تأرجح علاقة المال السعودي والعسكرية الأميركية... أزمة تحالف قديم

واجهت العلاقات السعودية الأميركية الممتدة إلى نحو 75 عامًا، سلسلة من التحديات نجحت قيادتا الدولتان في تجاوزها لضرورات تتعلق بالأهمية الاستراتيجية لهذه العلاقات وما تفرضه من مصالح الحيوية لكلى البلدين، وصعوبات استغناء أحدهما عن الآخر.

تأرجح علاقة المال السعودي والعسكرية الأميركية... أزمة تحالف قديم

جندي أميركي في السعوديّة 2020 (أ ب)

واجهت العلاقات السعودية الأميركية الممتدة إلى نحو 75 عامًا، سلسلة من التحديات نجحت قيادتا الدولتان في تجاوزها لضرورات تتعلق بالأهمية الاستراتيجية لهذه العلاقات وما تفرضه من مصالح الحيوية لكلا البلدين، وصعوبات استغناء أحدهما عن الآخر.

وينظر العالم إلى السعودية أنها مركز الثقل للعالم الإسلامي لوجود مكة المكرمة والمدينة فيها وأهميتها وقدسيتها لدى عموم مسلمي العالم وأصحاب العقائد الأخرى. وأضافت الاكتشافات والاحتياطيات النفطية الهائلة ميزة أخرى لأهميتها ونفوذها السياسي والاقتصادي إقليميا ودوليًا.

وأزاحت الحقائق والمتغيّرات الصورة النمطية للعلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية والتي ظلّت سائدة لعدّة عقود، حيث بات النفط السعودي أقل أهمية للولايات المتحدة التي أصبحت أكبر منتج له في العالم عن 12.9 مليون برميل يوميًا منذ تشرين الثاني/ نوفمبر2019.

وبنيت العلاقة الخاصة بين الولايات المتحدة والسعودية على ضمان التدفق الحر الآمن للنفط السعودي طيلة عقود من الحاجة الأميركية له، والتعاون في مكافحة الإرهاب، والتعاون العسكري في الحرب الأهلية في اليمن، بالإضافة إلى انسجام سياسات السعودية مع السياسات الأميركية في المنطقة.

واختار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، السعودية كأول دولة يزورها مُنذ وصوله إلى البيت الأبيض في كانون الثاني/ يناير 2017 وقّع خلالها صفقة بقيمة 100 مليار دولار مقابل صفقة سلاح وخدمات دفاعية، وثانية بقيمة تصل إلى 370 مليار دولار خلال 10 سنوات قادمة.

وأظهرت بيانات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام أنّ الإنفاق العسكري العالمي بلغ 1.9 ترليون دولار في عام 2019، ووفقا لتقرير خدمة أبحاث الكونغرس، أبرمت الولايات المتحدة والسعودية اتفاقيات بيع أسلحة بلغت 139 مليار دولار بين عامي 2009 و2016.

ترامب والملك السعودي سلمان عام 2017 (أ ب)

وتشكل خمس دول ما نسبته 62% من الإنفاق العام في العالم لعام 2019، وهي الولايات المتحدة والصين والهند وروسيا والسعودية التي تراجعت من المرتبة الثالثة عالميًا عام 2018 إلى المرتبة الخامسة عام 2019.

واحتفظت السعودية حتى عام 2018، بثالث أكبر ميزانية دفاعية في العالم، وهي أكبر مشتر للأسلحة والمعدات الأميركية، إضافة لاستمرار حاجة الرياض لمدربين ومستشارين عسكريين لبيان كيفية استخدام تلك الأسلحة والمعدات باهظة الثمن.

وظلّ الرئيس ترامب إلى وقت قريب، يدافع عن علاقة بلاده مع السعودية على الرغم من الانتقادات الواسعة التي تصدى لها في ما يتعلق بمقتل الصحفي جمال خاشقجي، والحرب في اليمن.

وأنفقت السعوديّة وفقا لتقارير غربية، ما يصل إلى 4 مليارات دولار شهريًا على حربها في اليمن، ما يؤثر على قدراتها في تقديم الدعم لعدد من دول المنطقة، مثل مصر والأردن، لضمان الاستقرار الأمني في المنطقة. ومع عدم وجود أرقام رسمية، فإن بعض التقارير الإعلامية الغربية تتحدث عن أنّ تكلفة الحرب خلال السنوات الثلاث الأولى تعدت 100 مليار دولار مع خسائر في الأرواح والمعدات العسكرية.

وتعرضت سياسات الإدارة الأميركية في علاقتها مع الرياض لانتقادات واسعة من المشرعين في الكونغرس، ومعظمهم من المدافعين السابقين عن الأخيرة، حيث تعتبر الشريك والحليف الأوثق للسياسات الأميركية في المنطقة.

