هل استجابت الحكومات للعلم في أزمة كورونا؟

وضعت جائحة كورونا المستجدّ، الحكومات أمام مسائل شائكة التي تنطوي على تحديات صحية إنما كذلك ديمقراطية، على سبيل المثال؛ ما هو الحيز الذي ينبغي أن يحتله العلماء المختصون في عملية القرار السياسي؟ وهل يتحتم على السلطات العامة اتباع رأي العلماء

هل استجابت الحكومات للعلم في أزمة كورونا؟

خبير علم الأوبئة ومستشار الرئاسة الأميركية أنطوني فاوتشي (أ ب)

وضعت جائحة كورونا المستجدّ، الحكومات أمام مسائل شائكة التي تنطوي على تحديات صحية إنما كذلك ديمقراطية، على سبيل المثال؛ ما هو الحيز الذي ينبغي أن يحتله العلماء المختصون في عملية القرار السياسي؟ وهل يتحتم على السلطات العامة اتباع رأي العلماء بشكل منهجي؟

وفي هذا الصدد، أوضحت أخصائية سياسات الصحة العامة في جامعة هارفارد الأميركية، سارة بلايتش، أنه "في حال أردنا أن يصبح جائحة كوفيد 19 مجرد ذكرى سيئة وليس كابوسًا دائمًا، ينبغي إعطاء الآراء العلمية الأولوية في كل القرارات السياسية، نقطة على السطر".

وقال خبير النمذجة الرياضية سيمون كوشميه، وهو عضو في اللجنة التي تقدم المشورة للسلطات الفرنسية، "إننا نحاول كعلماء تقديم إضاءة، لكن السياسيين هم الذين ينبغي أن يكونوا في نهاية المطاف صانعي القرار".

بالمقابل، الموازنة بين الطرفين تكون أحيانا صعبة على أرض الواقع، ويتركز الجدل خصوصًا حول مسألة الحجر المنزلي الذي أنقذ أرواحًا إذ حال دون استنفاد قدرات المستشفيات، غير أن كلفته الاقتصادية والاجتماعية مروعة.

وانتقدت حكومة بوريس جونسون في المملكة المتحدة، لتأخرها في فرض الحجر المنزلي، وكتبت البروفيسورة من كلية إمبريال كوليدج في لندن، هيلين وارد في مقالة نشرتها صحيفة "ذي غارديان" في منتصف نيسان/ أبريل أنه "قلنا نحن العلماء أنه ينبغي فرض الحجر المنزلي، لكن السياسيين رفضوا الاستماع إلينا".

وبدأت أصوات ترتفع في ألمانيا لانتقاد المستشارة أنجيلا ميركل التي تدعو باستمرار إلى الحذر وإلى اعتماد نهج تدريجي لرفع تدابير الحجر.

وأعلن رئيس مجلس النواب الألماني، فولفغانغ شويبله، مؤخرًا لصحيفة "تاغس شبيغل" أنه "حين أسمع من يقول إن حماية الحياة البشرية تطغى على كل الاعتبارات الأخرى، أرى أن هذا الاستبداد غير مبرّر". وتتميز ميركل التي حصدت حتى الآن الإشادات للتصدي للوباء، بإعطائها أهمية كبرى لرأي العلماء المختصين.

وقال خبير علم الأوبئة من مستشفى "شاريتيه" في برلين، كريستيان دروستن لصحيفة "ذي غارديان" إن "ما يساعد أن ميركيل بذاتها عالمة (درست علم الفيزياء) ولديها القدرة على فهم الأرقام".

وانتقد أعضاء المعارضة ومثقفون في فرنسا، الرئيس إيمانويل ماكرون وحكومته بأنهم يحتمون خلف آراء العلماء. لكن الحكومة الفرنسية واجهت انتقادات أيضا من الجهة المقابلة، إذ قررت إعادة فتح المدارس تدريجيا اعتبارًا من 11 أيار/ مايو في حين أن المجلس العلمي الذي تم تشكيله لمواجهة الوباء أوصى بإغلاقها حتى أيلول/ سبتمبر.

وزير الصحة الفرنسي أثناء اجتماع للعلماء والخبراء (أ ب)

وعلق الطبيب العام والعضو في المجلس العلمي، بيار لوي درويه على المسألة، قائلًا إن هذا التباين "لا يصدم إطلاقا". وأضاف أنه "نحن نعطي توجيهات، لكن من غير السليم بالضرورة في مجتمع ما أن يكون العلماء هم الذين يتحكمون بكل شيء".

وأوضح عضو آخر في المجلس العلمي، أرنو فونتانيه، اليوم الخميس خلال جلسة استماع في الجمعية العامة أن "دورنا يقضي بإعطاء رأي صحي، ودور السياسيين هو اتخاذ قرارات تدمج بين رأينا من وجهة نظر صحية، وكل الاعتبارات الأخرى الاجتماعية والاقتصادية التي لا نبدي رأيا فيها".

ومن جهته، قال الطبيب في قسم الطوارئ، ماتياس وارغون إنني "ضد حكومة من الأطباء، كما سأكون غدًا عندما تطرح مسألة الوظائف ضد حكومة من أرباب العمل".

ولافتا إلى أنه "من المهم أن تكون كلمة الحسم للسياسيين لأن العلماء ما زالوا يجهلون الكثير عن فيروس كورونا المستجد، ما يؤدي أحيانا إلى ورود آراء متعارضة من الخبراء".

وعلى غرار فرنسا، استحدثت الكثير من الدول هيئات علمية خاصة لتقديم المشورة للحكومات حول سبل مكافحة الوباء، وهو ما حصل في إيطاليا وإسبانيا.

وفي المملكة المتحدة، أعيد تفعيل هيئة استشارية هي "الفريق الاستشاري العلمي للطوارئ" الذي تمت تعبئته في ظل أزمات سابقة مثل وباء إيبولا عام 2014.

وتميّزت الولايات المتحدة عن الدولِ الأوروبيّة، بسبب طباع رئيسها دونالد ترامب الانفعاليّة وقراراته المباغتة، فبعد تصريحات غير دقيقة أدلى بها، اضطر مستشاره العلمي خبير علم الأوبئة، أنطوني فاوتشي إلى إعادة التصويب. كما شجع ترامب تظاهرات ضد تدابير الحجر المنزلي.

احتجاجات ضد الحجر المنزلي في أميركا (أ ب)

وأشار خبير أميركي استجوبته وكالة "فرانس برس"، إلى أن هذا التوتر بين المسؤولين السياسيين الجمهوريين والعلماء مردّها إلى اقتراب استحقاق الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني/ نوفمبر، في حين تسبب الحجر المنزلي بـ"خسائر في الوظائف وإغلاق شركات".

ورأى الأستاذ في السياسات الصحية في جامعة هارفارد، روبرت بليندون أن ترامب "لا يمكنه السيطرة على غريزته السياسية؛ فهو يرى أنه سيخسر الرئاسة إذا استمرت الأمور على هذه الحال".

التعليقات