هل تنجح الصين بإنقاذ اقتصادها من تبعات كورونا؟

رغم شبه الانتصار الذي أعلنته الصين على فيروس كورونا مع نهاية الأسبوع الماضي، إلا أن الأثر الاقتصادي السلبي على البلاد لن يخفي ظلاله في الفترة المقبلة، وسيبدد احتمالية نجاحات كثيرة وضعتها بيكين لمواجهة الفقر في الصين قبل ظهور جائحة كورونا في

هل تنجح الصين بإنقاذ اقتصادها من تبعات كورونا؟

سوق شعبي في الصين (أ ب)

رغم شبه الانتصار الذي أعلنته الصين على فيروس كورونا مع نهاية الأسبوع الماضي، إلا أن الأثر الاقتصادي السلبي على البلاد لن يخفي ظلاله في الفترة المقبلة، وسيبدد احتمالية نجاحات كثيرة وضعتها بيكين لمواجهة الفقر في الصين قبل ظهور جائحة كورونا في البلاد.

وتعمل السلطات الصينية جاهدة على النهوض بالاقتصاد مجددا بعد جمود جراء جهود مكافحة كوفيد-19، لكن العديد من الشركات واجهت بداية متعثرة فيما يتحمل العمال عبء الأزمة.

وفي بلد يُعرف بناطحات السحاب والاختراعات التكنولوجية، يعتمد الملايين على مصادر دخل ضئيلة. ويعيش نحو 5,5 مليون صيني في الأرياف ويعانون من الفقر، الذي يعني بحسب تعريف الحكومة أنهم يكسبون أقل من 2300 يوان (326 دولارًا) في السنة.

ويشكّل تباطؤ الاقتصاد ضغطا على الهدف الأساسي للحزب الشيوعي وهو التحوّل إلى "مجتمع ينعم بالرخاء بشكل معتدل" بحلول نهاية العام 2020، وهو ما كانت تطمح إليه بكين قبل وقت طويل من ظهور الفيروس.

ويهدد كذلك الاتفاق الضمني القديم بين الشعب والحزب بأن التضحية بالحريات أمر مقبول مقابل تحقيق تقدّم اقتصادي، وهو تفاهم تقوم عليه بدرجة كبيرة شرعية الحكومة السلطوية في غياب أي انتخابات.

متجر خضروات (أ ب)

ولا توفّر الصين الكثير من امتيازات الضمان الاجتماعي بينما لا يملك العمال الذين يخسرون وظائفهم سيولة كافية، ما يعني أن ارتفاع معدلات البطالة يحمل معه عادة القلق من احتمال وقوع اضطرابات.

وتظهر إحصائيات رسمية ارتفاع معدلات البطالة بشكل كبير إذ ازداد عدد العاطلين العمل بنحو خمسة ملايين شخص بين كانون الأول/ ديسمبر وشباط/ فبراير.

وأفادت شركة البيانات "كيكسين" أن مؤشر مدراء شراء الخدمات التابع لها والذي يعد مؤشرا أساسيا على النشاط في قطاع الخدمات، أظهر أن الشركات خفضت أعداد موظفيها بأسرع وتيرة بالتاريخ في آذار/ مارس.

وخسرت هو فانغدي التي تبلغ من العمر 23 عاما، وظيفتها كبائعة في متجر في أحد المطارات قبل أسبوعين ولم تتمكن من العثور على وظيفة جديدة.

وقالت لفرانس برس، إنه "لم يكن أحد يشتري خلال فترة تفشي الفيروس ولذا سرّحتنا الشركة".

وأما ليلي هان التي خسرت وظيفتها كبائعة في شركة متخصصة بالتكنولوجيا الشهر الماضي، فأشارت إلى أن عليها العثور على وظيفة خلال شهرين لتتمكن من كسب قوت يومها. وقدّمت هان ابنة الـ24 عاما على أكثر من 300 وظيفة لكن دون نتيجة.