آثار صاروخ باليستي سعودي، صنعاء في عام 2015 (أ ب)

ومع تفشي وباء كورونا وزيادة حدّة حرب أسعار النفط مع روسيا وتضرر قطاع النفط الصخري الأميركي، زادت مستويات الانتقادات من منطلق إن مصالح واشنطن يجب أن تُقدّم على ما سواها وإنّ الرياض تسببت بأضرارٍ بالغةٍ بالاقتصاد الأميركي.

وتحدثت مصادر إعلامية أميركية، الخميس الماضي، عن خلافات سعودية أميركية حول إنتاج النفط وعزم الأخيرة، دون الأخذ بالحسبان واقع استمرار التوترات بين السعودية وإيران، سحب حوالي 300 جندي مع بطاريتي صواريخ "باتريوت". ومن المعلوم أن واشنطن أرسلتها لحماية منشآت نفط سعودية بعد الهجمات التي تعرضت لها منشآت أرامكو منتصف أيلول/ سبتمبر من العام الماضي من قبل إيران أو قوات حليفة لها.

وتساءل مشرعون أميركيون عن "جدوى الاحتفاظ بنحو 2500 جندي أميركي في السعودية ومنظومات دفاع جوي للدفاع عن النفط هناك في ذات الوقت الذي يعلنون فيه الحرب على نفطنا"، في إشارة إلى الأضرار التي تسبّبت بها حرب الأسعار بين السعودية وروسيا أدت إلى تراجع أسعار النفط الأميركي إلى "أقل من 37 دولار للبرميل الواحد" في 11 نيسان/ أبريل الماضي، في هبوط غير مسبوق.

وطالب أعضاء في الكونغرس بتغيير نمط علاقة التحالف الاستراتيجي بين بلادهم والسعودية المسؤولة عن الأضرار التي لحقت بقطاع نفط بلادهم. وفي الحقيقة، فإن الرئيس الأميركي ربط بين وجود قوات بلاده في السعودية وحرب الأسعار إلى الحد الذي يعتقد فيه بعض المراقبين إنّ السعودية أرغمت على إعادة النظر في سياساتها النفطية بما يتلاءم مع المصالح الأميركية دون المساس بعلاقة التحالف العميقة بين البلدين.

واتخذت السعودية في الكثير من الأزمات الاقتصادية إجراءات استباقية لتجنب أية مشاكل مستقبلية قد تواجه القطاع الاقتصادي الذي يعد من بين أقوى اقتصادات العالم. ووفقا لتصريحات العديد من المسؤولين السعوديين، فإن القرار السعودي يتخذ وفق ما يخدم مصالحها لا مصالح الآخرين سواء فيما يتعلق بأسعار النفط أو غيرها.

لكنّ حرب الأسعار بين السعودية وروسيا في الأسابيع الماضية شكّلت منعطفًا في موقف ترامب من الرياض والتساؤل فيما إذا كانت بلاده لا تزال بحاجة لحماية النفط السعودي الذي يباع معظمه الآن إلى الصين ودول آسيوية أخرى وليس إلى الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، كما كان عليه الحال سابقا.

حقل سعودي لإنتاج النفط (أ ب)

وهناك دعوات أميركية لإعادة تقييم العلاقات بين قوّة ديمقراطية مثل الولايات المتحدة ودولة تحكمها عائلة لا تشترك معها في قيم الحريات الدينية وحقوق المرأة وحرية التعبير، مع اتهامات متكررة بدعم الإرهاب.

ومع ذلك، يميل خبراء إلى أنّه من الصعب توحيد موقف الكونغرس ضدّ السعودية حيث لا تزال علاقات الرياض بالبيت الأبيض علاقة متينة على الأقل في المرحلة الراهنة.

وأعلن البيت الأبيض، يوم الجمعة الماضي، إن ترامب والعاهل السعودي جددا التأكيد على قوة الشراكة الدفاعية بين بلديهما، واتفاقهما على أهمية الاستقرار في أسواق الطاقة العالمية بصفتهما قائدي مجموعتي؛ الدول السبع والدول العشرين.

وعلى الرغم من وجود مراكز نفوذ مهمة تعمل ضدّ الحفاظ على مستوى متقدم من العلاقات الأميركية السعودية، إلاّ أنّ البيت الأبيض الخارجية الأميركية يؤكدان دائما على متانة العلاقات الثنائية وأهمية الشراكة الدفاعية بين البلدين حتى مع أجواء الخلافات بينهما في ما يتعلق بإنتاج السعودية من النفط.

لكنّه من السابق لأوانه التكهن بتراجع مستوى العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية إلى خلافات عميقة مع مرونة واضحة في التعاطي مع "الأزمات الوقتية" يبديها كلا الطرفان.

ومع ذلك، من غير المستبعد أن يشهد العالم خلال الأشهر أو السنوات القليلة القادمة بداية انهيار الشراكة الاستراتيجية الأميركية السعودية المستمرة منذ أكثر من سبعة عقود والتي ترتكز على التدفق الآمن للنفط في مقابل الحماية الأمنية.

التعليقات