في زمن كورونا: كيف طوّر الطليان عاداتهم لمواجهة الحجر؟

إيطاليا بلد الفن والموضة والأوبرا والحياة الصاخبة تبدو كمدينة مهجورة تخلّى عنها سكانها منذ أن ضرب وباء كورونا أراضيها مطلع الشهر شباط/ فبراير الماضي. ولم تعد الحياة بالنسبة للشعب الإيطالي كما عرفوها قبل ذلك التاريخ.

في زمن كورونا: كيف طوّر الطليان عاداتهم لمواجهة الحجر؟

(أ ب)

إيطاليا بلد الفن والموضة والأوبرا والحياة الصاخبة تبدو كمدينة مهجورة تخلّى عنها سكانها منذ أن ضرب وباء كورونا أراضيها مطلع شباط/ فبراير الماضي. ولم تعد الحياة بالنسبة للشعب الإيطالي كما عرفها قبل ذلك التاريخ. فقد فرض تفشي الوباء على المواطنين حظرًا قاسيًا ألزم الجميع بيوتهم حتى أجل لم يتحدد بعد على ضوء الارتفاع المستمر في أعداد المصابين والضحايا. وتتجه السلطات لتشديد الحظر في قادم الأيام، كونها تتوقع ذروة التفشي وخسائره من يوم 25 آذار/ مارس الجاري حتى نهاية الشهر. لذا ألقت الجائحة بظلالها على نمط الحياة الإيطالي بصورة لم تعهدها البلاد منذ كارثة الحرب العالمية الثانية، كما صرّح بذلك مسؤولون.

وإن كانت الشوارع والساحات هنا تفتقر إلى الحياة، فإن البيوت والعمارات السكنية تحولت لخلايا نحل تنشط على مدار 24 ساعة دون توقف لمواكبة التغير الاجتماعي المفاجئ. في محاولة للصمود الجماعي وقتل الوقت الذي يمر ببطء ثقيل على الجميع. ورغم التباعد الاجتماعي وانقطاع التواصل الفيزيائي لغايات السلامة الصحية، وحدّت المصيبة المواطنين شعوريًا، وقربتّهم من بعض أكثر من أي وقت مضى. فاليوم لا صوت يعلو على صوت النجاة الجمعية والتكاتف لإنجاح ذلك.

أثر الوباء على السلوك الاجتماعي

تغيرت طريقة الإيطاليين في الحياة والعمل والتسوق وحتى طريقتهم في التسلية وتمضية أوقات الفراغ. فبحسب استطلاع صدر مؤخرًا فإن 91% من السكان تغير لديهم مفهوم التعايش والبقاء مع الآخرين في نفس المكان. وقال 82% من المستطلعة آراؤهم إنهم ابتكروا وسائل للتسلية وقضاء الوقت والتواصل مع الآخرين بطرق لم يجربوها من قبل. تؤكد ذلك شرفات المنازل الإيطالية التي تحولت مؤخرًا لمنصات غناء في ساعة معينة خلال النهار، وصالات لممارسة الرياضة الصباحية بشكل جماعي حتى صارت روتينًا يوميًا للمواطنين في هذه الأزمة لا غنى لهم عنه.

غارباتيلا - روما (أ ب)

وامتدّ تأثير هذه الأزمة على طريقة التسوق التي تفرض على الناس الوقوف في طوابير طويلة والحفاظ على مسافة متر ونصف على الأقل بين كل فرد وآخر بانتظار الدور للدخول إلى المتاجر لشراء حاجياتهم. يبدو ذلك غريبًا بالنسبة لشعب اعتاد على التواصل الجسدي القريب أكثر من التواصل اللغوي البعيد بسبب طبيعته المتوسطية. فقد أشار 58% من الأشخاص الذين شملهم الاستطلاع إلى أنهم حاليًا لا يسلمون بالمصافحة وحوالي 70% يتجنبون الذهاب إلى أي مكان يشهد تجمعات كالمتاجر والبنوك والبريد. ونصفهم يقوم بعمله من البيت بتوصيات من المؤسسات التي يعملون لديها بتوجيهات حكومية.

الشركات تضاعف خدماتها

هذه الظروف القاسية التي تواجهها البلاد دفعت الجميع أفرادًا ومؤسسات على المستوى الداخلي للتكاتف معنويًا وماديًا. فلم يدخر المواطنون وأصحاب الأعمال والشركات الكبرى جهدًا يمكن أن يقدموه للحد من تداعيات تفشي فيروس كوفيد 19 على المجتمع والاقتصاد، خصوصًا أن الوباء قد ضرب الشمال الصناعي والمركز المالي للبلاد في مقتل. إذ توقفت عجلة الإنتاج وتباطأت نتيجة فرض الحظر، ما يهدد الناتج الإجمالي المحلي للحكومة الإيطالية. ويدفع باتجاه زيادة الدين العام الذي تعاني منه روما منذ الأزمة الاقتصادية في العام 2008.