وبينما لا تزال معظم دول العام عالقة في حرب استنزاف مع الفيروس، يتوقع أن يؤثّر الوباء بشكل كبير على طلب المنتجات الصينية.

وأفاد محللون لدى شركة الخدمات المالية "نومورا" أن البلد قد يخسر نحو 18 مليون وظيفة في قطاع التصدير، أي ما يعادل نحو ثلث القوة العاملة في هذا المجال.

ورأى لويس كويجيس من شركة "أوكسفورد إيكونوميكس" أن هذا الارتفاع في عدد العاطلين عن العمل سيشكّل ضربة كبيرة للاستهلاك، قوة الدفع الأساسية لنمو الصين.

(أ ب)

نفاذ السيولة

وقال العامل في مجال البناء تشاو البالغ من العمر 28 عاما، إن شركته توقفت عن دفع الرواتب منذ شباط/ فبراير.

وقال "لدي قروض سكن وائتمان علي دفعها، باتت عائلتي حاليا تدفع قرضا سكنيا وأعمل بدوام جزئي لأتمكن من تغطية تكاليفي اليومية". وأضاف "أشعر بقلق دائم".

ولم تتمكن بعض الأعمال التجارية من استئناف نشاطها نظرا لبعض إجراءات الإغلاق التي لا تزال مطبّقة.

وأكد إريك ليو مالك حانة ومطعم "ماوماوتشونغ" في بكين إن المردود ضئيل للغاية إذ لا تزال الأزقة الضيّقة مغلقة.

ومع اعتماده على خدمة التوصيل إلى المنازل، لا تكاد المبيعات تصل إلى نسبة عشرة بالمئة مما كانت عليه قبل الفيروس في حين اضطر ليو لخفض رواتب موظفيه.

واتّخذت بعض الشركات تدابير استثنائية للاستمرار، تشمل الاكتفاء بدفع الحد الأدنى من بدل المعيشة.

وسمحت السلطات للشركات بإلغاء بعض المدفوعات المرتبطة بالضمان الاجتماعي، بما في ذلك المساهمات للرواتب التقاعدية وصناديق البطالة والإصابات الناجمة عن العمل، وهي إجراءات من شأنها زيادة العبء على الموظفين الأضعف.

وتزيد خسارة الوظائف احتمال عودة العمال الذين تم تسريحهم إلى المناطق الريفية الأفقر وانزلاقهم نحو الفقر.

وعلقت العاملة المنزلية ليو سيهوا في قريتها في مقاطعة آنهوي شرقي الصين منذ منتصف كانون الثاني/ يناير دون أي دخل أو امتيازات بطالة.

وقالت "يرفض صاحب شقتي في بكين السماح للأجانب -من مقاطعات أخرى- بالعودة بعد الهلع الذي تسبب به الفيروس".

وأضافت "عادت العائلة التي كنت أعمل لديها، إلى هولندا ولا أعرف متى سيعودون إذ أن الصين منعت بشكل مؤقت الأجانب من دخولها".

(أ ب)

وللتعويض، تخفف السلطات القواعد المصارمة التي تحكم حياة العمال المهاجرين من الريف الذين يعملون في المدن، ما يسمح لهم بالوصول بسهولة أكبر إلى سوق العقارات والرعاية الصحية والتعليم في بعض المدن الأصغر.

وبالنسبة لتشاو ليتاو من معهد شرق آسيا في سنغافورة، بات "من الصعب أكثر تحقيق هدف القضاء على الفقر في الوضع الحالي، الذي ما كان من الممكن توقعه". ويحذّر محللون آخرون من إعطاء أهمية كبيرة لتحقيق أهداف غير واقعية.

وفي هذا الصدد، أشار كويجيس إلى أن القضاء على الفقر المدقع هو مبدأ "ضيّق" لا يعكس الصورة الاقتصادية الحقيقية، في وقت تسعى الحكومات بجميع الوسائل المتاحة لتظهر أنها حققت أهدافها، أحيانا بثمن باهظ.

التعليقات