أزمة أسواق النفط: بين تخمة المعروض واقتصادات العزل

تشهد أسواق الطاقة العالمية أكثر واقع معقّد منذ الحرب العالمية الثانية، فعلى الرّغم من الاتفاق على أكبر خفض تاريخي في الإنتاج، والذي بدأه تحالف "أوبك+" مطلع الشهر الجاري، إلّا أنّ الإنتاج ما زال يفوق قدرة الأسواق على الاستيعاب.

أزمة أسواق النفط: بين تخمة المعروض واقتصادات العزل

(أ ب)

تشهد أسواق الطاقة العالمية أكثر واقع معقّد منذ الحرب العالمية الثانية، فعلى الرّغم من الاتفاق على أكبر خفض تاريخي في الإنتاج، والذي بدأه تحالف "أوبك+" مطلع الشهر الجاري، إلّا أنّ الإنتاج ما زال يفوق قدرة الأسواق على الاستيعاب.

ومع بدء شهر أيار/ مايو الجاري، شرع تحالف "أوبك+" بتنفيذ خفض في إنتاج النفط بمقدار 9.7 ملايين برميل يوميا، يستمر شهرين، في محاولة للقضاء على تخمة المعروض النفطي في السوق العالمية؛ ووفقًا للاتفاق فإن خفض الإنتاج سيتراجع إلى 8 ملايين برميل يوميا، اعتبارا من تموز/ يوليو حتى نهاية 2020، يتبعه خفض بمقدار 6 ملايين برميل يوميا مطلع 2021 حتى نهاية نيسان/ أبريل 2022.

لكن مؤشرات سوق الطاقة تظهر إلى حد ما، أن أسعار النفط في نيسان/ أبريل الماضي، التي كانت تعكس اتفاق خفض الإنتاج الحالي، وكذلك الزيادة التي طرأت على الأسعار، الأسبوعين الجاري والماضي، تعودان بشكل رئيسيّ لاستئناف تدريجي لأنشطة اقتصادات عالمية، لا لاتفاق خفض الإنتاج.

وصنف الشهر الماضي، كأكثر الشهور سوءا في تاريخ سوق النفط العالمية منذ الكساد الكبير، مطلع ثلاثينات القرن الماضي، بفعل تراجع سعر برميل برنت لمتوسط 17 دولارا، مع استمرار ضخ الإنتاج في الأسواق، وضعف حاد في الطلب، بينما آبار التخزين تفيض نفطا.

وما يظهر فقدان النفط بريقه، تسعيرة البنزين في السوق الأمريكية على سبيل المثال، خلال أبريل الماضي، التي سجلت 98 سنتا للجالون الواحد (الغالون يعادل 3.8 لترات)؛ وحاليا، يتراوح سعر برمل نفط برنت تسليم تموز/ يوليو 30 دولارا، بينما يبلغ سعر الخام الأميركي غرب تكساس الوسيط 24.3 دولارا تسليم حزيران/ يونيو المقبل.

إلا أن منتجي النفط، يرون أن أي تحسن كبير قد يطرأ على سعر برميل النفط، حتى تعود أسعاره فوق 50 دولارا للبرميل، سيكون مرتبطا بأية معلومات إيجابية بشأن نهاية جائحة كورونا.

وما دفع أسعار النفط للتحسن قليلا، خلال الأسبوعين الماضيين من متوسط 17 دولارا إلى 30 دولارا بالنسبة لخام برنت، استئناف اقتصادات صناعية أنشطتها، كالولايات المتحدة وألمانيا، وفرنسا وإسبانيا وإيطاليا، وكوريا الجنوبية، ومن قبلها جميعا الصين.

في تصريحات له، الشهر الماضي، قال وزير الطاقة الروسي إن بوادر تحسن ملحوظ على أسعار النفط غير وارد في الوقت الحالي، إلى حين انتهاء المخزونات العالمية؛ ويظهر حديث الوزير بطريقة أو بأخرى، أن بدء فتح تدريجي للاقتصادات العالمية وزيادة الطلب على الخام، ستظهر نتائجه على الأقل في الربع الثالث 2020، وهو ما يتفق معه رئيس أوبك الحالي محمد عرقاب.

نفط الشرق الأوسط

وتظهر مؤشرات السوق العالمية خلال المستقبل القريب، أن أسعار 100 دولار للبرميل قد لا تعود مجددا، في ظل سيناريو طبيعي، لا يشهد حروبا أو توترات تعطل إمدادات النفط الخام. وتعود هذه الفرضية إلى وصول الولايات المتحدة لعتبة قريبة من الاكتفاء الذاتي، بمتوسط إنتاج حالي 13.2 مليون برميل يوميا، وضعها في قائمة أكبر منتج للخام، متفوقة على روسيا (11 مليون برميل) والسعودية (10 ملايين برميل).

في هذه الحالة لن تكون واشنطن بحاجة إلى نفط الشرق الأوسط، وقادرة على الاستعاضة عنه بالخام القادم من كندا أو المكسيك أو البرازيل، في حال واجهت نقصا في المعروض مقابل الطلب.

ويفتح هذا الافتراض، المجال أمام دول الخليج المنتجة للنفط للبحث عن أسواق بديلة في شرق آسيا على وجه الخصوص، وبالتحديد الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة، التي تعتمد ضمن إمداداتها على روسيا.

وتعتمد دول الخليج بشكل رئيس على إيرادات النفط، لتمويل نفقاتها الجاري، إذ دفع هبوط سعر البرميل، السعودية، إلى اتخاذ قرارات مؤلمة في جانب الإنفاق، بينما دفع بلدان أخرى إلى أسواق الدين لتمويل مصروفاتها.

التعليقات