(أ ب)

لذا كانت اتحادات شركات الأغذية والمشروبات من أوائل من أعلن استعدادهم لتزويد الأسواق بكل ما تحتاجه طوال فترة الحظر دون انقطاع أو زيادة في الأسعار. وتكفلت هذه الشركات الضخمة بتوصيل المنتجات مباشرة إلى منافذ التوزيع المباشرة للمواطنين دون الحاجة للمرور بالوسطاء كما كانت عليه العادة قبل الأزمة. وخلقت لذلك أساطيل تصل الليل بالنهار للحفاظ على خطوط الإمداد، وأنشأت شبكة واسعة لتوزيع الطعام على كل مستشفيات البلاد ومراكزها الطبية التي تعمل على علاج المصابين بالوباء أينما كانت. إلى جانب تبرعاتها المالية السخية للمستشفيات والمراكز البحثية الطبية حتى انحسار المرض. ووصل الأمر بالاتحاد الوطني للمزارعين من خلال شبكته العملاقة "كامبانيا أميكا" إطلاق حملة لإيصال الطعام معدّاً وجاهزاً للاستهلاك حتى بيوت المواطنين في المناطق الأشد تضرراً كدعم لهم في مواجهة المرض.

مواجهة تكنولوجية للحجر

من جهة أخرى، وللحفاظ على سير العمليات الاقتصادية والتجارية للأفراد والمؤسسات والشركات، أطلقت وكالة الأتمتة الإيطالية الخاصة بالتعاون مع وزارة التطوير التكنولوجي حملة دعم ومؤازرة تكنولوجية في عموم البلاد. لتمكين الموظفين من ممارسة أعمالهم من بيوتهم في محاولة للحد من التأثير الاقتصادي على المستثمرين. وأطلقت أكثر من مبادرة لتمكين المدارس والجامعات من ممارسة مهامها التعليمية عن بعد. ولمساعدة الأهالي على إشغال وقت الأطفال في أشياء تعود عليهم بالنفع أثناء فترة التوقف الإجباري هذه. واشتركت شركات أجنبية عملاقة في المبادرة مثل سيسكو و IBM ومايكروسوفت وجوين كونفرنس وكونيكسيا من خلال إطلاق منصات مجانية كل في مجاله كطريقة لمساعدة الشعب الإيطالي في محنته.

ولم تغفل دور الأزياء الإيطالية ونظيرتها العالمية عن تقديم المساعدة لتجاوز هذه الظروف القاسية التي تمر بها إيطاليا. فقد أعلنت دار Prada للأزياء تزويدها مستشفيي Vittore Buzzi وSacco e San Raffaele في مدينة ميلانو المنكوبة بالوباء بأجهزة التنفس الصناعي وكل ما تحتجانه لمعالجة المرضى. كما أطلقت دار Save the Duck لملابس العمل حملة تبرعات تستمر حتى الثالث من نيسان/ أبريل المقبل، وقررت أن عوائد 20% من مبيعاتها حتى نهاية الأزمة ستعود لصالح المستشفيات والمراكز الطبية. وتبرعت دار Benetton بثلاث ملايين يورو دعمًا للمستشفيات الإيطالية لنفس الغرض.

(أ ب)

تجاوزت حالة التضامن مع المأساة الإيطالية الحدود الوطنية والأوروبية. وعبرت شعوب العالم ودوله عن تضامنهم ودعمهم للإيطاليين في محنتهم في صورة تعبر عن قرب البشر من بعضهم في أوقات الأزمات بالرغم من كل الاختلافات السياسية والعرقية التي نحيت جانبًا أمام الخطر الذي يداهم الجميع. من سلاح الجو الأميركي الذي قدم عرضاً جوياً تزين بألوان العلم الإيطالي إلى تمثال المخلص في ريو دي جانيرو إلى مكتبة سراييفو الوطنية وجسر موستار في البوسنة إلى سور مدينة القدس وكنيسة المهد في فلسطين إلى شلالات نياغرا في كندا وغيرها الكثير من مناطق العالم. كلها عبرت عن تضامنها مع بلاد المدينة الخالدة.

التعليقات