تراجع لندن عن التزامتها باتفاق بركسيت يثير سخط الأوروبيين

تعتزم فرنسا وألمانيا التصرف بحزم تجاه المملكة المتحدة في ملف علاقتها المستقبلية مع الاتحاد الأوروبي، في وقت استؤنفت المفاوضات بين الطرفين في جو مشحون على خلفية إبداء لندن رغبتها في التراجع عن بعض الالتزامات.

تراجع لندن عن التزامتها باتفاق بركسيت يثير سخط الأوروبيين

مفاوض الاتحاد الأوروبي ميشال بارنييه (الثاني من اليسار) وطاقمه يصلون إلى لندن (أ ب)

تعتزم فرنسا وألمانيا التصرف بحزم تجاه المملكة المتحدة في ملف علاقتها المستقبلية مع الاتحاد الأوروبي، في وقت استؤنفت المفاوضات بين الطرفين في جو مشحون على خلفية إبداء لندن رغبتها في التراجع عن بعض الالتزامات.

جاء ذلك بينما دافعت الحكومة البريطانية، الأربعاء، عن قرارها التراجع عن بعض التزاماتها الواردة في إطار اتفاق بريكست، منتهكة بذلك القانون الدولي، ما يؤثر على المفاوضات الصعبة أساسا مع الاتحاد الأوروبي حول العلاقات المستقبلية بين الطرفين.

وقال وزير الدولة الفرنسي للشؤون الأوروبية، كليمان بون، إثر لقائه نظيره الألماني، مايكل روث، في برلين، "نتصرف بروح بنّاءة، ولكنّها حازمة في العمق".

وأشار روث إلى أنّ "واحدًا من المحاور الرئيسية لرئاسة ألمانيا" الاتحاد الأوروبي، في الفصل الثاني من العام الجاري، هو "إيجاد درجة عالية من الوحدة" في هذا الملف.

وقال "إننا حريصون جدًا على ألا تنقسم دول الاتحاد الـ27 حول المسألة".

وبعدما بدأت الثلاثاء، من المتوقع أن تمتد جولة المفاوضات الثامنة بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى يوم الخميس. بيد أنّ الغموض يلف مسارها.

فالرغبة البريطانية التي كشفتها صحيفة "فايننشل تايمز"، الإثنين، بشأن إعادة النظر ببعض نقاط الاتفاق الذي أطّر خروجها من الاتحاد الأوروبي نهاية كانون الثاني/ يناير الماضي، صدمت الأوروبيين الذين حذروا من توجيه ضربة إلى عنصر "الثقة".

ولفت كليمان بون لدى سؤاله حول الأمر، إلى أنّ الكرة في ملعب البريطانيين.

وقال "بعيدًا عن التكهنات والشائعات، يتعيّن على المملكة المتحدة أن تقول لنا إن كانت راغبة في مغادرة الاتحاد الأوروبي بلا اتفاق، وهو أمر غير جيد لنا، وبدرجة أكبر بالنسبة إليها".

وتابع أنّه لو "كانت ترغب في اتفاق، فأمامنا إطار قائم منذ نحو عام (...) وهو محدد ضمن الإعلان السياسي المشترك" الذي نال موافقة الطرفين.

وقال "ينبغي علينا احترام مبادئه والإسراع الآن في المفاوضات المتعلقة بالجوهر والتفاصيل لوضعه قيد التنفيذ"، مضيفًا أنّه لا يريد "الاعتقاد بأنّ أحد الطرفين يريد الانسحاب منه".

غادرت المملكة المتحدة الاتحاد الأوروبي، رسميًا، في 31 كانون الثاني/ يناير، بعد نحو أربع سنوات على استفتاء تاريخي أنهى علاقة شائكة، دامت 46 سنة.

إلا أنّ العلاقات بين الجانبين تخضع للقوانين الأوروبية حتى نهاية كانون الأول/ديسمبر، وهي فترة انتقالية يحاولان خلالها التوصل إلى اتفاق للتجارة الحرّة.

وشدد المسؤولان، الألماني والفرنسي، على الرغبة في إقامة "علاقة طيبة" مع لندن.

لكنّ بون رأى أنّه "بغية بلوغ ذلك، يجب على كل طرف الالتزام بما جرى الاتفاق بشأنه والتقدّم الآن بنية حسنة في مفاوضات العلاقة الثنائية". وقال "نريد اتفاقًا (...) إنّه موقف فرنسا وموقف الاتحاد الأوروبي".

لندن تدافع عن تعديل لاتفاق بريكست يثير غضب الأوروبيين

وأعلن نائب رئيس المفوضية الأوروبية، ماروس سيفكوفيتش، الأربعاء، أن الاتحاد الأوروبي سيطالب البريطانيين بعقد اجتماع طارئ حول تعديلاتهم.

