السلطات أن تفرج عن جميع سجناء الرأي فورًا ودون قيد أو شرط، وأن تكفَّ عن مضايقة المنتقدين السلميين والمدافعين عن حقوق الإنسان".

بشائر الأمل

وعلى الرغم من استمرار وتفشي ظاهرة الإفلات عن العقاب في مختلف أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فقد اتُخذت خطوات اعتبرتها المنظمة "تاريخية، وإن كانت صغيرة"، نحو إرساء المحاسبة عن انتهاكات حقوق الإنسان المستمرة منذ أمدٍ طويل.

فقد أعلنت "المحكمة الجنائية الدولية" أن هناك جرائم حرب ارتُكبت في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأنه ينبغي فتح تحقيق بشأنها بمجرد تأكيد الولاية القضائية للمحكمة في هذه الأراضي، وهو الأمر الذي يوفِّر فرصة جوهرية لوضع حد للإفلات من العقاب على مدى عقود. كما أشارت المحكمة إلى أن التحقيق قد يشمل قيام إسرائيل بقتل متظاهرين في غزة.

وأوضح التقرير أن "عام 2019 لم يشهد سوى إنجازات محدودة فيما يتعلق بحقوق المرأة، وهي إنجازات تحققت بفضل نضال الحركات المحلية المعنية بحقوق المرأة على مدى سنوات، إلا إن هذه الإنجازات قُوِّضت بسبب القمع المستمر للمدافعات عن حقوق المرأة، وخاصةً في إيران والسعودية، والتقاعس بشكل أعم عن القضاء على التمييز المتفشي ضد المرأة. ونفَّذت السعودية إصلاحات تأخرت كثيرًا على نظام ولاية الرجل فيها، ولكن هذه الإصلاحات توارت وراء واقع مرير يتمثل في أن خمسًا من المدافعات عن الحقوق الإنسانية للمرأة بقين سجينات ظلمًا بسبب أنشطتهن طوال عام 2019".

ووفقَا للتقرير، فإن "عدة دول في الخليج أعلنت عن إصلاحات لتحسين حماية العمال الأجانب، بما في ذلك وعود السلطات في قطر بإلغاء نظام ‘الكفالة‘ وتحسين سُبل نيل العدالة بالنسبة للعمال الأجانب. ووضعت السلطات في الأردن والإمارات خططاً لإصلاح نظام ‘الكفالة‘. ومع ذلك، لا يزال العمال الأجانب في مختلف بلدان المنطقة يواجهون الاستغلال والإيذاء على نطاق واسع".

واختتمت مرايف تصريحها بالقول: "يجب على الحكومات في شتى أنحاء المنطقة أن تُدرك أن ما تقوم به من قمع الاحتجاجات وسجن المنتقدين السلميين والمدافعين عن حقوق الإنسان لن يسكت الأصوات المطالبة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الأساسية. وينبغي على الحكومات، بدلاً من إصدار الأوامر بارتكاب انتهاكات وجرائم جسيمة من أجل البقاء في السلطة، أن تكفل إعمال الحقوق السياسية المطلوبة من أجل السماح للناس بالتعبير عن مطالبهم الاقتصادية والاجتماعية، وبمحاسبة حكومات بلدانهم".

التعليقات