وقال "سأطلب عقد اجتماع للجنة المختلطة الاستثنائية حول اتفاق الانسحاق في أقرب وقت ممكن ليتمكن شركاؤنا في المملكة المتحدة من إعطاء تفاصيل وتهدئة قلقنا الشديد من مشروع القانون".

وعبر عن أمله في أن تقدم لند تأكيدات "بأن اتفاق الانسحاب سيطبق فعليا بأكمله وفي التفاصيل المقررة".

وقال رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، أمام النواب إن هذه التعديلات التي نشرت ظهر الأربعاء، تهدف إلى "ضمان السيولة والأمان للسوق الداخلية البريطانية".

وبشأن الترتيبات الجمركية في إيرلندا الشمالية، قال جونسون إنها تهدف إلى تسهيل المبادلات التجارية داخل المملكة المتحدة بعد انتهاء الفترة الانتقالية التي تلت بريكست في أواخر كانون الأول/ ديسمبر.

واعترف الوزير المكلف في إيرلندا الشمالية في الحكومة براندون لويس، بأن التراجع عن وثيقة لها صفة معاهدة دولية يشكل "انتهاكا للقانون الدولي بطريقة محددة جدا ومحدودة".

ويؤجج هذا التبدل الخلافات في المفاوضات الصعبة أساسا مع الاتحاد الأوروبي حول اتفاق تجاري لما بد بريكست. وقال رئيس البرلمان الأوروبي محذرا إنه يعرض لندن "لعواقب خطيرة" من المفوضية الأوروبي.

وشبه رئيس الوزراء الإيرلندي، ليو فاردكار، مناورة الحكومة البريطانية بعمل "انتحاري انقلب عليها" لما سببه من ردود فعل سلبية.

كبير المفاوضين الأوروبيين يريد توضيحات

وبعد وصوله إلى لندن، سيسعى مفاوض الاتحاد الأوروبي ميشال بارنييه، إلى الحصول على توضيح بشأن هذه التطورات الأخيرة.

وعبرت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، عن "قلقها البالغ من إعلان الحكومة البريطانية ونواياها انتهاك اتفاق الانسحاب"، مؤكدة أن التراجع ولو جزئيا عن بنود في الاتفاق "ينتهك القانون الدولي ويقوض الثقة" بين الطرفين.

وأعلنت ألمانيا أنها "تنتظر" من المملكة المتحدة أن تطبق الاتفاق حول بريكست "بالكامل". وقالت ماريا أديبار الناطقة باسم الحكومة إن "اتفاق الخروج هو أساس موقع ومصادق عليه بين الطرفين في نظر الحكومة" الألمانية.

وتعهدت رئيسة وزراء أسكتلندا، نيكولا ستورجون، بمحاربة مشروع القانون، واصفا إياه بأنه "هجوم مباشر على نقل السلطة".

وتؤكد الحكومة البريطانية أن التعديلات ضرورية لتسهيل التجارة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد، بين إنجلترا وأسكتلندا وويلز وإيرلندا الشمالية، والمساعدة في تعزيز تدابير التعافي من جائحة كورونا.

وأكد وزير الصحة، مات هانكوك، إنه "مطمئن" لخرق بريطانيا لالتزامات بموجب اتفاقية الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، بعد أن اكتشفت في وقت متأخر فقط على ما يبدو مشكلات في أحكام الاتفاق لإيرلندا الشمالية.

وصرح لإذاعة تايمز أنّ "الالتزام الدولي الأساسي بشأن هذه القضية هو حماية عملية السلام في إيرلندا الشمالية وآمل بشدة أن نتوصل لاتفاق قبل نهاية الفترة الانتقالية".

وذكرت صحيفة "فايننشال تايمز" أنّ جونس "مستاء للغاية" بشأن قرار إعادة كتابة بروتوكول حيوي متعلق بإيرلندا الشمالية في اتفاق بريكست يهدف في الأساس إلى تجنب العودة إلى عقود الاضطرابات التي تسبب بها الحكم البريطاني في المقاطعة.

وقال توبايس إلوود، زميل جونسون في حزب المحافظين ورئيس لجنة الدفاع في مجلس العموم، لإذاعة "بي بي سي" إن خرق اتفاق بريكست يعني أن بريطانيا "ستخسر الأساس الأخلاقي العالي".

وتساءل "كيف يمكننا أن ننظر إلى عيون دول مثل الصين (...) ونشتكي من انتهاكها للالتزامات الدولية تجاه هونغ كونغ أو روسيا بشأن الصواريخ الباليستية أو إيران بشأن الاتفاق النووي، إذا سلكنا هذا الطريق؟".

من جهته، أكد جونسون في مجلس العموم أن الأمر يتعلق "بحماية بلدنا من تفسير متطرف أو غير عقلاني للبروتوكول، يمكن أن يؤدي إلى حدود في بحر إيرلندا يمكن أن يضر باتفاق الجمعة العظيمة وبمصالح السلام في بلدنا".

التعليقات